هناك أسئلة تطرح نفسها على رؤساء، ورؤساء حكومات العالم المتحضر المتقدم الديمقراطى الحقوقى، فى مواجهة العدوان المتواصل منذ شهرين على غزة، وقتل أطفالها، أسئلة تتعلق بالكثير من المبادئ والقيم التى يروجون لها، ويصدرون حولها التقارير، ويدعون العالم للعمل بها، بينما الواقع يقول إنه بالرغم من تقارير كل المنظمات الدولية، والتجمعات والتنظيمات الإنسانية، فقد فشلت أوروبا، وأمريكا، وبريطانيا، فى اختبار غزة، ليس فقط بالصمت، ولكن بالسلاح والدعم المادى والمعنوى والإعلامى والدبلوماسى والسياسى، وبالسلاح الذى تقدمه الولايات المتحدة المصحوب بالمليارات، والتقنيات، والفيتو.
أول سؤال: ألم يكن العالم يعرف حق الفلسطينيين فى أرضهم، وأنهم أصحاب الأرض الذين يطالبون بحقهم، بينما الولايات المتحدة تعطى إسرائيل الحق فى الدفاع عن نفسها بقتل الأطفال؟! وهل يمكن للعالم فعلا أن يتحرك فى مواجهة العدوان على غزة، تضامنا مع الفلسطينيين؟ ألم يكن العالم يعرف قضية فلسطين قبل العدوان الأخير؟! وهل يمكن أن تسفر التظاهرات والمسيرات والأصوات التى ترتفع فى برلمانات أوروبا، والولايات المتحدة، عن أى جهود فى المستقبل للدفع نحو حصول الفلسطينيين على حقوقهم ودولتهم؟ وهل الحكومات والقيادات فى الولايات المتحدة وأوروبا، لا يعلمون من تقارير أجهزتهم وخارجيتهم، أو حتى من الفيديوهات والصور، حقيقة حرب الإبادة التى يشنها الاحتلال ضد الأطفال فى غزة؟! وإذا كانوا يعلمون، فلماذا يتجاهلون العدوان وصرخات الأطفال وينحازون للعدوان؟!
الشعوب الحرة فى كل مكان خرجت لتقول للحكومات: «أنتم تدعمون قتل الأطفال»، لكن الحكومات ترفض الاستماع، بل وتواصل دعم العدوان. لقد انتفض العالم المتقدم من قبل أمام جرائم أقل كثيرا مما ارتكبه الجيش الإسرائيلى ضد المدنيين فى غزة، لم يسبق أن رأى العالم حتى فى ظل اشتعال الحرب العالمية، طيرانا يقصف المستشفيات ويفجر مستودعات الدواء مثلما جرى فى مجمع الشفاء بغزة، وهل يمكن أن يرى العالم محاكمة نتنياهو ومن معه من مجرمى الحرب على جرائمهم، وأن يقفوا أمام محكمة دولية ليحاسبوا على كل هذه الجرائم ضد الإنسانية؟ لقد احتاج الوصول إلى هدنة إنسانية 8 أسابيع، وكان الفيتو الأمريكى حائط صد فى مواجهة أى قرارات لوقف العدوان.
وحتى عندما حاصر جيش الاحتلال مستشفيات غزة، وقصفها، كان حديث الإدارة الأمريكية أقرب لعتاب الأحبة، ولم يكلف المبعوث الإسبانى «ساترفيلد» نفسه بإطلاق تصريح إدانة، وردد مزاعم الاحتلال، الخاصة بأن المستشفيات تخفى السلاح والمحتجزين، وبالتالى لا يتوقع من بايدن أو إدارته السماح بتمرير أى إدانة للعدوان وجرائمه، فى وقت تشكلت مجموعات من كبار المحامين فى فرنسا وأوروبا، للسير فى دعاوى محاكمة مجرمى الحرب فى إسرائيل على جرائمهم، ربما نكون بحاجة إلى أن يصطف العرب مع الداعين للمحاكمات، ليدفعوا نحو السير فى هذه المواجهة، خاصة أن القمة العربية الأخيرة، وقبلها قمة القاهرة للسلام، طرحتا فكرة محاكمة إسرائيل على جرائمها ضد أطفال غزة.
والأهم هو أن يكون هناك موقف عربى، وأن يسعى الفلسطينيون للتوحد واستعادة الصف، ليكونوا معا فى معركة قادمة ربما تكون الأكبر والأشد، وقد سعت الدولة المصرية إلى المصالحة، وكانت دائما مع استعادة وحدة الصف والفصائل، حتى يمكن الذهاب إلى المستقبل معا، ومع عنف العدوان أصبحت هناك سياقات تعيد للقضية الفلسطينية صوتها، وأصبح الحديث عن مسارات السلام وحل الدولتين واردا فى تصريحات وتقارير وبيانات للدول الكبرى، وآخرها إعلان رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز، حول العمل على الاعتراف بدولة فلسطين، ودعوته لتنظيم قمة للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهو ما يمثل خطوة جديدة على طريق أرسته الدولة المصرية مبكرا فى قمة القاهرة للسلام، وقبلها تصريحات وتأكيدات الرئيس عبدالفتاح السيسى، والتى اعتمدت مبدأ حماية القضية وحق الفلسطينيين فى تأسيس دولتهم، ورفض التصفية أو التهجير أو أى حل لا يعيد الحق لأصحابه.
لقد عاد الزخم للقضية الفلسطينية، وهو أمر يحتاج الكثير من الجهد للاحتفاظ بالوهج، والسعى لمحاسبة المجرمين، والأهم الوصول إلى الدولة الفلسطينية، وهو ما يتطلب وحدة فلسطينية وتوحدا عربيا ينطلق من الفعل، ولا ينتظر أن يكون رد فعل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة