عرف الشاعر والكاتب كامل الشناوى، الفنان محمد عبدالوهاب وأمير الشعراء أحمد شوقى فى يوم واحد فى يناير عام 1931، حسبما يكشف فى أحد فصول مذكراته بمجلة «آخر ساعة»، بعنوان «خناقة بين شوقى والعقاد والمازنى حول عبدالوهاب» يوم 17 مارس 1965.. «راجع، ذات يوم، 17 مارس 2023».
يذكر «الشناوى»، أن صلته ظلت مستمرة مع شوقى، يؤكد: «كان يستريح إلى لقائى كل يوم فى داره «كرمة ابن هانئ» أو فى مكتبه الذى يحتل بدروم إحدى عماراته المجاورة لمبنى جريدة «الجمهورية» بشارع الشيخ زكريا أحمد، وكانوا يطلقون على هذا المكتب اسم «دائرة شوقى بك»، وكثيرا ما التقيت بعبدالوهاب فى الكرمة أو فى الدائرة، ولكنى لم أسمعه وهو يغنى أمام شوقى، فقد كنت ألقى شوقى فى النهار، أما سهراته الخاصة فلم أحضر سهرة واحدة منها».
يؤكد «الشناوى»، أن حب شوقى لعبدالوهاب كان عميقا جارفا، فهو يكن له عاطفة والد ورعاية أستاذ، وحنان شاعر، واختار شوقى لعبدالوهاب أساتذة يعلمونه أصول الغناء، ويثقفونه فى الأدب وألحقه بمعهد الموسيقى الشرقية، وتولى تقديمه إلى أئمة الرأى والقادة والزعماء، وعلى رأسهم سعد زغلول، وكانت نصيحة شوقى التى أسداها لعبدالوهاب، وانتفع بها هى أن يصغى أكثر مما يتكلم، وقد رأيت عبدالوهاب فى مجلس شوقى لا يفتح فمه بكلمة تعليقا على ما يسمعه من مناقشات، فإن انفض المجلس أخذ يسأل عن الأشياء التى استعصى عليه فهمها.
يكشف «الشناوى» عن المرة الوحيدة التى رأى فيها عبدالوهاب يتكلم فيها بصوت مرتفع فى مجلس شوقى، عندما قال له شوقى: «إنى أتمنى أن تموت يا محمد»، يصف الشناوى رد فعل عبدالوهاب، قائلا: «امتقع لون عبدالوهاب من الذعر والدهشة، وقال لشوقى فى انفعال شديد: ليه يا باشا؟! هل تكرهنى إلى هذا الحد؟»، فابتسم شوقى وقال: «بل إننى أحبك إلى هذا الحد»، قال عبد الوهاب: «من يحب إنسانا لا يتمنى له الموت»، قال شوقى وهو يضحك: «أنا أتمنى لك أن تموت لكى أرثيك بقصيدة تخلدك وتخلدنى»، فقال عبدالوهاب: «ألا توجد طريقة أخرى للخلود؟!»، فضحك شوقى وربت على كتف عبدالوهاب واسترضاه، يذكر «الشناوى» أن شوقى كان كلما نظم قصيدة يحرص قبل إذاعتها أن يسمعها عبدالوهاب ولما سأله: لماذا يحرص على ذلك وعبدالوهاب ليس بالشاعر ولا بالأديب؟! فقال: «عبدالوهاب يمثل الأغلبية».
يعود الشناوى إلى السنة التى بدأ فيها نجم عبدالوهاب فى اللمعان، وكان فى 1924، ويؤكد أن شوقى كان وراء ذلك، حيث كان يمد الصحف بأخبار عبدالوهاب وبالعبارات التى تشيد بصوته وموهبته، غير أن المطرب والموسيقار الجديد طاله رزاز المعارك المضادة لشوقى من خصومه، ويتحدث عنها الشناوى، قائلا: «كانت المعركة على أشدها بين شوقى وخصومه من الأدباء والنقاد، وظهر فى ذلك الحين كتاب «الديوان» للكاتبين الكبيرين عباس محمود العقاد، وإبراهيم عبدالقادر المازنى، وتناول الكتاب شعر شوقى، وشخصه وتاريخه وحياته بالهجوم والنقد والتجريح، وكان أنصار شوقى يتعصبون له ضد خصومه، وكان أعداء شوقى يتعصبون ضده فالحسن عنده قبيح عندهم، وما يراه صوابا يرونه خطأ، فالصوت الذى يعجبه ليس إلا حشرجة، وبلبله المغرد ليس سوى غراب ناعق، وأخذ المازنى يهاجم المطرب الناشئ فى جلساته الخاصة، ويقول إن صدر عبدالوهاب ضيق، ولا يصلح لأن يكون مغنيا، ولكن يصلح فقط لأن يكون مريضا».
يؤكد «الشناوى» أن المازنى لم يكن يسمع عبدالوهاب شخصيا، وأراد أحد أصدقاء عبدالوهاب أن يحميه من هجوم المازنى، فأقام حفلة خاصة دعا إليها المازنى والعقاد، وغنى عبدالوهاب فى الحفلة، وأبدى العقاد إعجابه بصوت عبدالوهاب وقال إنه لا عيب فيه إلا إعجاب شوقى به، وأن صوته قوى، عذب، جذاب، ووافق المازنى على هذا الرأى، ونظم العقاد قصيدة قال فيها: «إيه عبدالوهاب: إنك شاد / يطرب السمع، والحجى، والفؤادا/ قد سمعناك ليلة فعلمنا/ كيف يهوى المعذبون السهادا/ وأعدت الحديث فى كل لحن/ فعشقنا من الحديث المعادا/ ونفينا الرقاد عنا لأنا/ قد حلمنا/ وماغشينا الرقادا».
وكتب المازنى يصف الليلة التى سمع فيها عبدالوهاب، قائلا: «من أمتع ما مر بى فى هذه الحياة التى لا أراها ممتعة ولا أحب أن تطول أو تتكرر، ليلة قضيتها بين شراب وسماع، فأما الشراب فلعل القارئ أدرى به، وأما السماع فقل من شجى به كما شجيت فى تلك الليلة، إى والله، وما زلت إلى الساعة، كلما خلوت بنفسى أغمض عينى وأتسمع، وأحاول أن أبتعث ذلك الصوت البديع الذى هاجنى إلى ما بى كما لم يهجنى صوت سواه، وقد أغالى فى إكبار هذه الثروة الصوتية، وأتمنى لو رزقت شيئا منها بكل مالى، لو أن لى شيئا، ثم أعود فأسخر من نفسى، وأضحك من أمنية يستخفنى إليها الطرب العارض».
ونواصل باقى الحكاية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة