أكد مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير جمال بيومى، أن حرب السادس من أكتوبر 1973 لم تُمكن مصر فقط من استرداد أرضها، بل عدلت ميزان القوى بالمنطقة العربية والشرق الأوسط.
وأوضح الخبير الدبلوماسي، في تصريح لوكالة انباء الشرق الاوسط، اليوم الجمعة، بمناسبة مرور نصف قرن على نصر أكتوبر ، أن تفوق الجيش المصري على الجيش الإسرائيلي الذي كان الأعلى في الإمكانيات والتسليح والتحصينات، قد خلص المنطقة بأكملها من شبح وجود جيش معتدي لا يقهر.
وذكر السفير بيومي، الذي كان يعمل دبلوماسيًا ببعثة مصر بالبرازيل عام 1973، بأن مقدمات الحرب جاءت في سلسلة من إجراءات تضليل العدو، وإعطاء صورة بأن مصر غير جاهزة للحرب، إذ أرسل الرئيس الراحل محمد أنور السادات رسائل قبل الحرب إلى قادة دول العالم لتوضيح جهود مصر لإنها احتلال سيناء بالطرق السلمية.
وروى السفير بيومي، الشاهد على تلك الفترة، بأن سفارتنا في "ريو دي جانيرو" تلقت في سبتمبر 1973 رسالة سرية عاجلة, قائلًا:"كنت سكرتير الرمز بالسفارة، وفور حل هذه البرقية الرئاسية، طلب سفيرنا موعد لمقابلة رئيس جمهورية البرازيل لإبلاغه برسالة الرئيس السادات له، وكانت الرسالة تسجل جهود مصر لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لسيناء بالطرق السلمية.. وأنها بذلت كل ما في وسعها للتوصل إلي حل في ضوء قرار مجلس الأمن 242 الشهير، الذي صاغة اللورد كارادون بأسلوب يجعل كل طرف يفسره وفق رؤيته: إنسحاب من [كافة] الأراضي كما تراه مصر، أو انسحاب من [بعض] أراض كما تراه إسرائيل".
وأضاف السفير بيومي أن الرسالة الطويلة من الرئيس السادات لنظيره البرازيلي انتهت بإبلاغ أصدقاء مصر أننا قررنا عرض القضية مجددًا علي الأمم المتحدة، وكان ذلك كله – حسبما اتضح لاحقًا - ضمن سيناريو الإعداد الدولي لمسرح المعركة، أي إعدادًا للمفاجأة الكاسحة يوم 6 أكتوبر.
وتابع أنه عندما بدأ العبور المصري في الساعة 1400 بتوقيت القاهرة كانت الساعة ما زالت الثامنة صباحًا في "ريو دي جانيرو"، ثم بدأت الأخبار تتوالي، موضحًا:" وفي الساعة الثالثة عصرًا حضر ممثلو قناة "أو جلوبو O Globo" التليفزيونية، وطلبوا أن أظهر بعد نشرة أخبار السادسة مساءّ لأعلق على أنباء الحرب، ولم تكن لدينا أنباء موثقة من مصادر رسمية مصرية، ولم يكن لدينا لاسلكي أو تلكس أو حتي راديو يعتمد عليه.. وكانت الاتصالات التليفونية بالقاهرة من رابع المستحيلات..ولم يكن الفاكس والإنترنت قد اخترعا بعد، وأجهزة الراديو لم تكن – رغم كفاءتها – تلتقط إذاعات مصرية سوي صوت العرب بصعوبة في المساءَ، فاتصلت بالسفارة في "برازيليا" مستفسرًا ولم تكن السفارة أسعد حظًا في معرفة الأخبار".
وتابع أنه في اليوم التالي من المعركة كان من الواضح للعالم أن القوات المسلحة المصرية تحقق معجزة عسكرية، وهو ما وصفته مجلة "تــــايم" – وقتها - بانه واحد من أعظم الانجازات العسكرية بكل المقاييس، وأن آلاف المقاتلين المصريين نجحوا في عبور القناة والاستيلاء علي خط بارليف في وقت قياسي، وأن خسائر إسرائيل تعادل خسارة جيش أمريكا لنحو 200 ألف مقاتل بين قتيل وجريح، وذلك مقارنة بعدد السكان ونسبة القوات المسلحة في البلدين.
ولفت السفير بيومي إلى أنه عندما تأكد النصر، عمت فرحة عارمة في أوساط الجالية العربية وأغلبها من أصول لبنانية وسورية وفلسطينية، ونحو ألف مصري، "وعشنا فترة طويلة في احتفاليات متصلة في النوادي العربية البرازيلية الكبري.. شعرنا بلذة الانتصار علي بعد 7000 ميل".
وقال السفير جمال بيومي إن ما زادنا من إحساسنا بالنصر رغم بعد المسافة عن الوطن هو أن وسائل الإعلام البرازيلية أقبلت علينا بثقة ومودة فضلًا عن التعاطف مع مصر التي تحتل مكانة طيبة لدي الإعلام والرأي العام في البرازيل.
وذكر بانه فور انتهاء المعارك صدر الكتاب الإسرائيلي بعنوان (المحدال) أي التقصير بالعربية، والذي كتبه ستة من الصحفيين، حيث قامت صحيفة لبنانية بالبرازيل بترجمته وبإمكانيات محدودة للغاية وتم توزيع نسخ تخاطفها أعضاء الجاليات العربية بالبرازيل .
وأكمل أن الكتاب تحدث بدقة عن تطورات الساعات الأولي من المعركة وكيف أن الجانب الإسرائيلى فوجئ بالحرب، مما أدى لفقدانه لتوازنه، وأن خطة الخداع الاستراتيجي نجحت بالكامل، حتي أنه عندما تم استدعاء الجيش الإسرائيلى كانت القوات المصرية قد نصبت كباري العبور الكبير وبدأت في تحطيم خط بارليف، وهو ما وصفه أحد قادتهم بالهجوم الصيني؛ وذلك من كثرة أعداد القوات التي كانت قد عبرت وحققت خطوات النصر الأولي، وكل ذلك كان محل تحقيق "لجنة أجرانات" التي كلفت بالتوصل للكشف عن سبب التقصير والغفلة، مختتمًا "وهي التي لم تكشف بوضوح عن نتائج تحقيقاتها حتي الآن وبعد نصف قرن من الحدث".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة