كانت الساعة السابعة والثلث مساء السبت، 7 مايو، مثل هذا اليوم، 1898، ولم تكن السهرة بدأت بعد فى «الكلوب الخديوى»، فهى لا تبدأ عادة إلا بعد العشاء، حسبما يذكر صلاح عيسى فى كتابه «حكايات من دفتر الوطن»، مضيفا: «كان الموجودون لا بأس بهم، عيانى باشا وزير الحربية، ويعقوب أرتين وكيل وزارة المعارف، والكونت دس لاسال، ومظلوم باشا، وفى الشرفة كان البرنس فؤاد باشا الذى سيصبح سلطان مصر من 1917 إلى 1922، ثم ملكها من 1922 حتى وفاته عام 1936.
يذكر عيسى: «وصل البرنس أحمد سيف الدين، شقيق الأميرة شويكار، زوجة فؤاد، إلى باب الكلوب، ونزل فؤاد إلى صالون الدور الأول، وما كاد عيانى باشا يقف لتحيته، ومظلوم باشا يطوى صحيفة فرنسية كان يقرأها، حتى كان سيف الدين يقف أمامهم وهو يشهر مسدسه، أدرك فؤاد على الفور ما يرام به، صاح سيف الدين: سأقتلك، فتوارى البرنس فؤاد خلف عيانى باشا، ثم انسحب فى اتجاه قاعة المقامرة، أدركه سيف الدين بثلاث رصاصات استقرت واحدة فى فخذه، وأخرى استقرت ببطنه وطاشت الثالثة».
وقع فؤاد على الأرض، ونزل القاتل بثبات»، ووفقا لعيسى: «كان يعقوب باشا قد سمع الصيحات، فأمر البواب بإغلاق باب النادى، وحاول القاتل فتحه فلم يستطع، وأطل عليه من باب الكلوب الزجاجى عسكرى، طلب منه أن يفتح الباب، فاشترط العسكرى أن يعطيه المسدس ويسلم نفسه له، وبعد ذلك قادوه إلى قسم شرطة عابدين، وفى طريقه كان هادئا جدا، ويسير على قدميه والمسدس بيده، وبصحبته العسكرى وخلفه على بعد قليل عدد من الباشوات، وعلى مكتب المعاون وضع المسدس، وقال بهدوء: قتلت الأمير فؤاد لأنه عدو عائلتنا هو وعمه الخديو عباس».
انتقل فؤاد إلى المستشفى، ويذكر عيسى: «كان هو أصغر أبناء الخديو إسماعيل، ومعروفا آنذاك فى أوساط العائلة المالكة بأنه شاب مفلس كثير الاقتراض، مقامر، سكير، وهى شهرة تعدت الأوساط الملكية لتصل إلى رجل الشارع العادى، الذى كان يصفه بأنه «شمام»، ولم يكن مقصودا بهذا التعبير العامى معناه الحقيقى - وهو شم الكوكايين - ولكنه تعبير يصف تدهور أحواله العامة، وافتقاده للاحترام الاجتماعى، كان بتعبير بيرم التونسى «مقامرا لا ترحب به أندية القمار، لأنه مفلس ولا يسدد ديون اللعب»، ويدلل عيسى على ذلك بقوله: «الملاحظ - والفكرة قالها أستاذنا يحيى حقى شفاهة - أن الفرع الذى ينتمى إلى إسماعيل من أسرة محمد على، فرع شره إلى المال بدرجة مرعبة، فمن تولى منهم العرش، توفيق وعباس حلمى وحسين كامل وفؤاد وفاروق، كانوا لصوصا مشهورين، وكان شرههم الأساسى للأرض، يبذلون الجهد لاستلابها بأى سبيل حتى لو كان اغتصاب التنظر على الأوقاف الخيرية والأهلية، بل إنهم لم يتعففوا حتى عن السرقات الصغيرة».
يعيد «عيسى» نهم «فرع إسماعيل باشا» إلى المال لأن «أملاك إسماعيل انتقلت إلى ملكية الدولة، بموجب قانون التصفية الذى صدر قبل عزله عن العرش، وذلك تسديدا للديون الشخصية التى اقترضها من الأجانب، وبهذا لم يترك لأولاده ثروات تكفيهم للحفاظ على هيبة الإمارة، فأصبح كل هم الذين جلسوا على كرسى العرش من بعده، أن يستردوا هذه الأموال التى استولت عليها الدولة، ويكفى للتدليل على هذا أن نعلم أن «فؤاد» لم يرث عن أبيه سوى 800 فدان فقط، استطاع بعد توليه الملك أن يصل بها إلى 35 ألف فدان فضلا عن 45 فدانا من أراضى الأوقاف، وثروة نقدية لا تقل عن أربعة ملايين جنيه».
نجح «فؤاد» وهو فقير ومفلس فى اصطياد قلب «شويكار» حفيدة إبراهيم باشا، فانتقلت إلى قصره المتواضع بالزعفران وتزوجته، يذكر عيسى: «خلال السنوات الثلاث الأولى من الحياة الزوجية صح ما توقعه العارفون، فقد استطاع الزوج أن يحصل من زوجته على توكيل بإدارة أعمالها المالية، وتدريجيا بدأت الزوجة تلاحظ أنه يستلب أموالها منها، بل إنه حتى لم يدفع لها مقدم صداقها وقدره 10 آلاف جنيه، كتبها فى العقد وتعهد بدفعها حين ميسرة، ثم أنه بعد هذا كله لا يدفع مليما لمصروفات القصر، ويتركها وحيدة، ويسافر إلى القاهرة فيمضى أيامه هناك فى قصر البستان الذى يملكه فى باب اللوق وهو يسكر كثيرا، ويخسر كثيرا فى القمار، وكل وقته ضائع فى الكلوب الخديوى يحاول أن يكسب دورا فى البوكر حتى لو اضطر إلى سرقة «الآس» وإخفائه فى حذائه».
دبت الخلافات بينهما، ويؤكد أحمد شفيق باشا رئيس ديوان الخديو عباس الثانى فى الجزء الثانى من مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن»: «قرر المتهم أنه أقدم على هذا الاعتداء انتقاما لأخته شويكار، وقد كتبت لأخيها قبل أيام من محاولة القتل تقول فيه: خلصنى من قسوة هذا الرجل المتسلط علىّ.. وأن ما كانت تشكوه هو طمع زوجها فى مالها، وعمله على انتزاع توكيل منها هى لا تريده».
يضيف شفيق باشا: «سمعت البرنس حسين كامل يقول على أثر وقوع الجناية: لقد رأينا بين أعضاء أسرتنا المقامر والسكير ولم يكن ينقصنا سوى القاتل».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة