انفرج الستار على سيدة الغناء العربى أم كلثوم على المسرح المعد لها فى مركز شباب دمنهور، ووقفت تحيى جمهورها الذى حضر أولى حفلاتها المخصصة لدعم المجهود الحربى ليلة 17 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1967، حسبما يذكر كريم جمال فى كتابه «أم كلثوم وسنوات المجهود الحربى»، «راجع ذات يوم، 17 أغسطس 2023».
يذكر «جمال» تفاصيل ما جرى منذ أن خرجت أم كلثوم لجمهورها وحتى انتهاء الحفل فى الساعات الأولى من صباح 18 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1967، يقول: «إن وجيه أباظة محافظ البحيرة تقدم لمصافحتها، وقدم لها شيكا بمبلغ 38 ألف جنيه 750 جنيها، كتب باسم السيدة أم كلثوم إبراهيم، وحمل رقم 69865، بنك مصر، فرع مدينة دمنهور محافظة البحيرة، وبعد أن أنهى المحافظ كلمته، ظهر على المسرح عضوان من المكتب التنفيذى للعمال والفلاحين فى «الاتحاد الاشتراكى»، وصافحا السيدة أم كلثوم وقدما إليها 30 كيلو من سبائك الذهب ثمنها 27 ألفا و600 جنيه، جمعاها من مواطنى البحيرة ومن عمال مقاومة الدودة وعمال النسيج فى المحافظة مساهمة منها فى دعم المجهود الحربى».
يضيف «جمال» أن أم كلثوم وقعت إيصالا بالتسلم، أقرت فيه أنها ستقدم هذه السبائك إلى الجهات المختصة باسم «سيدات التجمع الوطنى من أجل المجهود الحربى»، وقبل أن يغادر المسرح خاطب وجيه أباظة الجماهير المحتشدة فى السرادق، قائلا: «إننا لا نستقبلها كفنانة عظيمة فقط يأسرنا فنها ويروينا، وإنما نستقبلها كمناضلة فى طليعة المناضلين بأمضى سلاح، سلاح الفن، خاصة إذا كان فن أم كلثوم».
بدأت الفرقة الموسيقية فى العزف لتشدو أم كلثوم بأغنية «أمل حياتى» فى نحو الساعتين تقريبا، يذكر «جمال»، أن أم كلثوم كانت تبتسم طوال الأغنية وهى تغنى، عندما تسمع نداءات سميع من رواد حفلاتها القديمة اسمه الحاج حافظ عبدالعال العمدة، وهو يناشدها طالبا الإعادة، والحاج حافظ جاء من محافظ الإسكندرية، حيث يعمل هناك تاجرا شهيرا، واعتاد حضور جميع حفلات أم كلثوم الشهرية منذ عام 1939 تقريبا.
ينقل كريم جمال ما ذكرته مجلة الكواكب فى عددها 22 أغسطس 1967، أن الحاج حافظ عبدالعال عندما بلغ به الوجد أثناء الوصلة الأولى وقف وهتف «يا ست ياللى لا قبلك ولا بعدك ست»، وهنا انفجرت أكف السيدات فى الحفل تصفيقا وكأنهن يسلمن بمضمون الهتاف، وعندما انساب صوت أم كلثوم وغنت «وسيبنى أحلم سيبنى»، وضمت يداها أمام وجهها كأنها من صدق التعبير تحلم فعلا، انطلق صوت حافظ عبدالعال هاتفا «يا سلام يا أستاذة، والله العظيم أستاذة جامعية» قاصدا وصفها بالأستاذة الجامعية.
انتهت وصلتها الأولى، وبعد استراحتها رفع الستار، فظهر وجيه أباظة على المسرح ليقول: «إن أم كلثوم ثروة قومية يجب المحافظة عليها، وهى قدمت الحفلات التى قررت إقامتها من أجل دعم المجهود الحربى قد تضطر للغناء كل 15 يوما فى محافظة من محافظات مصر، ولهذا طلبت منها أن تغنى وصلتين فقط»، يذكر «جمال»: «عقب كلمة المحافظ، تقدم رئيس مجلس مدينة دمنهور ليقدم لأم كلثوم مفتاح المدينة الذهبى تقديرا لدورها وخططتها الوطنية التى أعلنتها فى أعقاب النكسة، وكانت تلك المرة الأولى التى يهدى فيها مفتاح مدينة دمنهور لشخصية عامة مصرية».
غنت أم كلثوم فى وصلتها الثانية أغنية «فات الميعاد» فى أكثر من ساعتين ونصف الساعة، ويؤكد كريم جمال: «رغم أن تسجيلات ذلك الحفل ما زالت فى تعداد المفقودات، فإنه يبدو من طول تلك الوصلة أن أم كلثوم كانت فى أحسن حالاتها المزاجية، وكانت تلجأ إلى التفاريد الغنائية والارتجالية النغمية طوال الحفل، وتحدثت الصحف عن تلك التصرفات فى الوصلة الثانية تحديدا، لدرجة أن الحاج حافظ العمدة بدأ يخرج عن شعوره وبدأ فى شد شعر رأسه صائحا «الجنة خضرة زى فستانك يا ست.. والنبى الجنة تحت رجليك».
انتهت أم كلثوم من حفلها فى نحو الساعة الثانية والنصف صباحا، واستقلت سيارة المحافظ وجيه أباظة لتعود إلى منزله، حيث قضت ليلتها فى ضيافة عائلته، وفى صباح اليوم التالى 18 أغسطس 1967 قامت بجولة فى المدينة مع المحافظ، زارت خلالها مراكز التدريب المهنى لأطفال البحيرة، والمستشفى الأميرى، وقدمت لها المستشفى شيكا بمبلغ عشرة آلاف جنيه تبرعا للمجهود الحربى.
وضعت أم كلثوم شيك المستشفى مع الشيك الأول، وضمت إليهما شيكا ثالثا 150 جنيها تبرع به أطفال مركز التدريب المهنى لدعم المجهود الحربى، وانتهت زيارتها بعد أن جمعت نحو 75 ألفا و900 جنيه للمجهود الحربى، وينقل كريم جمال تعقيب أخبار اليوم فى عددها 19 أغسطس 1967 على تلك الحفلة: «أم كلثوم ليست مجرد فنانة، وليست مجرد متطوعة لجمع التبرعات ولكنها أكثر من هذا. إنها صوت مصر. إنها وجه مصر».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة