ينطلق الحوار الوطنى بعد انتهاء الإعداد وبناء المحاور من مشاركة واسعة على مدى شهور، وبلورة الكثير من الآراء فى محاور سياسية واجتماعية واقتصادية، ويتوقع أن تكون الأحزاب والتيارات السياسية والخبراء، قد استعدوا للبدء فى طرحهم، ومطالبهم من الحوار، خاصة أن هناك الكثير من الأفكار، يفترض أن يتم تركيزها فى توصيات للتطبيق العاجل، وأخرى لسنوات مقبلة، باعتبار الحوار يضع خارطة للمستقبل، ومن خلال ما تحقق خلال السنوات الأخيرة، وتجارب متتالية فإن الحوار يمثل فرصة لتوسيع المشاركة، للأحزاب والتيارات السياسية، بل والمجال السياسى نفسه أخذا فى الاعتبار التحولات التى جرت على العمل العام والتطورات فى الاتصال وتداول المعلومات وانتشار منصات الرأى.
الحوار هو وسيلة لإدارة التنوع، والانفتاح على الكثير من الآراء المتنوعة، فى المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتؤكد التجربة أن الأفكار والآراء تتضح أكثر بالحوار والمناقشات، التى تتيح عرض الأفكار، وبالتالى فإن الحوار الوطنى يستهدف إنتاج مجتمع سياسى، يشمل مختلف الأطياف وجميع الألوان، خاضه بعد استجابات من الرئيس لمطالب الإفراج عن محبوسين، بقرارات النيابة، أو العفو عمن صدرت بحقهم أحكام، فضلا عن دور لجنة العفو فى إعادة المفرج عنهم للمجتمع، وإلى أعمالهم، وهى خطوات تعنى بناء ثقة تفتح الباب لمزيد من الجسور.
وعلى مدار شهور، تحدث سياسيون ونواب ونشطاء فى القنوات، أو كتبوا على صفحاتهم، آراء أو مطالب وتصورات حول رؤاهم للحوار أو ما يرون أنها القضايا الأولى بالمناقشة، ومع ما تمت مناقشته أو تلقته جهات تنسيق الحوار، تبلورت رؤى مختلفة يمكن أن تمثل أرضية للحوار، من خلال محور سياسى، ومحور اقتصادى، ومحور اجتماعى، وكل من هذه المحاور يحتمل مزيدا من الأفرع، والنقاط التى تستحق المناقشة.
ويوفر الحوار ميزات تمنح التيارات والخبراء قدرة على قراءة الملفات، والتعامل مع الأرقام والقضايا الاقتصادية والاجتماعية، بناء على دراسة، ويتيح فرصة النقاش حول المستقبل وتوسيع المجال العام، بما يفتح آفاق التفاهم، ويرتب مسؤولية على أطراف الحوار، بما يفتح المجال للنقاش بين التيارات السياسية وبعضها، وليس فقط بين حكومة ومعارضة، حيث يحمل كل تيار تصوراته السياسية والاقتصادية ورؤيته للأولويات بشكل يتناسب مع أسسه الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، ونقصد يسارا ويمينا، وإن كان الواقع الاقتصادى العالمى اليوم أسقط الكثير من الحواجز التى تفصل بين الأيديولوجيات المختلفة.
وما ينطبق على الاقتصاد يطبق على الملفات السياسية والأهلية، حيث يتيح الحوار طرح وجهات نظر فى المطالب السياسية، بعد إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التى تتضمن الكثير من المواد والبنود التى تغطى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، بجانب حرية الرأى والتعبير، والممارسة السياسية، والرضا الشعبى، وجودة الخدمات.
صدرت الاستراتيجية بناء على مناقشات وبمشاركة واسعة من المعنيين بالملف، بل هى نتاج نوع من الحوار يمكن الاستفادة منه فى بلورة الأفكار الخاصة بالسياسة والاجتماع، بما يجعلها محل توافق، وقد صدرت بناء على معطيات محلية، انطلاقا من أن كل دولة لها ظروفها السكانية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية، والتى يفترض التعرف عليها لاتخاذ القرار.
هناك أهمية لأن تتفاعل أطراف الحوار مع هذه الاستراتيجية، بما يجعلها أساسا يمكن الانطلاق من تطبيقه لحل الكثير من الملفات وتلبية المطالب، بما يفتح بابا للنقاش حول المستقبل، ويضمن حياة سياسية نشطة، ومجتمعا أهليا متفاعلا، يخضع للقانون ويعمل تحت مظلته، انتقالا لمرحلة تتناسب مع ما بعد انتهاء الإرهاب، وبناء على معطيات ترتبها تطورات سياسية أخرى، إقليمية أو دولية، تتطلب تفاعلا وتفهما لملفات متعددة.
ويناقش المتحاورون القضايا الاقتصادية التى تتعلق بحياة الناس اليومية، مثل الأسعار الخاصة بالغذاء والدواء والمعيشة اليومية، مع الأخذ فى الاعتبار أن هناك إدراكا لكون الأزمة العالمية الاقتصادية لها انعكاساتها على الأسعار بشكل عالمي، وتوضيح هذا الارتباط، وأيضا إدراك أن المشروعات القومية فى الطرق والنقل والكهرباء والزراعة مهدت لجذب استثمارات، وساهمت فى تخطى أزمة أربكت اقتصادات كبرى، فضلا عن إجراءات الحماية الاجتماعية التى تمت على مدى ثلاث سنوات، لمواجهة تداعيات كورونا، أو معالجة انعكاسات الأزمة العالمية على الاقتصاد، ولا يمكن النظر إلى هذه الإجراءات بمعزل عن التحولات والتطورات التى جرت على مدى السنوات الماضية.
ويظل الحوار غير المشروط فرصة لإدارة التنوع واستيعابه، فى نطاقات أوسع وأكثر تعددية.
p