تسرب خبر إعلان الجمهورية فى مصر وإلغاء الملكية إلى مذيع الحفل الفنى الساهر فى حديقة الأندلس مساء 18 يونيو، مثل هذا اليوم، 1953، فهرع عميد المسرح يوسف وهبى، المشرف على الحفل إلى الميكروفون فى الساعة الحادية عشرة والربع، والفرحة تملك عليه، ليعلن انتهاء عهد أسرة محمد على
وزوال الملكية، ويزف إعلان الجمهورية المصرية، وفقا لمجلة الكواكب فى عددها، 99، 23 يونيو 1953.
تصف «الكواكب» رد فعل الجمهور قائلة: «قوبل الخبر بفرحة سرت فى أرجاء الحديقة قفز لها الجمهور من مقاعده، يهتف بحناجر قوية بحياة الجمهورية فى ظل رئيسها المحبوب اللواء محمد نجيب، وأعلن قائد الجناح وجيه أباظة امتداد السهرة حتى مطلع الفجر، ثم أعلن أيضا أن الدخول مباح للجميع، وأن كثيرا من أهل الفن سيأتون من منازلهم للاشتراك فى إحياء الحفلة من جديد، وتبرعت إحدى الشركات بتوزيع المرطبات مجانا على الموجودين الذين يربو عددهم على الخمسة آلاف شخص، كما تبرعت شركة أخرى بإعداد خمسة عشر أتوبيسا ليقل الموجودين إلى منازلهم فى الصباح المبكر».
وفيما تشير «الكواكب» إلى أن الحفل ضمن حفلات تنظمها، الإدارة العامة للقوات المسلحة، بقيادة الضابط وجيه أباظة، يخطئ مجدى العمروسى، مدير أعمال عبدالحليم فى نسبتها إلى «أضواء المدينة»، بقيادة جلال معوض، حسبما يذكر فى كتابه «أعز الناس»، أما الكاتب والباحث وسيم عفيفى، فيذكر فى مقاله «أول حفلة فى حياة عبدالحليم حافظ» على «موقع الميزان»، أن الحفل كان برعاية محلات شيكوريل وأذاعته الإذاعة، وتولى يوسف وهبى الإشراف الفنى عليه، وأخرجه المخرج عز الدين ذوالفقار، وتولى الفنان عبدالسلام النابلسى مهمة الإشراف الإذاعى.
يؤكد «عفيفى» استنادا على الإعلانات الصحفية السابقة على الحفل أن عبدالحليم لم يكن ضمن المشاركين، لكن غياب رحدى المطربات دفع يوسف وهبى إلى تقديمه حيث كان موجودا خلف الكواليس، ويذكر «العمروسى»، أن يوسف وهبى قدم عبدالحليم، قائلا: «اليوم أزف لكم بشرى ميلاد الجمهورية، وأقدم لكم الفنان عبدالحليم حافظ»، وفتحت الستارة على عبدالحليم الذى حرص أن يظهر بمظهر مشرف، وحوله أكبر حشد من الموسيقيين، وكان ميلاده الرسمى من أوسع الأبواب».
يذكر الناقد الموسيقى الدكتور زين نصار، فى دراسته «عبدالحليم حافظ وأغانيه الوطنية» المنشورة ضمن كتاب «عبدالحليم وعصر من الغناء الجميل»: «بعد تقديم يوسف وهبى ظهر عبدالحليم على المسرح لتتلقاه الجماهير الفرحة بما سمعت، وفى هذا الجو النفسى النادر بدأ يغنى أغنية «صافينى مرة» ومعها بدأت رحلته مع النجاح، فأغنية «صافينى مرة» تعتبر شهادة الميلاد الفنى الحقيقية له، ومن خلالها عرفه الناس، وبأفضل صورة يمكن لفنان أن يحصل عليها».
كتب كلمات «صافينى مرة» الشاعر سمير محبوب، ولحنها محمد الموجى، وتعرض عبدالحليم حين قدمها لأول مرة لرفض الجمهور لها، وحسب الدكتور نبيل حنفى محمود فى كتابه «معارك فنية»: «ثار عليه متعهد الحفلات صديق أحمد، وجمهور حفل أقيم فى الإسكندرية مساء الخميس، السابع من أغسطس 1952، حيث قام الجمع الثائر ليلتها بمنع المطرب الجديد من غناء أغنيات عُرف هو بها فيما بعد، إذ لم توافق ما ألفته آذان جمهور الحفل من أغنيات مطلع الخمسينيات لكبار نجوم الصف الثانى من أهل الغناء فى ذلك الزمان من أمثال محمد عبدالمطلب وعبدالغنى السيد وعبد العزيز محمود وكارم محمود، وغيرهم».
ويتحدث «العمروسى» عن هذه المحنة كشاهد عليها، حيث ذهب إلى المسرح لمشاهدة عبدالحليم بناء على دعوة منه فوجد الجمهور غير متجاوب معه إطلاقا، وكأن بينه وبين عبدالحليم شيئا يشبه العناد أوالصر
اع، كان يغنى أغانى جديدة «صافينى مرة، ويا حلو يا أسمر، وغيرهما، ويرفض غناء ما يطلبه الجمهور.
يضيف «العمروسى»: «أخيرا توقف عن الغناء وأوقف الموسيقيين خلفه، وقال: أنا جيت أغنى الأغانى بتاعتى، ولن أغنى أغانى مطرب آخر، وأخيرا نزل من على المسرح، وحضر هو وبعض الموسيقيين الذين كانوا معه، ومعهم شخص رفيع وطويل وله شنب دقيق ويحمل العود، وعرفنى عبدالحليم به قائلا: الملحن محمد الموجى».
يتذكر «العمروسى» أنه وجد عبدالحليم حزينا جدا، وبعض من حوله فى شبه مواساة، ثم جاءت سيدة عرفنى بها على أنها مدام تحية كاريوكا، أخذت تطيب خاطره، وتقول: «الجمهور مش فاهم، بكره يفهمك ويقطع إيده من التصفيق لك، وإذا كنت عايز أى حاجة أنا تحت أمرك وابتسم لها عبدالحليم»، ولم يعلق، ثم جاء بعده شخص عرفته إسماعيل ياسين، وأخذ أيضا يطيب خاطره، وكان المشهد مؤلما.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة