بيشوى رمزى

ثنائية "القاهرة – باريس"

الأحد، 29 أكتوبر 2023 01:09 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الزيارة الأخيرة التي أجراها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى القاهرة، في ضوء المستجدات التي يشهدها قطاع غزة، في الآونة الأخيرة، جراء العدوان الإسرائيلي، تمثل أحد المحطات الدولية الهامة، في تاريخ الأزمة، مع التعهدات التي أطلقتها فرنسا، حول إرسال المساعدات لسكان القطاع، بالإضافة إلى التزامها الكامل بحل الدولتين، مع الحديث عن التهدئة، والتي وإن لم ترقى للمطالبة بوقف إطلاق النار، تبقى "نقطة تحول" مهمة، ليس فقط في الخطاب الفرنسي، وإنما في الموقف الأوروبي في أسره، خاصة في ظل الدور القيادي الذي باتت تلعبه باريس، تحت إدارة ماكرون، لـ"أوروبا الموحدة" بعد خروج بريطانيا، والتراجع النسبي في دور ألمانيا، بعد تقاعد المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، والتي كانت تحظى بقدر كبير من ثقة واشنطن.

والحديث عن التغير النسبي في خطاب فرنسا، تجاه الأزمة، ومن ورائها أوروبا بأسرها، يمثل خطوة مهمة على طريق التهدئة، بينما تمثل في الوقت نفسه بادرة للضغط فيما يتعلق بالممارسات الإسرائيلية التي تعوق "حل الدولتين"، سواء المرتبطة بتوسيع الاستيطان، مرورا بانتهاك المقدسات، ومحاولة تهويدها، ناهيك عن الدعوات الأخيرة حول تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، في إطار تجريد الدولة الفلسطينية المنشودة من أركانها المتمثلة في الشعب والأرض، بالإضافة إلى تقويض الإرث العربي الإسلامي الفلسطيني، وهو ما يعني إنهاء أي بادرة أمل من شأنها الوصول إلى الحل العادل والشامل، الذي ارتضاه المجتمع الدولي، قبل عقود.

ولكن بعيدا عن جوهر الخطاب الفرنسي، وما يمثله من بارقة أمل نحو تحقيق التوازن في القضية، التي عانت اختلال الموازين الدولية، لعقود طويلة من الزمن، جراء الانحياز الدولي الصارخ لطرف دون الآخر، يبقى انطلاقه من القاهرة انعكاسا مهما للدور المصري الكبير، وتحولها من مجرد وسيط لتحقيق التهدئة، إلى الرعاية الكاملة القاضية، وهو ما يمثل في ذاته أحد التداعيات المهمة لقمة "القاهرة للسلام"، والتي دعت إليها مصر، وشهدت إقبالا دوليا كثيفا، حيث يحمل حديث ماكرون في طياته توافقا حول العديد من النقاط، سالفة الذكر، من شأنها الضغط على إسرائيل في العديد من الملفات المتعلقة بالتهدئة من جانب ووصول المساعدات من جانب آخر وحتى التركيز على حل الدولتين من جانب ثالث، وهو ما يحقق حالة من الاحتواء لرغبة إسرائيل العارمة في الانتقام، والحصار، بالإضافة إلى مساعيها الدائمة لتقويض حل الدولتين عبر الدعوة إلى تهجير الفلسطينيين من أراضيهم.

وفى الواقع، يمثل التوافق المصري الفرنسي، بمثابة امتدادا لـ"ثنائية" جديدة دشنتها القاهرة مع باريس، تجلت بوادرها في العديد من المواقف السابقة، ربما أبرزها في ملف الحرب على الإرهاب، إلى حد استلهام التجربة المصرية، عبر مكافحة الظاهرة التي مثلت تهديدا صارخا لأوروبا بأسرها، في السنوات الماضية، من خلال الاعتماد على الذراع الأمني لملاحقة المتطرفين، بينما تبنت آلية فكرية لمجابهة أفكارهم، عبر إصلاح الخطاب الديني، وحظر استيراد الأئمة من الخارج، بحيث تتوافق أفكارهم مع مبادئ التعايش والسلام بين جميع أطراف المجتمع، وهو ما ساهم إلى حد كبير في تجاوز العديد من الخلافات بين الجانبين، وتحولهما نحو تحقيق حالة من "الشراكة"، ربما كانت التوافقات الأخيرة المرتبطة بالمستجدات في قطاع غزة أحد أهم ثمارها، وهو ما يمكن البناء عليه مستقبلا عبر توسيع دائرة التوافق المنشود ليضم دولا وأقاليما أخرى.

ثنائية "القاهرة – باريس"، ليست جديدة على النهج الذي تبنته الدولة المصرية، في السنوات الأخيرة، فهي تمثل في واقع الأمر امتدادا لشراكات أخرى، تم البناء عليها، لتتجاوز الحالة "الثنائية" إلى نطاق دولي أوسع، على غرار الشراكة الإقليمية بين مصر والأردن، والتي تمثل نقطة انطلاق مهمة لـ"ثلاثية" القاهرة – عمان – بغداد، وما ترتب عليها من تدشين مؤتمر بغداد، والذي ضم دولا أخرى، من بينها فرنسا، ناهيك عن وجود أطراف إقليمية متصارعة داخله، مما حرك المياه الراكدة فيما بينهم، وخلق توافقات، ساهمت في تدشين حزمة من المصالحات بين الدول العربية من جانب، تركيا وإيران من جانب آخر.

وهنا يمكننا القول بأن العلاقات المصرية الفرنسية، تمثل فرصة حقيقية، لتدشين "شراكة" دولية متسعة النطاق، يمكن البناء عليها في المستقبل، سواء فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، والتي باتت تتجاوز الحالة "الإقليمية" المحدودة، جراء تشابك العديد من الأطراف الدولية بها، أو في القضايا والأزمات الدولية الأخرى، حيث تمثل فرصة مهمة لتحقيق نجاحات أخرى في مواجهة ما يلاحق العالم من أزمات ضخمة، سواء جراء الصراعات التقليدية من جانب، أو فيما يتعلق بالأزمات المستحدثة على غرار ظاهرة التغير المناخي، والتي تلعب فيها الدولتان دورا كبيرا، في إطار نجاحهما في تحقيق طفرات كبيرة، في هذا الإطار خلال استضافتهما للقمم المرتبطة بها، عبر اتفاقية باريس المناخية، والتي وقعت في ديسمبر 2015، والتي ارتبطت بتخفيف الانبعاثات، بينما جاء صندوق الخسائر والأضرار الذي دشنته قمة شرم الشيخ الأخيرة، بمثابة مكملا مهما لها، عبر لتوفير التمويل  اللازم للدول النامية بعدما لحق بها من خسائر إثر الظاهرة، وهو ما من شأنه تضييق فجوة الخلاف بين الدول المتقدمة والنامية في هذا الإطار.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة