مؤكد أن لحافظ القرآن الكريم في الدنيا مكانة رفيعة بين الناس، فقد روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام قال "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين"، لذا، فإن التنشئة السليمة وغرس القيم الأخلاقية فى نفوس الناشئة منذ نعومة أظافرهم عمل عظيم يحمى أطفالنا من أخطار الحداثة، لأن التفاعل والمشاركة في البرامج الدينية وحفظ القرآن فيه من الخير الكثير للشباب والمجتمع، إضافة إلى أن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي حفظه الله في الصدور وينقل تواترًا حماية له من التبديل والتحريف والزيادة والنقصان، بذلك فإن الكتاتيب والمسابقات القرآنية تعد جندا من جنود الله تعالى لتأكيد حفظه في قلوبِ إُناسٍ شرفهم الله لحفظ كلامه، فطوبى لهم وحسنُ مآب..
والأهم أن نعلم أن الله جلّ شأنه قد أمر أن نقبل على القرآن الكريم تلاوة وتدبراً وعملاً فنظفر بسعادة الدارين، فقد قال تعالى، "قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم"، وقوله تعالى «إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً»، غير أن الله قد تكفل بمن تمسك بالقرآن بألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، إضافة إلى أن الله تكفل أن يرفع من شأن حملة كتابه العزيز، فقد قال سبحانه وتعالى: «فمن تبع هداى فلا يضل ولا يشقى»، وقوله «ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون".
وما نود الإشارة إليه، أن هناك نماذجا مفرحة كثيرة، ومصابيح هداية نراها فى مسابقات حفظ القرآن الكريم التى تشرف عليها وزارة الأوقاف أو الأزهر الشريف، ونموذجا ما رأته خلال مشاركتى فى حفل تكريم حفظة القرآن الكريم بمنطقة كوم بكار بآخر فيصل، التابعة لحى الهرم بالجيزة من مشاهد مبهجة وأصوات عذبة وجمال أطفال فى سن العاشرة من العمر يحفظون كتاب الله بإتقان وإبهار، والأجمل حرص أهالى المنطقة وأعضاء جمعية تنمية المجتمع المحلى على تشجيع الأطفال والأسر للحفظ والمشاركة في المسابقات، من خلال الدعم المتواصل والتشجيع الدائم، والتحفيز المستمر، والمساهمة في توزيع جوائز وتكريم الأطفال، لتحقيق نتائج عظيمة رأيناها على وجوه براعم من النشء فرحون أنهم أصبحوا من أهل الله وخاصته، وسعداء بالجوائز والتكريم، وكلهم أمل وطموح نحو مستقبل مشرق فى رحاب كتاب الله، غير أن هذه الجهود تؤكد أن الخير ما زال باقيا رغم ما تفعله الحداثة في حياتنا من طغيان المادة والاهتمام بالرفاهيات والماديات على حساب القيم والأخلاق.
لذلك، علينا أن نعلم أهمية الكتاتيب التى تعد المدرسة الأولى لتعليم الأطفال، وهنا وجب أن نثمن توسع الأزهر والأوقاف خلال الفترة الماضية فى مكاتب تحفيظ القرآن العصرية، لإيجاد بيئة إيمانية قرآنية تسودها العقيدة السمحة، وترتكز على المحبة والتعددية وتخدم قضية تجديد الخطاب الدينى بعيدا عن التطرف والغلو، خاصة أنها تعتمد على الحفظ وفهم المعانى لبناء شخصية الأطفال بناءً فكريا وأخلاقيا سليما فى ظل انتشار ظواهر غير حميدة بفعل عالم السوشيال ميديا وغياب القدوة فى المجتمع، والتحول الخطير للأسرة فى تربية الأبناء سواء من خلال التقليد الأعمى لثقافات غربية أو باتباع سلوكيات ومناهج ضد العادات والتقاليد والثوابت الأخلاقية والوطنية لمجتمعاتنا.
وأخيرا.. نقول، إن حفظ القرآن الكريم في الصغر أمر ضروري يجب أن نشجع عليه الأسرة لحماية المجتمع من آفات العصر، خاصة أن رغبةُ الطفل في حفظ القرآن لا تتشكلُ بصورة تلقائية عفوية وإنما نتيجة لتوافر القدوة في الوالدين، وأن الأمة لا يصلح آخرها إلا بما صلح بها أولها، وهو طريق القرآن الكريم.. لذا، تحية تقدير وامتنان لكل من يرعى ويهتم بحفظة القرآن الكريم، ويقيم لهم المسابقات، ويكرمهم تحفيزا وتشجيعا، فحاجتنا للدين ليس فقط حاجة روحانية، بل أصبحت مطلبا اجتماعيا لمعالجة أمراض المجتمع فى ظل انهيار منظومة القيم والأخلاق سيرطة العالم الفضاء الإلكترونى على حياتنا..