كثُر الحديث خلال العقود الثلاثة الماضية عن التنمية المستدامة، وأصبحنا نسمع هذا المصطلح كثيرا، وأن التنمية المستدامة هى طوق النجاة للخروج من الأزمات والتغلب على التحديات، وهى الطريق نحو مستقبل أفضل، وأصبح الكثير يعتقد أن التنمية مفهومها لا ينصب فقط إلا على الجانب الاقتصادي، وهذه كارثة في حد ذاتها تتطلب وعيا وتصحيحا، لأن التنمية تعني التنمية في الفكر والثقافة وفي الجانب الاجتماعي والسلوكي والأخلاقي والروحاني وكذلك التنمية في الجانب البيئي والاقتصادي.
بل أن الغريب والعجيب أن هناك من يعتقد أن مثل هذه المصطلحات وليدة الحضارة الغربية الحديثة ومقتصرة عليها فقط، متناسين أن التنمية مصطلح قديم في الإسلام منذ حياة النبوة، فالمتتبع لما جاء في القرآن الكريم يجد أنه أورد كلمة التنمية في موضعين هامين بقوله تعالى «هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا»، ومعنى استعمركم فيها أي جعلكم قائمين على عمارتها، وقوله أيضا «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً" والحياة الطبية هنا بمعنى التنمية.
غير أن الوقف الإسلامى خير نموذج على التنمية المستدامة في الإسلام، فهو بمثابة حل اقتصادى، ومسئولية اجتماعية، وشراكة للقطاع الخاص في تحقيق العدالة الاجتماعية، وكذلك الزكاة وصندوق الحج، وكل هذه النماذج تتمثل فيها عناصر التنمية المستدامة بمفهومها الأممى القائم على الجانب "الاقتصادى والاجتماعى والبيئى".
إذن التنمية في منظور الإسلام تعني التنمية في الفكر والثقافة وفي الجانب الاجتماعي والسلوكي والأخلاقي والروحاني والاقتصادي أيضا، والإسلام دائما يحثنا على إعمال العقل وعدم التوقف بالفكر عند حد معين وإنما النظر إلى المستقبل.
أما النموذج الغربى بالنسبة للتنمية المستدامة، ففي اعتقادنا أنه نموذج غير مستدام، سواء من حيث الاستهلاك المُفرط التي نتج عنه أزمات مالية عالمية، ومن حيث التلوث الذى أنتج خطر التغيرات المناخية على البشرية، ومن حيث إهمال الجانب القيمى والروحانى فنتج عنه عدم العدالة الاجتماعية وانهيار المنظومة القيمية في المجتمعات ما أدى إلى الانحلال الخلقى والتفكك الأسرى.
نهاية.. الإشكالية تكمن في تقصيرنا نحو تجديد خطابنا أو تطويره بما يتماشى مع مستجدات الحداثة، حتى على مستوى المفردات والمصطلحات، وهو ما يتطلب إعادة النظر من جديد للمواكبة ولإعادة تصحيح المسار نحو فهم حقيقى للتنمية، فيكفيك مثلا أن تعلم أن خطاب حُجة الوداع أكد أن الإسلام دين تقدمى ودين حضارى، حيث أكد النبى عليه أفضل الصلاة والسلام على أننا من آدم وآدم من تراب، وأكد على المساواة فلا فرق بين عربى ولا أعجمى، وأكد على تمكين المرأة بقوله استوصوا بالنساء خيرا، فالإشكالية لدينا نحن لا فى الإسلام..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة