نزل الرئيس جمال عبدالناصر من السيارة أمام الفيلا رقم واحد على تلال لينين على نهر مسكوفا، ونزل أعضاء الوفد المرافق، فى زيارته السرية إلى موسكو يوم 22 يناير، مثل هذا اليوم، 1970، وعلى باب الفيلا وجد بريجنيف سكرتير الحزب الشيوعى واقفا فى انتظاره ومعه وزير الدفاع المارشال غريتشكو.
كان السفير السوفيتى فلاديمير فينو جرادوف، الذى أصبح فى أكتوبر 1970 سفيرا لبلاده فى مصر طرفا فيها، حسب كتابه «مصر من ناصر إلى حرب أكتوبر.. من أرشيف سفير »، يقول فيه: «رأيت ناصر للمرة الأولى فى ظروف استثنائية، ففى فبراير 1970، «الصحيح يناير»، كلفت باستدعاء مراد غالب سفير مصر لدى موسكو، وقلت له: نحن فى النصف الأول من اليوم، وأنا أبلغك بناء على طلب الرئيس ناصر أنه سيصل إلى موسكو فى زيارة سرية، وسوف نتوجه معا مباشرة إلى المطار لاستقباله، لم يبد غالب اندهاشا، كان يعلم أن ناصر لا يولى ثقة لشفرة جهازه الدبلوماسى، وبالفعل طلب «ناصر» أن نرتب الأمر بحيث لا يعرف بزيارته أحد من المصريين فى موسكو عدا السفير وحده، ذهبت مع السفير إلى المطار، وهنا شاهدت «ناصر» للمرة الأولى.
كان الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل ممن رافقوا «عبدالناصر» فى الزيارة، ويذكر فى برنامجه «تجربة حياة» على «فضائية الجزيرة»: «أحس بريجنيف أو قالوا له إن عبدالناصر تعبان، فقال: «نخلى الجلسة بكرة»، فرد عبدالناصر: «دلوقت احنا تقريبا الساعة 11، وممكن نريح شوية ونبتدى الساعة 3 بعد الضهر النهاردة، لأنه مفيش وقت، وإذا كنا عاوزين نحافظ على سرية المحادثات فأهم حاجة ألا تطول مدتها »، واتعمل ثلاث جلسات، مسائية فى نفس يوم الوصول، وصباحية ومسائية فى اليوم التالى، وأعقبها عشاء، وفى الجلسة الأولى شرح «عبدالناصر» الوضع على الجبهة، وفى المنطقة، واهتم السوفيت بموضوعين، الأول عما جرى فى ليبيا «ثورة سبتمبر 1969»، وهل مصر على علاقة به، والموضوع الثانى مؤتمر القمة، وبعدين حرب الاستنزاف».
يضيف «هيكل»: بدأ عبدالناصر يتكلم، فقال: «أول حاجة بالنسبة للأمور على الجبهة، أنا أعتقد إنه إحنا قد لا نكون عملنا معجزة، لكن على وجه اليقين عملنا شيئا مرضيا، وعندكم تقارير كل الخبراء، ونحن نعتقد أن الآن جاء الوقت، أنتم تكلمتم فى العمل السياسى لفترة طويلة ونهاية العمل السياسى زى ما اتصلتم وبتفويض مننا مع أمريكا، فات عليها مدة طويلة أوى، ووصلنا إلى اللى بيسموه مشروع روجرز «وزير الخارجية الأمريكية»، ولم نعلن فيه رأيا لأن إحنا عاوزينه ينص على الانسحاب الكامل، لكن بقية المشروع فيه حاجات لا نستطيع قبولها، ونحن على أى حال منذ البداية نقول: «ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة»، والرئيس بريجنيف تفضل وقال لى إن هذه تجربة الاتحاد السوفيتى بالظبط فى الحرب قدام هتلر».
أضف «عبدالناصر»: «غارات العمق عندنا مشكلة كبيرة جدا، عندنا مشكلة دفاع جوى فى غارات العمق، إحنا رفعنا كفاءة القوات المقاتلة على الجبهة إلى درجة أرغمت الإسرائيليين على أن يعيدوا التفكير فى مواجهة من نوع آخر»، وتناول عبدالناصر تقارير عن التغيرات فى المجتمع الإسرائيلى بسبب حرب الاستنزاف، مثل «الشباب الإسرائيلى بيهرب من الحرب على الجبهة، بدأ يبقى فى إسرائيل شباب مش مستعد يموت، وأن تكاليف الدفاع فى حرب الاستنزاف بدأت ترتفع من تكاليف سنوية 260 مليون دولار سنة 1968، والآن 680 مليون دولار طبقا لأرقام موثقة من البنك المركزى الإسرائيلى».
أضاف «عبدالناصر»: «الإسرائيليون أمام كفاءة القوات المصرية وأمام أعباء نفسية، الشباب الإسرائيلى مع الأعباء المادية رأوا أن ينقلوا المعركة إلى العمق، ونحن نواجه مشاكل دخول الطائرات الفانتوم فى معارك العمق وقدرتها على الطيران المنخفض، وصواريخ سام2 اللى أخذناها منكم، واستعملناها طوال الوقت بتصلح للارتفاعات العالية فوق خمسمائة متر، لكن الإسرائيليين مابيجوش فوق الأهداف الحيوية عندنا فى العمق بهذا الارتفاع، بينزلوا بطيران واطى جدا وبيضربوا، ونحن نطلب نوعا آخر من الصواريخ نعلم أنه موجود عندكم، سام 3».
يؤكد «هيكل»: فى هذه اللحظة قال «كوسيجين»: «يستحيل، أولا لسه تحت التطوير، ولم يدخل فى الخدمة.. قاطع بريجنيف رئيس وزرائه قائلا: انتظر لما الرئيس ناصر يكمل كل كلامه، واستكمل عبدالناصر: إننا الآن فى حاجة لنقلة جديدة فى موضوع الصواريخ، وتكلم كوسيجين: المسألة فى استخدام سام2، كل سلاح فى واقع الأمر صالح إذا عرفت الطريقة المثلى لاستخدامه، ونخشى أن تكون هناك أخطاء فى استخدامه، وده ممكن حله، والعسكريون يقعدوا ويتكلموا». يعلق «هيكل»: عبدالناصر كان عنده معلومات واضحة عن سام 3، ومصمم على الحصول عليه، وفى نهاية الجلسة قال «بريجنيف»: «صديقنا ناصر يريد أن يحصل على كل ما يريد، ونحن نريد أن نقدم له كل ما يحتاجه، وهناك فرق بين ما نريد وبين ما يحتاجه»، واقترح اجتماعا للعسكريين من الجانبين.. وتواصلت المناقشات فى اليوم التالى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة