ارتبطت الدولة المصرية، في عهد "الجمهورية الجديدة" بمسارين متوازيين، أولهما التمكين، عبر استثمار كافة إمكاناتها، لتحقيق أكبر قدر من الاستفادة، وهو ما يبدو في الاهتمام الكبير بقطاع الشباب والمرأة، وصولا إلى ذوى الهمم، من أجل تفعيل ما تمتلكه تلك الفئات، من طاقات كبيرة، لخدمة الأهداف الوطنية، بعد سنوات طويلة من التهميش، بينما اعتمدت في المسار الآخر تقديم غطاء من "الحماية" للطبقات الأدنى، من أجل مساعدتهم على مواجهة التحديات الحياتية، وهو ما أتى ثماره في العديد من الظروف التي أحاطت بالوطن في السنوات الماضية، وعلى رأسها حقبة "الوباء"، بينما تسير على نفس النهج، في احتواء التداعيات الكبيرة للأزمات القادمة من الخارج، وفي القلب منها الأزمة الأوكرانية، وهو ما بدا في القرارات الأخيرة التي اتخذها الرئيس عبد الفتاح السيسي من محافظة بني سويف.
إلا أن التمكين والحماية، في واقع الأمر لم يقتصرا في نطاق التطبيق، على الفئات المجتمعية، وإنما امتدت في حقيقة الأمر إلى الجغرافيا، وهو ما يبدو في الاهتمام الكبير بالعديد من المناطق التي عانت هي الأخرى جراء التهميش المتعمد، الذي طال لعقود طويلة من الزمن، عبر العديد من المشروعات التنموية، التي من شأنها تحسين الأوضاع الاقتصادية في المحافظات البعيدة عن العاصمة، وتحويلها إلى أراض جاذبة لسكانها، من جانب، ناهيك عن مد أفاق الحماية، عبر المبادرات، التي لم تقتصر على مناطق بعينها، لتحسين حياة الفئات المعنية بها، وعلى رأسها مبادرة "حياة كريمة"، والتي تمثل أحد أهم الأذرع الإنسانية التي تتبناها الدولة المصرية لمساعدة مواطنيها على اجتياز الظروف الصعبة.
ولعل الانطلاق إلى كافة المناطق بالجمهورية، يمثل أحد أهم "دوائر التمكين" التي تتبناها الدولة المصرية، والتي تجسدت في العديد من الجوانب، كالفئات المجتمعية المختلفة بين الشباب والمرأة وذوي الهمم، على النحو سالف الذكر، أو حتى على المستوى المؤسسي، عبر تفعيل دور منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية، والعمل الأهلي، وإشراكهم للعمل بفاعلية في مواجهة الأزمات التي قد تطرأ على المجتمع، والمساهمة في خدمته، بينما بدا الأمر واضحا فيما يتعلق بالحياة السياسية، من خلال تعزيز دور الأحزاب السياسية، عبر "الحوار الوطني"، والذي يمثل فرصة حقيقية لهم للمشاركة بفاعلية والدخول على خط المواجهة أمام التحديات، وبالتالي تقديم أوراق اعتمادهم أمام الشارع، في حين امتدت كذلك إلى "تمكين" الأقاليم الجغرافية، عبر تعزيز قدرتها على العمل والإنتاج، بحسب ما تمتلكه من مؤهلات، سواء زراعية أو صناعية، أو خدمية، مما يحقق قدرا كبيرا من "التكامل الجغرافي"، من شأنه تحقيق أكبر قدر من الاكتفاء الذاتي، وبالتالي تعزيز "الحماية" لمواطني تلك الأقاليم، عبر تقديم فرص أكبر للعمل في مناطقهم، مما يعزز من فرصهم في تحسين حياتهم الاقتصادية، وقدرتهم على مجابهة ما قد يلاحقهم من أزمات.
وهنا تبدو فلسفة الدولة المصرية، في تحقيق ما يمكننا تسميته بـ"التكامل بين المفاهيم"، عبر إعادة صياغة المفاهيم السائدة، لتتواكب مع معطيات المرحلة الحالية، وعلى رأسها مفهوم "الدعم"، والذي يجب أن يقتصر على الفئات الأكثر احتياجا، بينما صار "التمكين" أكثر شمولا، ليشمل المجتمع والأحزاب والمؤسسات والجغرافيا، في حين أصبحت "الحماية" هي الغطاء الممتد جغرافيا ليشمل جميع المواطنين، عبر تقديم الفرص لهم لتحسين حياتهم.
وفى الواقع، تتكامل مفاهيم "التمكين" و"الحماية"، مع إعادة تأهيل الحياة المصرية بكامل صورها، في إطار من "الإصلاح"، الذي لا يقتصر على مجرد إجراءات جامدة، تتخذها الدولة في مجال بعينه، وإنما تقوم في الأساس على صياغة هيكلة جديدة، من شأنها رفع مستوى الوعي لدى المواطن، والمسؤولية لدى المؤسسات، والثقة لدى الأحزاب، والكفاءة لدى الأقاليم الجغرافية، وهو الأمر الذي يشهد خطوات متدرجة، ربما يمكن ملاحظتها في السنوات الماضية، بصورة ثابتة، مما يساهم في تعزيز المجتمع، وقدراته على مجابهة الأزمات، وتأهيله نحو تحقيق مزيد من التنمية في المستقبل.
وهنا يمكننا القول بأن الإصلاح، الذي تتبناه الدولة المصرية، منذ ميلاد "الجمهورية الجديدة"، ليس جامدا، وإنما يتسم بقدر من الحيوية عبر مسارين متوازيين، أولهما الشمولية، في ظل امتداده لكافة الجوانب سالفة الذكر، والثاني يعتمد على "التدرجية" في التطبيق، في ظل عملية بناء، لا تقتصر في نطاقها على المشروعات، وإنما تمتد في جوهرها إلى الإنسان، عبر تنمية الوعي المجتمعي، وتقديم الفرص التي من شأنها تحسين حياته.