فروقٌ جوهريّة عدّة بين الدولة والميليشيا؛ أهمها الانضباط بالقانون والاستثمار فى الاستقرار. فى الأُولى تتحكَّم الجغرافيا والمواثيق الدولية والعلاقة بالآخر على شرط الندّية والتكافؤ، وفى الثانية ينفلتُ السلاحُ وتشيع المُغامرة، وقد تصير دولةً فى ظرفٍ سائل؛ وإن ظلَّت مارقةً وخارج الشرعية، أمَّا الدولُ فلا تصير عصابات، ولو تعشَّمت فى مغانم الفوضى؛ فإنها تُقوِّض أُسسَها قبل أن تمسّ أساسات مَن تُعاديهم، وتزرع بذرةً قد لا يتيسَّر حصادها إلّا نارًا ودمًا. والعالم المُؤطَّر بالمرجعيّات والأعراف يكره المارقين، أو هكذا يُفترَض؛ لكنه يحبُّ الازدواجية أحيانًا. هكذا يصمت على سلوكٍ «مافياوى» من إسرائيل فى غزّة، ويقف على أطراف أصابعه ضد حزب الله فى لبنان. وبالمثل؛ يستصدر قرارًا أُمميًّا مُعجَّلاً ويشنّ غاراتٍ حارقةً على حوثيّى اليمن؛ لكنه يلتزم الصمت إزاء تعدٍّ إثيوبى على الصومال.
بادرت مصرُ منذ أوَّل لحظة باتّخاذ موقفٍ صارم؛ انطلاقًا من التزامها فى الدائرتين العربية والأفريقية، واتساقا مع خطابها القيمى الراسخ تجاه «الدولة الوطنية» وتماسُكها، والرفض الصارم لكلِّ ما يمسُّ سيادتها أو يُهدِّد دعائم أمنها. وليس من التفاخُر واصطياد النقاط؛ إن قُلنا بصراحةٍ خالصة إنّ موقف القاهرة من اتفاق أديس أبابا المشبوه مع إقليم «أرض الصومال» كان الأكثر جدّيةً ونزاهة، ولم يُمسك العصا من خاصرتها أو يُناور تحت سقف الدبلوماسية الرمادية. أدانت الدولةُ الورقةَ العدوانية، وأرسلت وفدًا رفيع المستوى إلى مقديشو، واستقبلت مبعوثين صوماليِّين يتقدّمهم رئيسُ الوزراء، ودعمت طلب انعقاد جلسةٍ عاجلة للجامعة العربية، وأخيرًا وجّه السيسى دعوة لنظيره حسن شيخ محمود، وكانت الزيارة التى امتدت ثلاثةَ أيّام، وشهدت رسائل شديدة القوّة والدلالة والإيجاز، لا تخرجُ عن ثوابت الرؤية المصرية، ولا تُغلق الباب أمام منافذ التعقُّل الأفريقى، وتُعلِّق جرسَ الخطيئة فى رقبة الطرف المُغرم بالرهانات الجارحة.
لإقليم «صومالى لاند» وضعيةٌ خاصة؛ إذ أعلن من جانبٍ واحد ولم تعترف به دولةٌ واحدة، ولأنَّ البلد الذى كان اسمه جمهورية الصومال الديمقراطية قد صار فيدراليًّا؛ فإن صيغتَه تسمحُ لشطره المُتمرِّد بأن يُنتج صيغةً للإدارة الذاتية، دون أن يعنى ذلك أنه قُطِع من الجسد الأم، أو اكتسب صفةً اعتباريّة خاصةً يُخاطبه الآخرون بها ويُخاطبهم. وخلاصةُ الاتفاق الشائن، أن إثيوبيا قفزت حدودَ جارتها المُسالمة، وأبرمت صفقةً مُزعجةً تقضى بأن تحوزَ عشرين كيلو مترًا من سواحل المقاطعة الشمالية لأغراضٍ تجارية وعسكرية، مقابلَ حصّةٍ صغيرة من خطوطها الجوية الرسمية، ووعدٍ مُرجَأ بالاعتراف بالانفصال. والمُلاحظات هنا أكبر من مسألة خَرق السيادة، أو تأليب الجيران على بعضهم وتفجير المجتمعات من داخلها؛ فالأخطرُ أنها تُشير لمنهجٍ مُعتلّ فى العلاقات الدولية، وتُبرهن بوضوحٍ على انحرافٍ إثيوبىّ لم يعدم تجلِّياته فى ملفَّاتٍ أُخرى، إلى حدِّ أنه يُمكن أن ينزعها من مصاف البلدان العاقلة، لينقلها إلى كتاب الميليشيا والأنظمة الخارجة على القانون.
فى المؤتمر الصحفى مع ضيفه، قال الرئيس السيسى إن موقفَ القاهرة مُعلَن وصارم، ويرفضُ الاتفاق والعبث فى شؤون الصومال أو المساس بوحدة أراضيه، مُحذِّرًا من تهديد الأشقاء أو اختبار مصر فى ذلك، خصوصًا لو طُلِب منها الدعم أو التدخُّل، وأن التعاون على ركائز توافقيّة عادلةٍ هو الطريق الوحيدة لضمان مصالح الجميع. وكان أهم ما لفت إليه، أن الدولةَ العربية الكبيرة فى القرن الأفريقى لها حقُّ الإسناد بموجب اتفاقية الدفاع المشترك، والقَصد ليس التهديد أو التلويح بالقوّة؛ بقدر تأكيد أن الوضع الصومالى الهشّ، وقد فرضته تداعيات الارتباك ما بعد سقوط نظام سياد برّى فى التسعينيات، لا يعنى أنها عاريةٌ فى مَهبّ العاصفة، أو أن حدودها سهلةٌ ومصالحَها مُستباحة. وبدوره قال «شيخ محمود» إنهم ينظرون لمصر من زاوية الشريك التاريخى، ويسعون لتعاونٍ واسع فى المجالات كافّة، سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا.
تضعُ إثيوبيا يدَها على ثُلث مساحة الصومال تقريبًا؛ إذ تحتل إقليم «أوجادين» لقُرابة خمسة عقود. وما يحدث منها شمالاً يُمكن أن يتكرَّر فى نطاقين آخرين: جالمودوج، وأرض بنط. وهما إقليمان تحت الحُكم الذاتى، حاولا الاستقلال من طرفٍ واحد أيضًا، وبينهما نزاعٌ حدودىّ يتجدَّد كلَّ فترةٍ باشتباكاتٍ دامية. أمَّا الحكومة المركزية فتخوض حربًا مريرةً مع بقايا مجموعات «حركة الشباب» الإرهابية فى الجنوب، ولا يخلو المشهدُ من تدخُّلاتٍ بريئة أو مُغرضة لبعض الدول، ومنهم أصدقاء، تحت ستار الاستثمار أو الشراكة الاقتصادية. وخطوةُ الاتفاق الأخير لا تصبُّ الزيتَ على نار الانقسام فى «صومالى لاند» فقط؛ إنما تُشجِّع ذوى النزوات والطامعين، كما تنقلُ الصراع من مسألة تحرير القديم، إلى احتلال ناعمٍ للجديد، ومَوطئ قدمٍ لإحدى الدول مُدمنة الهروب من أزماتها بتصديرها للخارج، أو بتركيب قنابل جيوسياسية وإلقائها فى وجوه المحيطين، بدلاً من الاشتغال على التكامل المُثمر والتنمية الحقيقية الجادة.
السجنُ الذى يُحاول الإثيوبيّون مُغادرتَه ليس طارئًا؛ فقد صاروا بلدًا حبيسًا منذ استقلال إريتريا قبل ثلاثة عقود، وكان «أرض الصومال» قد أعلن كيانَه المزعوم قبلها بعامين. خاضت أديس أبابا معاركَ طاحنًة مع أسمرة، ثمَّ أقرَّت بالواقع، وعوَّضت موانيها القديمة باتّفاقٍ مع جيبوتى شمالاً، وتفاهُماتٍ للاستفادة من مرفأ لامو الكينى جنوبًا. أمَّا مسألةُ الانقسام فلم يُغادرها الصومال يومًا؛ بل كانت أوضاعُه أشدَّ سوءًا وفوضى فى التسعينيات وأوائل الألفية، ولا معنى للتحرُّك ناحية صفقة الهيمنة على ميناء «بربرة» ونطاقٍ عريض بجواره؛ إلَّا أن حكومة «آبى أحمد» تستغلُّ ظرفًا عارضًا كعادتها. والمُتغيّر الوحيد حاليًا أن مصر والعرب مُنشغلون بنزاع السودان وقد أوشك أن يؤولَ لحربٍ أهلية، ثمّ بالعدوان على «غزّة» إذ يُربك جغرافيا الشرق بكاملها، وأخيرًا توتُّرات البحر الأحمر وخليج عدن، على إيقاع النشاط الحوثى وهياج أذرع المحور الشيعى من شطّ العرب إلى شطوط أفريقيا.
النزاعاتُ الهادرةُ قوَّضت الصومال وأقعدته عن الحركة، والنظامُ المارق فى جواره الغربى يطمعُ أن يُقطِّع من لحمِه الضامر. البلدُ الذى يطفو على طبوغرافيا شديدة التنوُّع وغنيّة الموارد، ما تجاوز ناتجُه 7 مليارات دولار تتوزَّع على سبعة عشر مليونًا فى 637 ألف كيلو متر، بأقلّ من 500 دولار للفرد سنويًّا. نسبةُ الفقر تُلامس 73 % وترتيبه 165 فى مُؤشِّر التنمية بحسب أعوامٍ سابقة، وخُمسَا اقتصاده فى الزراعة والثروة الحيوانية مع 8 ملايين هكتار أرضًا خصبةً أغلبها غير مُستغَلّ، ومئاتُ الآلاف مُشرَّدون بالخارج و3 ملايين بالداخل، وتقولُ تقاريرُ أُمميّة إن نحو 5 ملايين يحتاجون إعانات غذائية. ولا تتجاوز مداخيلُ الصيد 2 % من الناتج رغم امتلاكه أطول شواطئ أفريقية بأكثر من 3 آلاف كيلو. وفى القلب من كلِّ تلك المزايا والتحدّيات، فإنه مُطالَبٌ بتأمين 2340 كيلومترًا من الحدود البرّية، ثُلثاها مع إثيوبيا. أى أنه بينما يُناضل لتذويب رواسب الحرب الأهلية، وكَبح غُول الإرهاب، يُطوِّق الخطرُ عُنقَه بأطماعٍ لصيقة، وكلُّ ما فى سيرة الجار يرفعُ منسوبَ القلق ويُوجِب الحيطةَ والحذر.
إثيوبيا بلدٌ فقير، يسبح فى نهرٍ من العنف والدم. نحو 120 مليونًا يسكنون 1.1 مليون كيلو وينتجون بأقل من 100 مليار دولار، وعشراتُ الأعراق والقبائل تتناحر فيما بينها ومع السُّلطة المركزية. وبدلَ أن تتفرَّغ الحكومةُ للمُصالحة وترميم البيت، وإزالة رُكام الفوضى والمعارك الدامية؛ لتعود الأرضُ صالحةً للبناء والحياة، فإنها تُركِّز جهدَها على إنتاج الفِتَن وتصديرها، أو تتلقّف المُتأجِّج حولَها وتنفخ فى ناره. لا فارقَ بين زيناوى وديسالين سابقًا أو آبى أحمد حاليًا. كانت يدها فى إريتريا لوقتٍ قريب، وفى جيبوتى قبلها، وما زالت فى السودان بمُؤازرة ميليشيا الدعم السريع، وتخوضُ جولةً من البلطجة وانتهاك القانون مع القاهرة والخرطوم فى مجرى النيل، وها هى تسعى للخروج بحرائقها إلى خليج عدن، واستكمال حزام النار مع الحوثيِّين على مقربةٍ من باب المندب وحركة التجارة الدولية.
سوابقُ الحبشة تُغنى عن كلِّ قَول، وتفرضُ أن يتصدَّى العالمُ بمرافقه القارّية والأُمميَّة لنزوات الهُواة وأطماع الفاشلين. لكنَّ المُفارقة أنْ حدثَ العكس؛ فالقاهرةُ بادرت بالإدانة، تبعتها الجامعة العربية، ثمّ دول قليلة بينها الولايات المُتحدة وتركيا، بينما تلطَّى آخرون خلف عباراتٍ مُحايدة، وكان موقف الاتحاد الأفريقى شديدَ الرخاوة والمُهادنة، ربما لأنه يتَّخذ من أديس أبابا مقرًّا؛ فتُمارسُ سطوتَها على مُوظّفيه أو ترهبهم، ولم يتجاوز مجلس السلم والأمن التابع له مستوى الإعراب عن القلق والدعوة لاحترام المواثيق. اللغةُ الباهتة تُشجِّع «أحمد» على مُواصلة المراوغة والألاعيب، واختبر الجميعُ ذلك طوال سنوات من مُفاوضات سدّ النهضة. إنَّ بلدًا بعقل ميليشيا يُفسِّر اللينَ ضعفًا، ولا يفهم إلَّا الرسائل الساخنة شريطةَ أن تُطلّ القوَّة من عباراتها. وبعيدًا عن فكرة المُؤامرة وقد يراها البعض مُستهلَكة؛ فإنّ الصمت على تجاوزاتٍ تَرقَى لمرتبة الجرائم ممَّا يستوجبُ النظر؛ إنْ فى تهديد الجيران والتربُّح من أزماتهم، أو فى المذابح العرقية والتطهير بالنار والحصار والتجويع فى الداخل، مع «تيجراى» وغيرهم. ورئيسُ الحكومة الذى جاء محمولاً على كفِّ واشنطن، ومُنِحَ «نوبل للسلام» رغم كلّ ما فجَّره من فوضى ودم، ربما ينوبُ عن آخرين فى أهدافٍ مُخطَّطة للقارّة والقرن الأفريقى، وشمالاً حتى مصر، أو على الأقل تُوافِق مُغامراتُه الطائشةُ هوىً فى نفوسهم، وغرضًا يُضمرونه للمنطقة.
يحدثُ ذلك فى منطقةٍ هشَّة، وحزامٍ تُعبّئه الصراعات المُنذرة بالانفجار بين وقتٍ وآخر. الصومال استعاد شيئًا من أمنه وضبَطَ الانفلات، ومن آثاره أن تراجعت وتيرةُ القرصنة فى مياه المُحيط حتى اختفت. لكنّ السودان ساخن، وكُرةُ اللهب غير بعيدةٍ عن دُوَل مُجاورةٍ تُغلق البابَ بشِقّ الأنفُس على امتحاناتٍ عسيرةٍ وتناقُضاتٍ قاسية. إثيوبيا إذ تُبدِى مَيلاً للانتهازية واستغلال الظروف، تُشِيع مناخًا من الريبة والقلاقل بامتداد الشرق الأفريقى، وتتطلَّع لمُضاعفة فوضاه بالوصول إلى الماء المالح. وأهميةُ التداخُل المصرى العاجل والجاد، أنه يُوصِل رسالةً ضروريةً بأنَّ للمُغامراتِ تكاليف باهظة، ولا يُمكن النفاذ للمصالح من طُرقٍ عدوانية وغير مشروعة. وأن بعض الملفّات قد تحتملُ الدبلوماسية وماراثونات التفاوض الشاقة؛ لكنَّ غيرَها قد تُرسَمُ حدوده بخطوطٍ حُمرٍ ووسائل أكثر حسمًا وشِدّة. ولعلَّ زيارة الرئيس شيخ محمود تُفضى لمسارٍ من التعاون يُلجِم الأطماعَ فى ساحله الطويل، ويُعيد ترتيبَ كثيرٍ من الأوراق المُبعثَرة فى «قرن أفريقيا» الواهن.
المُؤكَّد أن مُراهقَ أديس أبابا ما سَار لاتّفاقه المشبوه؛ إلَّا ظنًّا بأن مصر مُنكفئةٌ على تحدِّيات الجوار القريب، وبين سخونة ليبيا والسودان، ومقتلة غزّة بارتداداتها من لبنان إلى اليمن، وهياج الوحش الصهيونى طَمعًا فى تفريغ فلسطين وتصفية قضيِّتها، ومُناوشات شرق المُتوسِّط ولم يكتمل تصفيرها بعد؛ فقد يتعذَّر على القاهرة أن تلتفت جنوبًا، أو تُعيرَ سمعَها للصومال فى نكبته. هكذا ظنَّ مُشعِلُ الحرائق عند منابع النيل؛ لكنه فُوجئ غالبًا بصرامة الردّ. والمهم فيه تأكيدُ أنَّ الأمنَ القومى لمصر دائرةٌ واحدة، والعينَ ثابتةٌ على مُحيطها الكامل، فلا نقطة تعلو فوق أخرى، ومن حيث كونها البلدَ الأكبر والأعقل والأكثر نزاهة وبأسًا فى مُحيطها؛ فإنها تضعُ مصالح الآخرين وحقوقَهم العادلةَ على قَدم المُساواة مع مصالحها، وتُعلِن مواقفَها بعدما تكونُ جاهزةً لإنفاذها، ولا يهتزُّ ثباتُها أو تتشظَّى قُواها مهما تعدَّدت الجبهات وتكالَب الخصومُ من كلّ جانب.
قال السيسى، فى مُؤتمر الرئيس الصومالى، إنّ فاتورةَ الفوضى كلَّفت البلد الشقيق كثيرًا من أمنه وموارده وفُرصَ أن يصير لحالٍ أفضل. والرسالةُ أن بقاءَ الدولة الوطنية ضمانةٌ واجبة لأنْ تظلَّ دولةً أوَّلاً، وأن تكون وطنًا آمنا لأبنائها، ولمَن يلوذون بحِماها. وقد عاينتْ مصرُ خطرًا وُجوديًّا مَاسًّا بسلامتها قبل أكثر من عقدٍ، وتكلَّفت فيه تجاوُزًا إثيوبيًّا تَقافزَ على أكتاف الفوضى ليُطلقَ مشروعًا غايتُه أن يكتُمَ فورةَ النيل التى لم تنقطع مُنذ فجر التاريخ. وما شجَّع الذين اختصموها فى الماضى، هو ما يُشجِّعهم فى الصومال والسودان، وسيُثيرُ لُعابَهم فى أيّة بيئةٍ تمسُّها الفتنةُ أو تنال منها الصراعات.. فى الغالبِ لن تُثمِرَ نِيَّة إثيوبيا السوداء على شُرفة البحر الأحمر، وسيكونُ لمصر الفضلُ فى إحباط المُؤامرة كما أفشلت مُخطَّط تهجير الفلسطينيِّين من أرضهم؛ لكنَّ ما تفعله إسرائيلُ شمالاً وما تُشعله أديس أبابا جنوبًا؛ يُزرعان الشكَّ فى مناعة النظام الدولى القائم، وصفاء نواياه، ويُذيبان الحدودَ التى كانت صارمةً بين الدُّوَل والميليشيات، ولن أقول إنهما يكشفان عن لُعبةٍ مُغرضةٍ تستهدف مصر؛ إذ ما زال بعضُ السُذّج والأفَّاقين يُركِّزون على مُنافسات الداخل بأكثر ممَّا يهتمون بعداوات الخارج، وبعيدًا منهم ومن الصهاينة والإثيوبيين؛ فإن الصراعات تُحسَمُ بالمواقف الجادّة لا الشعارات، والثابتُ أننا حسمنا واحدًا فى الشرق القريب، وستكشف الأيامُ نجاعةَ ما رفعناه بوجهِ الآخر الفظّ فى الجنوب البعيد.