كل من تابع الحوار الوطنى منذ دعوة الرئيس فى إبريل 2022، وصولًا إلى صدور توصيات وتنفيذ مطالب، يعرف أن هناك تغيرات واضحة على الأرض، ومنذ البداية اعتبرنا الحوار فرصة للجادين من كل الأطراف، ومثلما كانت هناك مطالب تمت الاستجابة لها، فإن الطرف الثانى عليه واجبات يفترض أن يستجيب لها، ويبدأ فى دراستها، لأن الحوار له طرفان، الدولة من جهة، والتيارات السياسية والأهلية من جهة ثانية، أن تستغل الفرصة لآخرها حتى يمكن أن تتحقق المعادلة بطرفيها وليس من طرف واحد، وحتى فيما يتعلق بالاقتصاد والسياسة والتحديات، ليس هناك سوى العمل والسعى للمواجهة، بالعمل والعلم والخبراء.
بالطبع فإن المطالب تتجه للدولة، فيما يتعلق بتوسيع المجال العام والمشاركة فى العمل السياسى، وتعديلات القوانين للممارسة أو العمل وتكافؤ الفرص، بينما التيارات السياسية هى التى يفترض أن تكون حققت نضوجًا خلال 12 عامًا، واكتشفت أن الممارسة تتطلب قدرًا كبيرًا من المسؤولية، والتفرقة بين من يؤيد أو يعترض وهو فى الداخل، وبين تيارات تعيش على التحريض والشائعات، وهؤلاء يعتبرون قيام ونجاح حوار أو أى نقاش سياسى أو أهلى، يتناقض مع مصالحهم، وهؤلاء يربحون من الاتجار فى الدعاية المضادة ومن بيع بضاعة دعائية للخارج، ويرددون، طوال الوقت، الكثير من الأكاذيب أو التقارير المغلوطة ليبيعوها إلى ممولين جاهزين.
خسر مَن روجوا أن الدولة لجأت للحوار بسبب ضغوط خارجية هم أكثر من يعلم أنها غير موجودة، وأن مصر لا تخضع لإملاءات وتنطلق فى رؤيتها من نسختها المحلية، وتجربة السنوات الماضية تؤكد هذا، وتشير إلى أن الدولة تتحرك من مفهومها الخاص وبناءً على معطيات محلية، وقد كان عمل لجنة العفو الرئاسى على مدى شهور قائمًا على هذه المعطيات، حيث تم إطلاق سراح محبوسين بالمئات، رغم صدور أحكام جنائية ضد بعضهم وثبوت تورطهم فى أعمال تحريض أو عنف، وتم خروجهم بمطالب ومساع داخلية، بينما بقى من مارسوا الضغط أو استقووا بالخارج، خارج نطاق التعامل، وربما على هؤلاء الذين خرجوا بعفو أو بقرارات النيابة أن يكونوا قد نضجوا، ليدركوا حجم التحولات فى الداخل، وأن الأمر يتم بخلطة محلية.
قد يكون مفهومًا أن بعض ممن خرجوا يريدون كسب لايكات أو تصفيق، أو مغازلة جمهور هو نفسه منقسم ومتغير، وعلى هؤلاء مراعاة فروق التوقيت وتطورات شهدتها السنوات الماضية خارجيًا وداخليًا، ووعى تشكل لدى قطاعات كبرت ونضجت، وأصبحت تمتلك وعيًا وقدرة على الفرز.
أما عن التنظيم الذى اعتاد طوال سنوات شن حرب دعائية ودعم العنف والإرهاب والتحريض والرهان على كل ما هو ضد الدولة، وهذا الفصيل مارس الضغط طلبًا للحوار، رغم أن الدعوة لم تستبعد سوى الإرهابيين ومن تلوثت أيديهم بالدم، وهؤلاء بالطبع تنتابهم هيستيريا كلما قطع الحوار خطوات للأمام، وبالتالى فإن على التيارات السياسية أن تلتقط الرسائل، وقد أخطأ من تصور أن الدعوة للحوار جاءت من موقف الحاجة أو التراجع، وهم يعرفون أن القرارات محلية تصدر من حاجات المجتمع وبناءً على مطالب الداخل وضرورات الممارسة الطبيعية، من دون خضوع لأى تدخلات أو حتى محاولات خارجية للتدخل، كما أخطأ من تصور أن القوى المختلفة للتيارات السياسية مهمشة، أو مدعوة لحوار شكلى، لأن المبادرة انطلقت من الرئيس ممثلًا للدولة بكل سلطاته القانونية والدستورية، تحمل قدرًا كبيرًا من الرغبة فى إدارة التنوع لصالح المجتمع وانطلاقًا للمستقبل، مع التعامل على قدم المساواة مع كل الأطراف. وربح من انضم للحوار من دون تصورات أو رؤى مسبقة، مع مراعاة للتنوع والاختلاف فى التفاصيل، مع وجود نقاط أساسية تمثل خيارًا عامًا تتوافق عليه القوى الوطنية، وإن كانت تختلف فى تفاصيل وأولويات التحقيق.
هناك فرصة متاحة أمام الجميع، للمشاركة والتفاعل، ومساحات للرأى تتيح للمعارض والمؤيد أن يقول رأيه، على منصات وقنوات مفتوحة، وبقدر ما يتيح الحوار توسيع المجال العام، فإن هذه المساحات للجميع، ليكون الحوار فرصة للجادين ومن نضجوا خلال سنوات، بعيدًا عن هؤلاء الذين يعجزون عن قراءة التحولات والتطورات.