كان بونابرت مُحقًّا عندما حذَّر من استفزاز الصين، أو محاربتها، لأنها «تنّين نائم؛ وعندما يستيقظ سيهتز العالم». على ما يُورد الفرنسى آلان بيرفيت فى كتابٍ استلهم عنوانه من المقولة. لم يكن المقصد أنها فوق الهزيمة؛ فقد هُزمت بالفعل، واختبرت حقبة إهانة طويلة؛ حتى أنها قد تُنفق كل ما فى يدها كى لا يتكرَّر «قرن الإذلال»؛ إنما كانت الرسالة أن سقوط الجسم العملاق سيدفعه للتعرُّف على ذاته بعُمق، واستكشاف قدراته بجدّية، وهو ما حدث طوال ثلاثة أرباع القرن منذ الاستقلال.. عندما أطلق جورج الثالث بعثته بقيادة اللورد مكارتنى أواخر القرن الثامن عشر، كان يبحث عن فرصٍ تجارية مع بلد التقاليد الراسخة، وبأثر الرسوخ وقع الصدام؛ عندما رفض الوفد السجود للامبراطور، وقال الأخير إنهم لا يحتاجون شيئًا من البريطانيين.. من ذلك جاءت حرب الأفيون، وعقود السحق والتنكيل، ثم ثورة حمراء قرعت الأجراس وأيقظت التنّين.
أنجزت الولايات المتحدة فروضَها لكن لم تستوعب الدروس. عندما داست أشواك الجفاء الطويل، وعبرت لبرّ الصين بهدوء مطلع السبعينيّات، من دبلوماسية كُرة الطاولة لزيارة كيسنجر ثم نيكسون، وأخيرًا مُغادرة ثلاثة عقود من التجاهل، أنكرت فيها حكومة بكين ومنحت مقعدها الأُممى للقوميِّين فى تايوان. أُولى العبر التى كان واجبًا استخلاصها، أن سنة المُصالحة شهدت صدامًا صينيًّا سوفيتيًّا، نشأ عن توقيع الأخير مُعاهدة دفاع مع فيتنام، التى تجرَّأت على غزو كمبوديا؛ فاعتبر ورثة «ماو» أنهم إزاء مُخطَّط تطويق، وردّوا بالحرب على هانوى، ولم تكن تعافت تمامًا من مُغامرة واشنطن ضدها قبل عقدين.. حصيلة قرنين من تجارب الإنجليز والسوفيت والأمريكيين أنفسهم، كانت تفرض الوعى بأنه لا الحرب ولا الاحتواء أو التجاهل، خليطًا أو فرادى، تصحّ سبيلاً لعلاقة عميقة ومُستقرّة مع الصينيِّين.
بالإعلان عن الممرّ الاقتصادى من الهند لأوروبا عبر الشرق الأوسط؛ تجدَّدت ذكريات قريبة وبعيدة عن مشاريع الاحتواء. لم تكن تجارب «خطّة مارشال» بأوروبا أو الوصاية العسكرية على اليابان بعيدة من ذلك، وكذلك «حلف الناتو» فى مواجهة المعسكر الشرقى، ثم الحرب الباردة مع دب السوفيت الذى كان يحبو لشيخوخته. كما لا يمكن صَرف النظر عن أدوار مجموعة السبع وتحالفات كواد وأوكوس وI2U2 وتفاهمات كامب ديفيد مع سيول وطوكيو، وغيرها من إجراءاتٍ بظلال جيوسياسية فى إطار التحرُّش بالصين. الممرُّ الذى أُريد أن يطلّ على العالم من منصَّة مجموعة العشرين؛ ليبدو كأنه تحالف طبيعى بين الشمال والجنوب، ويستمد مشروعيّةً أخلاقية من الأجواء الائتلافية للأسواق الرائدة والناشئة، يقع فى قلب أهداف «شراكة البنية التحتية والاستثمار العالمى» التى أطلقتها G7 قبل سنة. ربما يُفسِّر ذلك أن واشنطن ترعاه، وتولَّت تسويقه وتنشيط ورشة عمله؛ بينما ليست طرفًا مُباشرًا فيه بالجغرافيا أو اللوجستيات والأثر المباشر.
المُعلَن أنه ممرّ تجارى منبعه الهند، ومُنتهاه أوروبا، وغرضه التجارة ونقل الطاقة والبيانات، عبر شبكة موانئ وكابلات وخطوط حديدية تجمع الإمارات بالسعودية والأردن وإسرائيل. نظريًّا هو مشروع تنموى طموح، وعمليًّا تكتنفه صعوبات وتحدّيات جمّة فى القريب والمتوسط: أوّلها كُلفة الاستثمار والتشغيل، ومحدودية التجارة الهندية الأوروبية، والتنافس الشرس مع بدائل قائمة وفى طور التشكُّل، وإخفاق مشاريع شبيهة سابقًا، ثم مُعوّقات السياسة وتوازناتها من المحيط الهادئ للخليج وفلسطين. المُراد أن تكون الهند بديلاً عن مركزية الصين فى سلاسل التوريد، وأن تُنتزَع الكعكة الأُوروبية من طاولة التنِّين، وتنفض أمريكا عبء الأمن الإسرائيلى؛ لتضعه فى عهدة الغلاف الإقليمى بعدما تربط مصالحه بالدولة العبرية. تبدو الفكرة سابقةً للظروف، وتقفز على حقيقة أن السياقات الضامنة لإنجاحها لم تتوفَّر بعد، لا سيّما أن عمود خيمتها يستند لاعتبارات جيوسياسية غير ناضجة، حتى لو استُهلكت كل المحفوظات لتسويق أنها «اقتصاد لا تعنيه السياسة».
خاضت الولايات المتحدة حربًا تجارية شرسة مع الصين منذ 2018؛ ولم تُفض لشىءٍ تقريبًا. ما زال ميزانهما التجارى مائلا لبكين بنحو 400 مليار دولار. ولم تتخلَّف أوروبا عن المواجهة بجولات من القيود والتضييق والأعباء؛ أحدثها دراسة فرض رسوم على واردات السيارات الكهربائية، بادِّعاء تمتُّعها بدعمٍ حكومى يُنتج تسعيرًا مُصطنَعًا، لكن 8 من كل مائة سيارة كهربائية فى شوارع أوروبا بتوقيع الصين، بعدما كانت 4% فقط قبل سنتين، وإجمالاً قفزت صادرات السيارات الصينية 94% على أساس شهرى خلال يوليو وأغسطس.. لم يعد بمقدور التحالف الأطلسى خوضَ مُواجهة مفتوحة مع الغريم الآسيوى، خاصة أن أسواقه لا تشبع، وضغوط الركود والتضخُّم تُقوّض استمرار المغامرة، والبديل أن يُعاد بناء سلاسل التوريد بمصادر بديلة، شريطة أن تُوفّر مزايا الصين كقاعدةٍ للتصنيع الرخيص؛ ربما لهذا كان الخيار وضع «الحلم الهندى» بديلاً عن الواقع الصينى، وبدء المواجهة مع آسيا من آسيا نفسها، وبوكالة أحد لاعبيها القادرين على التمدُّد.
المُعضلة أن طموح الهند مهما كان عاليًا سيصطدم بسقفٍ ثقيل من الداخل والخارج. صحيحٌ أنها حقَّقت أداءً مُدهشًا فى مُعدّلات النموّ والرقمنة، لكنها لا تزال تعانى وطأة الديموغرافيا العاطلة. ربما رآها الغرب قادرةً على تعويض حضور التنّين من زاوية الحجم؛ لكن ذلك يتجاهل شروطًا أساسيّة عن النوعيّة وعافية الجسد وقُدرات الحركة. إنها خامس اقتصاد والسابعة فى المساحة والأضخم سكّانًا، يعيش 800 مليون منهم فى فقرٍ مُدقع، ويسيطر 10% على قرابة 80% من الثروات، وتعجز عن توليد الوظائف وبناء قاعدة صناعية مُتفاعلة مع المُتطلِّبات الدولية. الخصائص السكانية لصالح الصين، وناتجها ونصيب الفرد 5 أضعاف، وبدأت مسار نهضتها قبل 5 عقود ولا تزال نيودلهى تحبو. إن نموَّها القياسى عند 7.2% يتطلَّب عقودًا بالوتيرة نفسها لتصل إلى ما تقف بكين عنده الآن. تجارتها مع أوروبا، التى يستهدفها الممرّ، نحو 115 مليار دولار من السلع و30 خدمات، وتوقَّعت المفوضية الأوروبية أن يزيدها المشروع 40%، أى لن تتجاوز 200 مليار، بينما تجارة الصين مع الأوروبيِّين 912 مليار دولار بأرقام 2022. حتى بتنحية أثر النموّ الطبيعى وافتراض ثبات المراكز، يصعب أن نتخيّل كم عقدًا تحتاج الهند لملء فجوة بـ700 مليار دولار.
سعيًا لطموحها السياسى، تُورِّط واشنطن حُلفاءها فيما يُرهقهم ولا يفيدهم. إنّ تعليق رهان بهذا الحجم على صدر نيودلهى يُقوّض مسيرتها بدل أن يدعمها. إذ فى وقت تجهيزها لمُنافسة الصين، تُحرم من فُسحةٍ اغتنمها المُنافس لبناء جبهته الداخلية والاشتغال على نموذجه التنموى. ما يحدث أن الشمال يسعى لأن تكون الهند رأسَ حربةٍ لمشروع تطويق التنيِّن، ومعنى ذلك أنها ستُدفَع لتلبية مُتطلِّبات المُواجهة قبل سدِّ حاجات الداخل وترقية قدراته، وقد لا يتيح ذلك تطوير خصائص السكان وتحسين الصحة والمعيشة والإنفاق. تسرُّع «بايدن» فى الإعلان عن الممرَّ، بعد إنجاز ماراثون التوافق عليه خلال شهور، يُشير لأن فاعليّته المطلوبة قد تأتى على حساب استكمال الهند لتصوُّرها النهضوى الخاص؛ أمّا لو التفتت للداخل كما ينبغى فقد يتعطّل أثر المشروع، وتهتزّ كفاءة الطوق المُراد أن يُسيِّج حركة الصين فى إقليمها والعالم.
كانت المُفاوضات قد اكتملت، عندما جلس ناريندرا مودى فى جوهانسبرج، مُقرِّرًا مع قادة «بريكس» توسعة المجموعة بستّة أعضاء، بينهم 4 من الشرق الأوسط. ليست مُصادفةً أن تكون السعودية والإمارات ضمن الممرَّ، ومصر وإيران خارجه. أولى الرسائل أن الهند تتجنَّب الاستقطاب وتسعى للاستفادة من كل فرص التعاون؛ حتى أنها تنخرط مع الغرب فى مشروع يستهدف بكين، وتُشاركها مشروعًا آخر رغم ما بينهما من تنافسٍ ونزاعات حدوديّة. أبوظبى والرياض تعملان بالمنطق نفسه، وتلتمسان فى الممرِّ فُرصةً اقتصادية بعيدًا من تحالفات الأيديولوجيا. وإذا كان الخطر على التجربة من نزاع الخليج مع إيران فقد يزول نسبيًّا بشراكة بريكس، ومصر لها علاقات وطيدة بكل الأطراف بما فيها بكين وموسكو، وقد تكون مسارًا مُستقبليًّا مُهمًّا للمشروع. هكذا تبدو الصورة مُركَّبة؛ حتى أنه يستحيل الجَزم هل كان تمدُّد «بريكس» لفائدة الممرّ، أم الممرّ نفسه لفائدة بريكس! لعلّ فى ذلك ما يُقلّص منسوب القلق من مغامرات الشمال فى توظيفه لأهداف جيوسياسية صدامية، ضمن حُمّى البحث عن بدائل طاقوية لروسيا وسلعيّة لبكين، لا سيّما أن الأولى حليف استراتيجى فى «أوبك+» لا يُنتظَر أن تتخلَّى عنه السعودية، والثانية شريكٌ حيوىّ آخر إسهاماته رعاية اتفاق المملكة وطهران، ولم تعد الضغوط الأمريكية كافيةً لإجبار أصدقائها التقليديِّين على مُعاداة من تعاديه.
فيما يخص مصر، فمحلُّ شكٍّ أن الممرَّ يُهدّد قناة السويس. إذا كان بعيدًا أن تحلّ الهند بدلاً عن الصين فى التجارة، فالأبعد أن يكون طريقها المُقترح تعويضًا عن القناة، خاصة أنها المسار الأرخص والأسرع والأكثر استيعابًا، بينما البديل يتطلَّب حلقات مُتتابعة من أنظمة النقل البحرى والبرى، مع الشحن والتفريغ والتخزين، ما يرفع فاتورة الوقت والتكلفة والفواقد ويُقلِّص الربح، فضلاً على أثر التوترات الجيوسياسية من الجبهات الفارسية واليمنية والفلسطينية، ويُمكن أن تُضاعف كُلفة التشغيل وأعباء التأمين والبرمجة الزمنية، وكلها لا تجعل الممرَّ مُجديًا بحسبة الاقتصاد؛ وإن ظلّ مُفيدًا للسياسة. لا يمكن القفز على اهتمام واشنطن باستكمال طوقها حول الصين، أو بتأمين إسرائيل ودمجها عربيًّا؛ لكن ذلك يصبّ فى خزانة الصراع لا الاستثمار، وبالتبعية لن يؤثر على القناة لأنها لن تكون طرفًا فى مُنازعاتٍ كحال الممرّ. كما أن بكين التى أطلقت «الحزام والطريق» قبل عشر سنوات، واستثمرت تريليون دولار فى 150 دولة منها بعض محطّات المشروع الجديد، وتستعد لعقد مُنتداها الثالث خلال أكتوبر بحضور 90 دولة، لن تقف مكتوفة الأيدى إزاء مُحاولات الحصار، وباستثارة مُقاومتها قد تُسرِّع وتيرة المُبادرة، وتُعزِّز نشاطها فى المنطقة، ما يعنى فرصًا أكبر لمحور القناة.
عمليًّا لا يخلو المشروع من تحدِّيات؛ إنما قَصر الرؤية على أن القناة مجرّد مجرى ملاحى، يتغافل عن واقعها المُتصاعد ومُستقبلها المرسوم أن تكون مركزًا اقتصاديًّا، وأن تُنشِّط تصوُّرًا تنمويًّا شاملاً، بالإنتاج والتجميع والصناعات التحويلية وسلاسل القيمة والتخزين واللوجستيات. أمّا تحدّيات الممرّ نفسه فتبدو أكبر: يُفترَض أن يكون مسرحًا عُمرانيًّا وثقافيًّا بينما لا تسمح ديموغرافيا الشرق بذلك، وغرضه تحفيز مُعادلة «الهند/ أوروبا» بينما يُخفقان فى إنجاز اتفاقية تجارة حُرّة، أُعيد بحثها مُؤخّرًا بعد توقُّف سنوات، ويُواجه الصين بينما تفرض الصيغة السياسية ونموذجا تنمية الطرفين ثباتًا مُعزِّزًا لـ«بكين»، مقابل ديناميكية مُهدِّدة للغرب؛ إذ يُمكن أن تُقوَّض كل الجهود أو بعضها مع الانتخابات الأمريكية أو صعود اليمين وتبدُّل التوازنات السياسية. ورهانه الأساس تقوية الهند، وما تزال تعانى ضعف التنافسية وتدفُّقات الاستثمار، وترهّل البيروقراطية والتفاوت بين الأقاليم، مع غياب التجانس وسط غابةٍ مُزدحمة بالعقائد والقوميّات. وبينما رهانه الثانى تثبيت إسرائيل وتأمينها وإدماجها بالإقليم، فإنها تُعانى صراعات داخليّة ومدًّا للأرثوذكسية الثائرة على الطابع العلمانى، علاوة على جُرحها الأخلاقى و«الأبارتايد» الذى تمارسه بحق الفلسطينيين، وهو وصمٌ دائم لها وتهديد لا يخفت لثباتها الأمنى والاقتصادى.
علاوة على ذلك؛ فإن مصر غير بعيدة عن المشروع، الآن ومُستقبلاً. الشراكة الوطيدة مع الأردن، والعلاقة بالإمارات والسعودية داخل «بريكس» وخارجها، تسمحان بأن تكون القاهرة شريكًا أصيلاً فى تنشيط التجارة والتداولات السلعية وخدمات التعهيد بالمنطقة. ربما كانت الرؤية التنموية بعد 30 يونيو استشرافيّةً وأجادت قراءة المُتغيِّرات مُبكِّرًا؛ المُهم أننا نملك الآن قاعدةً تنموية قادرة على منافسة الممرّ أو التكامل معه. البنية التحتية فى محور القناة، وشبكة الموانئ والمطارات، وخطّ القطار السريع من السخنة للعلمين، وطفرة شرق بورسعيد، وميناء العريش واتصاله بسكّةٍ حديدية مع جنوب سيناء وعلى مرمى حجر من الحدود السعودية والأردنية، تُتيح قدرةً مُتقدِّمةً للانخراط الجاد والسريع ضمن «الحزام والطريق» الصينى، وتوفير مسار بديل أو مُوازٍ للممرّ الهندى. الطبيعة السياسية والأمنية القلقة لإسرائيل قد تضع ميناء حيفا تحت ضغط، أو تُعطِّل قدرته على الوفاء بالالتزامات، وهنا يُمكن أن يكون ميناء العريش بديلاً أقصر وأرخص، وأقرب لغرب أوروبا.
ربما غاب الرئيس الصينى عن قمّة العشرين كى لا يُضفى مشروعيّة القبول على الممرّ، بينما يُنافسه بطريق الحرير الجديد؛ لكنه يعلم أنه جولةٌ لا تختلف عن سابقاتها من مُواجهات الغرب، وأهم ما فيها استكمال إيقاظ التنِّين الذى ما تزال إحدى عينيه مُغمضة. أما «بوتين» فعلَّق بأن المشروع فُرصة لروسيا، ويساعدها فى تطوير اللوجستيات واستثمار طرحها القديم لمسار «شمال/ جنوب». وعربيًّا تبدو الرؤية ناضجة على صعيد الاستفادة من التنافس: الأمريكى الصينى، والهندى الصينى. إسرائيل ستكسب تطبيعًا رخيصًا ومشمولاً بمزايا أمنيّة واقتصادية، ومصر ستكون محطّة السباق بين البرنامجين المُتصارعين: إمّا مزيدًا من الفرص مع الصين، أو شراكةً مُحتملة مع دول الممرّ، أو مزجًا بين منافعهما. المُفارقة فى موقف الشمال؛ إذ يتراجع عن المواجهة المُباشرة دافعًا الهند للأمام، كأنه يُربِّى «تنين جديد». لو كان قرن الهيمنة الأمريكية المنفردة يأفُل، فإننا على موعدٍ مع قرنٍ آسيوى، لن تكون القارة فيه لاعبًا بارزًا فحسب، إنما ستُدير المنافسة مع نفسها. تُقدِّم بكين بديلاً شرقيًّا عن العولمة الأنجلوساكسونية، وتتقدَّم الهند، وتخضرُّ فى البيئة الآسيوية تجارب واعدة مثل إندونيسيا وفيتنام وبنجلاديش، ويُمكن حسبان روسيا معها. إذا كانت واشنطن وحلفاؤها الأُوروبيّون قرَّروا مُحاربة آسيا بآسيا، فعليهم ألّا يتجاهلوا احتمال أنهم يُحفِّزون طاقات القارة، وبدلاً عن تنّين واحدٍ يُوقظون كائنًا أُسطوريًّا مُتعدِّد الأذرع؛ لن يحتاج وقتًا طويلاً حتى يتحرَّر من الاستتباع والوصاية.