بيشوى رمزى

الصراع العربي الإسرائيلي.. فقه الأولويات ومعضلة غياب المرونة

الإثنين، 16 أكتوبر 2023 09:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حالة من الزخم باتت تحظى بها مجددا القضية الفلسطينية، لا تقتصر في أبعادها على التطورات الأخيرة، وإنما في واقع الأمر، ترجع إلى العديد من المستجدات، ربما أبرزها "الخلاص" من إرث "الربيع العربي"، إلى حد كبير، بعدما نجحت العديد من الدول العربية، في تجاوز تلك الحقبة، واستعادة أمنها، بعد سنوات من الفوضى، مما ساهم في عودة القضية مجددا إلى صدارة "الأولويات" الفردية لدى القوى العربية الكبرى، بينما باتت على قمة أجندة العمل الجماعي العربي، عبر جامعة الدول العربية، وهو ما يبدو في العديد من الاجتماعات والقرارات التي اتخذتها في الشهور الماضية، سواء في القمم أو الاجتماعات الوزارية التي عقدتها، والتي لم تخلو، على كافة الأصعدة، من كلمة "فلسطين"، وهو ما تجاوز البعد السياسي التقليدي، وإنما امتد إلى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، بهدف تعزيز صمود المواطنين، في مواجهة آلات العدوان العسكرية.
 
وعلى الرغم من كون "أولوية" فلسطين عربيا، سواء جماعيا أو فرديا، حقيقة لا تقبل الجدال أو النقاش، فإن التساؤل الذي يثور في اللحظة الراهنة يدور حول الكيفية التي يمكن من خلالها إدارة "الأولويات"، خاصة وأن ثمة اختلافات كبيرة باتت تشهدها الساحة الدولية، في ظل صعود قوى دولية كبرى، على غرار الصين وروسيا، يمكن التعويل عليهما سياسيا لممارسة مزيد من الضغط، للوصول إلى حلول للأزمة، خاصة مع نجاحات سابقة لبكين في الوساطة بين القوى المتصارعة في المنطقة، وكذلك نجاعة الدور الروسي في دحض الإرهاب في سوريا من جانب، بينما مازالت أحداث الماضي الإقليمي، جراء الفوضى التي نشبت في العقد الماضي، تخيم بظلالها على المنطقة، وبالتالي تبقى هناك مخاوف كبيرة من تدهور الأوضاع إثر حرب إقليمية محتملة من شأنها أن تأكل الأخضر واليابس حال نشوبها.
 
والحديث عن فقه "الأولويات" في واقع الأمر لا يقتصر على الجانب العربي والإسلامي الداعم لفلسطين، فالأمور تبدو ممتدة إلى المعسكر الآخر، رغم التصريحات الداعمة للجانب الإسرائيلي، حيث لم يعد الدعم المقدم للاحتلال، في عدوانه على قطاع غزة، غير محدود، على غرار الماضي، وإنما مرهونا بتطورات الداخل، وحالة التعاطف الشعبي، ومواقف المعارضة السياسية، التي تطالب بمواقف أكثر حزما تجاه الدولة "العبرية" من أجل العودة إلى مائدة التفاوض والكف عن سياستها الانتقامية، وما تمثله من انتهاك لكافة القوانين الدولية، وحقوق الإنسان، والوصول إلى حل سياسي من شأنه احتواء الأوضاع المتفاقمة في اللحظة الراهنة أولا، ثم التحول نحو تحقيق العدالة عبر "حل الدولتين"، وتأسيس دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود الرابع من يونيو عام 1957، وعاصمتها القدس الشرقية، باعتباره الحل الذي يحظى بالشرعية الدولية، ناهيك عن امتداد نطاق الأزمات إلى مناطقهم الجغرافية، في ظل الصراع الحالي في أوكرانيا، وما يمثله من تهديد للحالة الأمنية في أوروبا بأسرها، وتراجع القيادة الأمريكية للعالم.
 
ولعل التعنت الإسرائيلي ومواصلة الاستفزازات، في ظل توسيع البؤر الاستيطانية، وانتهاك المقدسات الإسلامية والمسيحية، يجسد بجلاء حالة من غياب المرونة، في التعامل مع المستجدات الدولية والإقليمية، في ظل أوضاع تبدو مختلفة تماما، إذا ما قورنت بالحال خلال العقود الماضية، والتي ارتبطت مع بزوغ الولايات المتحدة كقوى عالمية، منذ الأربعينات من القرن الماضي، ثم هيمنتها الأحادية على العالم، في أعقاب الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، وهو الأمر الذي يبدو مختلفا في ظل صعود قوى جديدة على النحو سالف الذكر من جانب، ناهيك عن امتداد دائرة عدم الاستقرار إلى مناطق الغرب الجغرافيا، في ظل الصراع في أوكرانيا، وهو ما يمثل تهديدا أمنيا مباشرا لدولها وبالتالي تراجع "الأولوية" التي طالما حظت بها إسرائيل في أجندة الغرب، ولو مرحليا خاصة مع الإدراك العام لحقيقة مفادها استحالة أن يعيش مواطنيها في أمن وأمان دون الوصول إلى حل سياسي، حتى وإن بدت التصريحات الرسمية في هذا الإطار خجولة إلى حد ما.
 
عامل آخر ربما يغيب عن العقل الإسرائيلي يتجسد في تعددية الخيارات أمام الجانب العربي، بعيدا عن الاعتماد المطلق على حلفائها، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، في القيام بدور الوساطة، في ظل انحيازهم المطلق، وهو ما يتطلب خطوات "مرنة" وفعالة، من شأنها مواكبة المستجدات على أرض الواقع والقبول بالشرعية الدولية.
 
فقه "الأولويات" لا يختلف كذلك بالنسبة للمعسكر الداعم للقضية، حيث تبقى معضلة "الانقسام" أحد العوائق الرئيسية أمام الوصول إلى حل الدولتين، وهو ما يساهم في الانتقاص من جدوى الدعم الذي يقدمه المحيط العربي والإسلامي لفلسطين، رغم "أولويتها"، بسبب العجز عن إبداء مرونة في التعامل مع الأزمة الداخلية، وعدم التعاطي الجاد مع الحاجة الملحة لتحقيق وحدة الصف الفلسطيني، حتى يمكن جني ثمار حالة الزخم الذي وضعت القضية مجددا على صدارة الأجندة الدولية، بعد تراجعها لسنوات طويلة.
 
وهنا يمكننا القول بأن "الأولوية"، سواء على الأجندة الدولية أو الإقليمية، لم يعد كافيا لتحقيق الزخم، إلا إذا تمتعت أطراف الأزمة بإرادة حقيقية، والمرونة المطلوبة، للتعامل مع المستجدات الدولية الإقليمية، خاصة وأن الاعتماد على عامل "الأولوية" ربما لم يعد مضمونا في ظل التغيرات الكبيرة التي باتت تطيح بالعالم، على غرار ما شهدته منطقتنا إبان الربيع العربي في العقد الماضي، أو المستجدات الكبيرة على الساحة الغربية في السنوات الماضية، أو ما يشهده العالم من تغيير جذري إثر تغير موازين القوى الدولية في اللحظة الراهنة من جانب ثالث.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة