كلّما بدت الأزمة السودانية بعيدةً من الحل؛ تضاعفت أهمية الاعتصام بالمبادئ العليا، وثوابت القيم فى التعامل مع الدول والأنظمة الشرعية تحت سقف المحنة. ولعلّ فى غابة المواقف المُتراخية حينًا، والمُنحازة أغلب الأحيان، يُطلّ الموقف الرسمى لمصر وحيدًا تقريبًا فى نطاق الاستجابة الموضوعية لانعكاسات الصراع، والتعاطى الجاد مع مكوّناته وبواعثه، من دون قطيعةٍ مع أى طرف بين المُتصارعين، أو إسنادٍ مُنحرف لما يُهدّد استقامة منظومة الحُكم وعناصر بقاء الدولة. يُمكن النظر لأجندة التحرُّكات المصرية طوال شهور فى ضوء تلك المُحدِّدات؛ مع قدرٍ واضح من الحياد الإيجابى والاتصالات البيضاء بالفرقاء جميعًا، وقدر أوضح من الذود الجاد والأمين عن حياض المُؤسَّسات الوطنية السودانية؛ ولعلّ البرهان الأوضح على ذلك فى زيارة «الفريق البرهان».
انتصف الشهر الخامس للحرب المُندلعة بالبلد الشقيق. لم يُغادر رئيس مجلس السيادة حدود الدولة طوال تلك المُدّة؛ بل إنه لم يُغادر العاصمة الخرطوم إلا قبل يومٍ من وصول مطار العلمين الجديدة، عندما زار مدينة بورتسودان وتفقد قاعدة فلامنجو العسكرية، وجدّد موقف السلطة الشرعية بأنه لا تفاوض مع الخونة ومن يعملون ضد الشعب ومصالحه. أن تكون مصر أولى محطَّات «البرهان» الخارجية، والثانية بعد أهم مدنه الاستراتيجية على البحر الأحمر؛ فإن فى ذلك باقةَ رسائل بالغة الأهمية: أوَّلها أن مصر شريك أصيل ولا بديل عنه، وأنها ترجمت عمليًّا واحدة من الرؤى الأكثر تجرُّدًا ونزاهة فى التشابك مع الأزمة، كما أنها لا تقلّ أثرًا وحيوية بالنسبة لبيئة وادى النيل وسلطتها وجيشها عن العاصمة الفعلية وعاصمة الأمر الواقع الحالية، وأيّة مدينة ثقيلة سياسيًّا وديموغرافيًّا على رقعة الجسد الوطنى السودانى.
منذ اللحظة الأولى كانت القاهرة على خطِّ الصراع؛ سعيًا لتصفية الأجواء واستعادة مناخ الحوار، وصولاً إلى التفاهم والتهدئة الشاملة. وكان جلّيًّا أن الرؤية المصرية تنأى بنفسها عن أن تكون مُحرّكًا للاحتراب، أو مُستفيدًا منه تحت صيغة براجماتية تنشغل بمصالحها أكثر من انشغالها بسلامة السودان؛ كما فعلت بعض دول الإقليم والعالم. صاغت القيادة السياسية مُحدِّدات الموقف المصرى، وانخرطت المُؤسَّسات الصلبة والدبلوماسية فى جهود ديناميكية مُتّصلة لإنفاذها، ولم تنجرف لحيِّز التوتر والاحتدام؛ حتى عندما تجاوزت ميليشيات الدعم السريع الخُطوط الحُمر، وقفزت على القانون ومقتضيات الشراكة والقواعد الناظمة لتعاون المُؤسَّسات العسكرية، واحتجزت بعض القوات المصرية خلال وجودهم فى قاعدة مروى ضمن برنامج مُعلن للتدريب. وإلى ذلك؛ أبقت على اتّصالها الوثيق بالفريق حميدتى ورجاله، بقدر اتصالها بالجيش الوطنى ومُكوّنات الطبقة السياسية، واستضافت عددًا من جولات الحوار، ومُؤتمرًا مُوسَّعًا لدول الجوار حول منتصف يوليو الماضى.
زيارة البرهان الأخيرة تضمَّنت إطلاع الرئيس السيسى على تطوُّرات الأزمة، وإلى أى مدى وصل الصراع الدائر فى الخرطوم وبعض أقاليم السودان وصولاً لدارفور، والسبل الكفيلة بالعودة إلى مسار التهدئة دون افتئات على الدولة وسلطاتها الشرعية. هناك نقاط مفصليّة مُشتركة بين قيادتى البلدين؛ أهمها أنه لا وجه للمقارنة أو المساواة بين سلطة وطنية دستورية، وميليشيا خارج الدستور والقانون؛ حتى لو كانت شريكًا فى الإدارة إلى وقت قريب. إننا إزاء سياق داخلى مشحون، تُغذّيه حالة مقصودة من قوى إقليمية ودولية لإزكاء الفوضى؛ ووسط تلك البيئة المُركّبة فإن أيّة مفرزة مُنضبطة بالقيم والأعراف لا يُمكن أن تنصاع لمحاولة فرض صيغة الحرب الأهلية، أو تفكيك مُكوّنات الدولة وقلبها الصلب، وتفسير الصورة على أنها نزاع بين طرفين مُتكافئين. هناك دولة تعتصم بمؤسَّساتها، ومن ورائها إسناد شعبى ملموس، وميليشيا وضعت مصالحها وأجندتها قبل الدولة والشعب، وإذا كان من المُهمّ الوصول إلى تسوية تعصم الدم وتستبقى الوطن قبل انزلاقه فى الضياع؛ فإن من الواجب ألا تتأسَّس تلك التسوية على قاعدة مُهتزّة ومُتشقِّقة، أو تسعى لإنتاج صيغة «بلد برأسين»، أو حُكم شرعى تُنازعه ميليشيا مُعترف بها ومدعومة من بعض الجوار وشُركاء المجتمع الدولى.
لم يخرج الجيش السودانى عن مُقتضيات الدور الوطنى وقيوده. حتى الآن ما يزال مُنخرطًا بجدّية فى المسارات الشرعية، سواء بالقاهرة أو الجوار الأفريقى ومنتدى جدّة؛ باستثناء ما قد يُستشعَر فيه الانحياز واستقصاد مصالح السودان؛ كما جرى فى مسار «إيجاد» رفضًا لرئاسة القمة، أو مع المبعوث الأممى فولكر بيرتس المُتّهم بمحاباة الميليشيا وبعض الأجنحة الراديكالية فى «الحرية والتغيير». فى المقابل فإن «الدعم السريع» تحوّطها كثير من علامات الاستفهام؛ ليس أولها التفجير المباغت للصراع بمهاجمة القواعد والمؤسَّسات صبيحة مُنتصف أبريل، ولا اقتحام بيوت المواطنين ومرافق عملهم، أو التترُّس بالمُدن والأحياء السكنية واتّخاذها دروعًا، وكذلك التمدُّد عبر الحدود إلى حيث التنسيق مع نطاقات أفريقية ودولية ساعية لتوظيف الأزمة فى خدمة مصالح فوق إقليمية، ونقل الصراع الغربى مع روسيا والصين إلى القارة السمراء ودول جنوب الصحراء. بينما يتحرّك «البرهان» بين جنوده، ثم يزور مصر فى وضح النهار، نشرت تقارير صحفية غربية أن آخر أنشطة قائد ميليشيات فاجنر قبل وفاته فى حادث طائرة بروسيا الأسبوع الماضى، شملت زيارة أفريقيا الوسطى ولقاء مُمثّلين عن حميدتى، إذ بحثوا موضوعات التنسيق والدعم وتزويد الميليشيا بصواريخ «أرض - جو» لتحييد الطيران السودانى، ثم انتقل «بريجوجين» بعدها إلى مالى فى إطار ترتيب بيئة الصراع مع الولايات المتحدة وفرنسا فى منطقة الساحل.
لدى الميليشيا امتدادات إقليمية عديدة؛ من دارفور إلى تشاد تحت مظلّة عائلية، وإلى أفريقيا الوسطى بالمصالح التجارية والعسكرية، وفى النيجر، ما قبل الانقلاب، بشراكة سياسية وعسكرية وتجارية مع الرئيس بازوم، وبدرجة أو أخرى مع مجموعات فى ليبيا ومالى وبوركينا فاسو وغيرها؛ فضلاً على استقطاب مُرتزقة من تلك الجبهات للقتال تحت إغراءات مالية أو وعود بالجنسية والتوطين. كان «حميدتى» أداة البشير ونظام الإخوان لقمع أهل دارفور، ثم أصبح الآن أداةً لأطراف إقليمية ودولية تسعى لإبقاء الحزام المُمتدّ من البحر الأحمر حتى سواحل الأطلنطى، مُشتعلةً بما لا يجعلها بيئةً آمنة للوافدين من الخارج، أو جوارًا مُسالمًا لدول الشمال الأفريقى. إذا نظرنا للحرب ذاتها، فإن الشرعية مع الجيش والإدانة للميليشيا، وإذا فحصنا الفاتورة، وقد تضخّمت لتتجاوز 3 آلاف قتيل وعشرات آلاف الجرحى وملايين النازحين بالداخل والخارج؛ فإن الميليشيا أيضًا تتحمّل الإدانة بكُلفتها الكاملة؛ إذ أطلقت الرصاصة الأولى بتمرُّدها، واعتصمت بالرصاص هروبًا من المسؤولية السياسية والأخلاقية، وما تزال تضع المدنيِّين فى عين العاصفة بمسلسلٍ مفتوح من القتل والسرقة والاغتصاب والترحيل القسرى.
ربما لا يكون بمقدور أحد الطرفين إنهاء الحرب لصالحه، وما تأكدّ لنحو عشرين أسبوعًا أن الجيش ليس قريبًا من الحسم وإن حافظ على تماسكه المادى والمعنوى، وكذلك الميليشيا بعيدة عن إحراز النصر رغم الإمداد الخارجى؛ كما أن منطق السياسة والتاريخ يقضى بألّا سبيل لأن تتغلَّب عصابة على دولة، أو تنحلّ الجيوش الوطنية لصالح مجموعات المُرتزقة؛ طالما ظلَّت البيئة الاجتماعية صُلبة ولم تنقسم على طرفى المواجهة. كان الفريق البرهان فى جولة بورتسودان واضحًا بالقول إن «كل الوقت مُكرَّس للحرب وإنهاء التمرُّد»، بينما تتقصَّد الرؤية المصرية العودة الهادئة لما قبل 15 أبريل، ولا تعارض بين الأمرين. من مهمَّة الجيش أن ينتفض بعدَّته وعتاده مُتصدّيًّا لأيّة تهديدات وجودية، ومن وظيفة السياسة أن تستعيد الجنود من الميدان لطاولة الحوار، ولا يعنى ذلك أن ما لا يقبله الرصاص ستُقرّه المفاوضات، والخلاصة أن المساعى السياسية القويمة، وكما تتحرّك مصر، يجب أن تنضبط بمعايير لا نزول عنها: عصمة دماء السودانيِّين جميعًا، تبريد الجبهة الداخلية على عجلٍ تمهيدًا لتهدئة مُستدامة، إنهاء التمرُّد على قاعدة الانصياع للمُؤسَّسة الشرعية وإرادة السودانيين، ثم إطلاق عملية سياسية مُنضبطة؛ بغرض إنجاز التحوُّل الديمقراطى واستكمال أبنية الدولة. وفى كل ذلك يتعيَّن ألا تكون ميليشيا الدعم السريع خصمًا أبديًّا، كما لا يمكن ولا يستقيم أن تظلّ شريكًا مُستقبليًّا أيضًا.
هبط «البرهان» مطار العلمين صبيحة أمس الأول الثلاثاء، وسط احتفاء رسمى ملموس. لعلّها ليست مُصادفةً مجانية أن يشهد اليوم نفسه قبل ست وخمسين سنة موقفًا معكوسًا. حطّت طائرة الرئيس عبدالناصر فى الخرطوم لحضور أول قمّة عربية بعد هزيمة يونيو، وكانت مصر تتعافى من أثر الصدمة النفسية وتُرمِّم روحها ومعنويات ناسها؛ ليشهد المنتدى الاستثنائى «اللاءات الثلاث» الشهيرة، وتُشَقّ طريقٌ عربية عريضة باتجاه تجاوز الانكسار، وبدء التجهُّز للتحرير، وهو المسار الذى شهد ائتلافًا نادرًا خلال حرب أكتوبر 1973 بتضامنٍ قومى واسع، ومشاركات عسكرية رمزية، وتفعيل جادٍ لورقة الاقتصاد وسلاح النفط. اليوم يعيش السودان انتكاسةً عابرة، بفعل ثلاثين سنة سوداء تحت سُلطة الرجعية الإخوانية، وبأثر الاستثمار الطويل للفتنة والعصبيّات الإثنية والدينية؛ لتطويع الشعب لأجندة الإسلاميين، وما نتج عن ذلك من ابتكار وتسييد منطق الميليشيا، الذى تدفع البلاد فاتورته الباهظة الآن. فكما كانت الخرطوم لمسةَ الأمل والطمأنينة للقاهرة فى محنتها، فإن مصر تمدّ يدها للشقيقة والجارة، وبيننا شريان لم ينقطع من الماء والمودَّة والتخالط الإنسانى، وتقدير لا يهتزّ منذ احترمت مصر الناصرية رغبة الأشقاء فى الاستقلال، ودعمت استقلالهم ووحدتهم فى كل محكٍّ ومحفل.
استلهامًا من «لاءات الخرطوم» فى الستينيات؛ فإن المشهد الآن يبدو مُؤطّرًا بثوابت غير قابلة للمُساومة: لا قبول لتطوير الصراع إلى حرب أهلية، ولا نزول عن عصمة الدولة وهيمنة سُلطتها الشرعية، ولا مزيد من التمرّد أو تسامح معه.. تتطلَّب الغاية الأولى تعميق المُقاربة الساعية للتوافق حوارًا، بعدما تعذّر الحسم سلاحًا، والثانية تبدو راسخةً ولا يتهاون الجيش وقائده فى تأكيدها، أما الثالثة فإنها المآل الذى لا حيود عنه مهما طال الاشتباك، وعلى قادة الميليشيا الوعى بأنهم يتحرّكون خارج منطق الزمن، حتى لو بدا الدعم الخارجى صُلبًا وكثيفًا فى اللحظة الراهنة؛ فقد لا يمتد طويلاً بعدما تتكشَّف الروابط فوق الوطنية ويُفتضَح أمر القنوات المشبوهة مع المحيط والعالم؛ لا سيما أن منطقة الساحل تشهد تصعيدًا قد ينتهى لمواجهة ساخنة تقطع ما عداها من خطوط إمداد، أو لتبريدٍ كامل يُجمِّد الحدود ويُبقى أوضاع المنطقة على ما كانت عليه دون تحريكٍ أو إسناد. صحيح أن لدى «الدعم السريع» موارد خاصة من حصيلة السيطرة على مناجم الذهب، وبعض أنشطة التجارة غير القانونية؛ إلا أن المال وحده لا يكفى لإبقاء جمرة الحرب مُشتعلةً وحارقة.
أزمة السودان فى انتكاسة المسار السياسى، والتعثر كان ناتجًا عن نظرة مصلحيّة قاصرة، تأسَّست على تقاسم السلطة واستبقاء «توازن الضعف». كان كل طرف خائفًا من الحكم والمُعارضة على السواء، فتفرّغ للمُناكفة وتكسير الخصوم. الحلّ فى بناء نظام قوى خارج المُحاصصة والمُواءمات الهشّة، ونفض غبار أربع سنوات من الفشل المُتّصل؛ ولن يتأتّى ذلك إلا بنضج المُكوّن المدنى، وهيمنة الجيش الشرعى على المكوّنات العسكرية مُختلفة الألوان والأجندات، بالإخضاع لا بإعادة ترسيم الحدود. ما يجرى اليوم شبيه بما كان يُراد لمصر تحت راية الإخوان؛ إذ تجمّع التنظيم فى «اعتصام رابعة» وأسَّس حكومةً وبرلمانًا مُوازيين، بغرض مُنازعة مؤسَّسات الدولة وتسويق المشهد على أنه نزاعٌ فى الشرعية. السفير الأمريكى بالخرطوم قال مُؤخّرًا إنه يرى المسألة «حربًا بين طرفين»، ومواقف حكومته ودول إقليمية عديدة لا تخرج على ذلك. بل إن «حميدتى» أعلن مُبادرةً قبل أيام دعت إلى «نظام فيدرالى» واقتسام للسُّلطة وبناء جيش جديد من أطياف الميليشيات؛ وتلك صيغة أكثر ميلودراميّة من تحلُّل الدول الجامعة إلى وحدات طائفية بدائية.. لقاء البرهان والسيسى يُشير ضمن دلالاته إلى اعتصام السلطة السودانية بالرؤية المصرية وصيغة دول الجوار، وعمادها التهدئة جنبًا إلى جنب مع سلامة الدولة وصيانة تماسُكها، وهو ما يتعارض بالضرورة مع أية حالة ميليشياتية حُرّة أو مخلوطة بالهياكل الشرعية.
كانت رسائل «البرهان» بالغة القوّة والوضوح، وحملت فى «العلمين» ما حملته فى أم درمان وبحرى ووادى سيدنا وشندى وعطبرة، فعلّق الجرس فى رقبة «الدعم السريع» ورسم حدًّا فاصلاً بين الدولة والميليشيا.. والرئيس السيسى أكَّد موقف مصر الثابت تجاه أمن السودان وسلامة مواطنيه، وتلك من لوازم البديهة بين جناحى وادى النيل. الآن، وبعدما قطعت الحرب أطول أشواطها، يثبُت أن السيناريو كان مُعدًّا بقصدٍ: استعدادات المُرتزقة لأسابيع، فَورة الحشد والتسليح، شراء بيوت للتمركز قرب المصالح الحيوية، ومُحاصرة المقرَّات العسكرية ومُباغتتها بالرصاصة الأولى، ولا يُمكن القفز على أثر وجود «حميدتى» بين دائرة القيادة لسنوات، ما وفّر له معرفةً بدواليب الجيش، وظّفها لاحقًا لاستهداف المؤسَّسة والدولة بكاملها. أحدث الجولات «معركة المُدرَّعات»، وكان يُمكن أن تُمثّل خرقًا كبيرًا لصالحه؛ لكن حسمتها القوات الشرعية؛ فكان خروج «البرهان» بعدها دليل قوّة، وقد أكَّد أنه بترتيبات رجاله لا وفق صفقة أو تفاهمات. لا يُغادر القائد جبهة الحرب ما لم يكن مُطمئنًّا، والدلالة أن زيارته تؤكَّد تحسُّن موقف الجيش، والثقة بصلابة الوحدات ومعنويّات الجنود، بقدر تأكيدها الارتياح لموقف مصر، وقبول ورقة دول الجوار. إذا كان تدمير العدو أهم من الاحتفاظ بالأرض فى حروب العصابات، فإن التفوُّق الأخلاقى أول خطوة إلى النصر، والجيش يتجاوز الميليشيا بفارق عظيم. لعلّ السودان يحتاج حكومة طوارئ، وإرادة شعبية داعمة لتطويع المُنفلتين تحت أجندات سياسية أو مجموعات سلاح آبقة. إنّ «لاءات العلمين» لم تكن خافية فى رسائل البرهان، كما لم تكن لاءات الخرطوم قبل ستة عقود، والرسالة الصلبة التى لا فصال فيها، إن كان الأشقاء المُعذَّبون بنار الحرب والتهجير يسعون لاستعادة وطنهم كاملاً آمنًا، أن الجيش قبل ميليشيا الدعم السريع، وكل ميليشيا وأمير حرب غيرها، والسودان أوّلاً وأخيرًا، وفوق الجميع ومصالحهم الشخصية وحساباتهم الضيقة.