تبدو الرؤية المصرية مرتكزة على تعزيز العلاقة بين مناطقها الجغرافية فى صورتها الجمعية، وهو ما يمثل ضرورة ملحة فى إطار الأزمات الحالية، وسرعة انتقالها من دولة إلى أخرى، وهو ما يبدو فى حالة الانفتاح بين القوى العربية الرئيسية ونظيرتها فى منطقة الشرق الأوسط، عبر تجاوز الخلافات، والتحول نحو تحقيق أكبر قدر ممكن من الشراكة، والتى من شأنها المساهمة فى حل الأزمات الإقليمية، والتى لم تعد تقتصر على الصراعات بمختلف صورها، سواءً البينية أو الأهلية أو الحروب بالوكالة، إنما امتدت إلى صور أخرى غير تقليدية، على غرار الوباء وتداعيات التغير المناخي، ناهيك عن النتائج الأخرى المترتبة على الحالة الدولية العامة، من غلاء وتضخم وبطالة وزيادة كبيرة فى أعداد اللاجئين.
ولعل الرؤية المصرية، القائمة على تحويل حالة الاشتباك إلى تكامل بين المنطقة العربية والشرق الأوسط، عبر تخفيف حدة الصراع وتحويله إلى المنافسة الهادئة، شهدت امتدادًا جغرافيًا آخر، يحمل بعدًا أفريقيا، وهو ما يبدو فى الحرص الشديد على تحقيق التوازن بين الهوية العربية والانتماء القارى، وهو ما يمكن تحقيقه عبر تفعيل الدور الذى يمكن أن تقوم به الدول المشتركة فى نفس الأبعاد، على غرار دول شمال إفريقيا، وموريتانيا والصومال، عبر العمل الجاد على حشد الدعم اللازم لهم، سواء للمساهمة فى تقديم حلول فعالة لأزماتهم، أو للقيام بدور أكبر فيما يتعلق بخلق ارتباط عضوى بين الهوية والجغرافيا، عبر ما يمكننا تسميته بـ"البعد الأفروعربى".
وللحقيقة، فإن الحاجة تبدو ملحة لتفعيل الحالة "الأفروعربية"، مع تحول كبير فى مسار الأزمات الإقليمية غربا، لتهيمن على جزء من الجانب العربى فى المنطقة الأفريقية، سواء فى السودان أو الصومال، مع تنوعها، بين الصراع على السلطة، أو تهديدات الإرهاب، أو الجفاف والمجاعات، والتى تمثل خطرًا بالغ الأهمية، وقابلا للتمدد والامتداد الجغرافي، حال الفشل فى احتوائها، وهو ما يدعو إلى إعادة النظر مجددا إلى الدور الإقليمى الذى يتجاوز الحالة الجمعية فى صورتها التقليدية، والتى اقتصرت لعقود طويلة من الزمن على الإطارات التنظيمية، سواء الجامعة العربية أو الاتحاد الإفريقي، وهى التنظيمات التى تضع نصب أعينها تحقيق التكامل الإقليمى بين الدول الأعضاء، نحو ما يمكننا اعتباره "التكامل بين الأقاليم".
فلو نظرنا إلى قضايا النقاش التى جمعت بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، ونظيره الموريتانى محمد ولد الشيخ الغزوانى مؤخرا بالقاهرة، نجد أنها ارتكزت على الأوضاع فى السودان، وليبيا، ناهيك عن التوافق التام بشأن تطورات سد النهضة فى إثيوبيا، وهى القضايا التى تحمل بعدا عربيا ذو عمق إفريقي، يعكس الحاجة الملحة للتحول من حالة التكامل الإقليمى فى صورته التقليدية نحو "التكامل بين الأقاليم".
الأمر نفسه يبدو واضحا فى جولة الرئيس السيسى الأفريقية، والتى بدأت أمس الأربعاء بزيارة أنجولا، والتى تعد الأولى من نوعها لرئيس مصرى، وهو ما يمثل انعكاسا مهما لحالة الانفتاح المصرى على القارة عبر إعادة استكشاف نقاطها الحيوية، بعيدا عن النهج الذى ساد لعقود، والذى ارتكز على دول حوض النيل بينما عانت القارة بأسرها تهميشًا ملموسا لى الأجندة المصرية لعقود، وهو ما يمثل تغييرا كبيرا فى الرؤية المصرية تجاه محيطها الإقليمى والجغرافى.
وفى الواقع يحمل الرئيس السيسى على عاتقه القضايا نفسها، من أجل تحقيق التوافق، بين الرؤى العربية والإفريقية، وهو ما يساهم فى حلحلة الأزمات الراهنة، من جانب، بينما يؤسس فى الوقت نفسه لمرحلة جديدة من شأنها تحقيق مزيد من الشراكة ذات النطاق المتسع، لتحقيق الأهداف المشتركة، عبر إضفاء أكبر قدر من الشرعية الدولية على تلك الرؤى، التى تحقق المصالح المشتركة للشعوب العربية والأفريقية، فى ظل تغييرات عميقة فى بنية النظام الدولى.
وهنا يمكننا القول بإن البعد "الأفروعربى" يمثل أحد أهم الآليات التى تتبناها الدولة المصرية لتحويل التكامل الإقليمي، نحو حالة أوسع من "التكامل بين الأقاليم"، فى ظل التحديات الكبيرة التى تواجه العالم فى اللحظة الراهنة جراء الصراعات سواء فى نطاق مناطقنا الجغرافية أو على المستوى الدولي، فى ضوء الأزمة الأوكرانية، مع بزوغ أزمات جديدة باتت تمثل تهديدا وجوديا العالم، تتطلب المزيد من العمل الجماعى الذى يتجاوز الإقليمية المحدودة.