أكرم القصاص

الخصوصية والشهرة والتشهير فى زمن "الكاميرا والشير"

الثلاثاء، 04 يوليو 2023 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كل يوم يتجدد النقاش حول الخصوصية، والحدود الفاصلة بين العام والخاص فيما يتعلق بالنشر على مواقع التواصل، خاصة فيما يتعلق بحياة الآخرين، حتى لو كانوا فى احتفال أو فرح أو رحلة، هل يحق لأحد أن يلتقط صورا وفيديوهات وينشرها من دون إذن، أو يعرضها للمستخدمين الذين يختلفون فيما بينهم ويمارسون الاتهامات أو الضجيج بالشكل الذى يسىء إلى أشخاص بقصد أو من دون.
 
قبل أيام تجدد النقاش بعد انتشار مقطع فيديو لسيدة ترقص فى حفل زفاف، المقطع انتشر بشكل واسع، وبدأت التعليقات التى تهاجم السيدة أو تنتقدها أو تدافع عنها، لكن قليلين هم من توقفوا عند أصل القصة وهى حق الشخص فى نشر هذا المقطع من دون إذن السيدة، طبعا هناك من هاجم السيدة، من دون أى اتهام لمن صور ونشر، المهم أن السيدة والفيديو أصبحا تريند والأكثر بحثا على جوجل، وتعرضت السيدة للهجوم، واتهمت من نشر الفيديو من دون إذنها أنه أساء إليها، وانطلقت شائعات عن طلاق السيدة، لكنها أكدت أنها غير متزوجة، لكنها تعرضت للإساءة، وكالعادة تراجع الاهتمام وانشغل رواد السوشيال ميديا بغيرها. 
 
فى يناير الماضى شاع مقطع فيديو لشاب وفتاة على جسر، وتم نشره بشكل موسع فى منصات ومواقع التواصل، النقاش حول الحدود الفاصلة بين المسموح والممنوع، فى ظل تطور كبير لأدوات الاتصال والتواصل، والدور الذى تلعبه الكاميرا فى الموبايلات، القضية وصلت للنيابة العامة، التى أصدرت بيانا وجهته لأولياء الأمور، ولفتت إلى خطورة ترويج مثل هذه المقاطع وضررها على المجتمع، باعتبار النشر جريمة يعاقب عليها القانون.
 
قبلها انتشر فيديو لسيدة ترقص على مركب خاص لرحلة مدرسية، وتعرضت السيدة لمشكلات فى عملها وحياتها، وقبلها واقعة سيدة أجنبية، التقط لها أحد سكان المنطقة فيديو وصورا خلسة وهى فى شرفة بيتها، ونشره بزعم الدفاع عن القيم، بينما هو شارك فى ضرر أكبر.. ما زالت قضية تسريب ونشر فيديو للضحية نيرة فى المشرحة، والذى انتشر على مواقع التواصل وتورطت بعض المواقع فى نشره وعرضه، وانتهى بالتحقيق مع المسؤولين بالمشرحة، وعقابهم، لكن بقيت الأسئلة حول المسموح والمحظور، فى عالم السوشيال ميديا الذى يبدو فى أحيان كثيرة خارج نطاق السيطرة والحساب، رغم أن بيانات من نشر أو روج تكون معلومة، لكن غالبا ما تتوقف الضحية عن مطاردة الجانى بعد انتهاء الضجة.
 
ويظل هناك جدل حول هذا، رغم أن القانون واضح فى تجريم نشر أى صور أو مقاطع من دون إذن، لكن هناك من يرى أن النشر والفرجة على هذه الأنواع من الفيديوهات لا يمثل جريمة، وهؤلاء غالبا تتغير مواقفهم إذا وقعوا هم أو أى من دوائرهم فى مثل هذا الموقف، ثم إنهم يرون النشر لا يمثل خطأ، ويدينون مرتكبى الفعل، من دون النظر إلى انعكاسات وتأثيرات هذا الفضح على السيدة أو الفتاة والشاب، وأسرهم، بالذات الفتاة، واحتمالات أن يتطور الأمر ورد الفعل إلى ما هو أكثر وبما يمثل مأساة.. وفى موضوع مقطع السيدة التى ترقص فى حفل صديقتها، هناك من قال إنها ترقص وهى تعرف أن هناك من يصورها وبالتالى فهى على علم بما يجرى، بينما يتجاهل هؤلاء حق الشخص فى خصوصيته، حتى لو كان فى مكان عام.
 
ونكرر أن الكاميرا والموبايل وشبكات التواصل، ثالوث يصنع سيولة معلوماتية ويضاعف من صعوبة التحكم فى النشر أو السيطرة عليه، الصور أو الفيديوهات تغادر مكانها إلى الشبكة فتصبح مشاعا للتبادل والمشاركة والتعليقات والتفاعل، ويمكن فى حالة التشهير أن تصل للقتل المعنوى أو المادى، وكثير من جرائم التشهير تحدث بسبب صورة أو فيديو فى احتفال أو مناسبة عامة أو مهرجان، أو رحلة قد تكون طريقا للنجومية والظهور، أو تتحول إلى رصاصة فى القلب، أو أداة ابتزاز ونصب واغتيال نفسى ومعنوى. 
 
وهذا الجدل لن يتوقف، ونكرر أننا ربما لا نكون بحاجة إلى مزيد من القوانين، فما هو متاح يكفى، لكن مجتمع السوشيال ميديا نفسه هل هو قادر على التعامل مع مثل هذه السلوكيات ومواجهتها، وإدراك الفواصل بين الفرجة والتشهير الذى قد يصل إلى تدمير شامل لمستقبل فتاة أو شاب أو سيدة، وأسرهم، المهم أن التريند والبحث عن الشهرة قد يدفع البعض لارتكاب أفعال تتجاوز العقل الطبيعى، مثل قصة شاب من البلوجرز سجل الساعات الأخيرة لوالده وهو يحتضر، وبعد موته، وقبل أن يدفن، واعتبر هذا نوعا من العمل الإنسانى، والمشاركة فى أحزانه، بينما أدان البعض هذا الفعل، لكنه فى النهاية شاهد على تطورات عصر الإنترنت، وكيف يقترب ويتداخل مع الخصوصية، ويتطلب مع القانون نقاشات اجتماعية تحسم جدلا لا ينتهى.
 
مقال أكرم القصاص
 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة