دائما، ما يؤكد علماء الدين وخبراء التربية وأساتذة علم الاجتماع، أننا نحتاج إلى وعى بقيمة وأهمية الرمز أو المثل الأعلى، لأن غياب مثل هذه القيم يفتح الطريق نحو فوضى الفكر والرأى، فقد قال الله عز وجل، "لقد كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ"، لذلك فنحن في أمس الحاجة إلى صناعة القدوة والنموذج، خاصة أن الجمهورية الجديدة التي نعيشها الآن تستهدف بناء الإنسان أولا سواء في التعليم والثقافة والإعلام.
ونحن نتحدث عن ضرورة صناعة القدوة في مجتمعنا تطالعنا أخبار الأوائل في الشهادة الإعدادية، ومنهم الطالبة المجتهدة ابنة أسرة بسيطة مكافحة، وهى الطالبة نورهان جمال، الأولى على محافظة بنى سويف والحاصلة على 280 درجة من 280 درجة دون دروس خصوصية أو الالتحاق بمدارس خاصة، لتثبت أن التفوق يحتاج إلى إرادة ومسؤولية، وأن النجاح الحقيقى هو تقدير للظروف المعيشية للأسرة للانطلاق نحو تحقيق الهدف والأمل، وأن النبوغ يبدأ بالتفاؤل مهما كانت الظروف والتحديات.
وهذا النموذج المشرف يجعلنا نؤكد أن صناعة القدوة فى شخص نورهان بات ضرورة مُلحة في ظل حضارة تستهدف العقول لا القلوب، وأصحابها يصممون على تصدير السفه والابتزال إلينا وللأسف وقعنا في الفخ وندفع جميعا ثمنا باهظا بسبب ما وقعنا فيه من فخاخ استهدفت كل ما هو جميل فى حياتنا وفى مجتمعنا.، لذلك نريد مليون نورهان فى حياتنا حتى لا يملأ حياتنا مليون "انتش واجرى" ولا أصحاب ترندات السفه فى ظل زمن لا يراعى القيمة، ولا ننسى أن ننظر فى أعين نورهان، وهى مليئة بالتخوف من ضياع هذا التفوق بسبب أمور ليس باراداتها، وليس فى مقدرة أهلها ماليا واجتماعيا.
وظنى، أن أهم ما يتطلب لإحياء وصناعة القدوة أن يكون هناك مرجعية للشباب، توجههم وتحميهم سواء في مراكز الشباب أو النوادى أو في المدارس، لأن غيابها يؤدى قطعا إلى سوء الاختيار واستبعاد الأكفاء، وخلق بيئة مناسبة لأهل التطرف لاستقطابهم إلى أفكارهم وملء فراغات الحياة بنشر الفكر الإرهابى وصناعة الإحباط والاكتئاب فتكون نتيجة هذا انتشار للعنف والبلطجة والإدمان في الشوارع والبيوت والمدارس.
وأعتقد أيضا أن ضياع الرمز وفقدان القيمة والقدوة في أى مجتمع يتسبب أولا فى امتهان دور الأب والأم ويزيل الهالة المقدسة حول كيانات ومفاهيم هي محل تقدير وتقديس، ويسمح لظهور نجوم مؤقتة زائفة لم تستطع مهما كان بريقها ملء الفراغات، فتعم السطحية ويسود مناخ الشك، وتبدأ ثقافة المكبوت والمحرم تعبر عن نفسها من خلال عالم افتراضى لا ضابط فيه ولا رقيب، فتحدث تحولات اجتماعية كبيرة تتبدل فيها الأمزجة والمواقف والانطباعات، فنكون أمام تصرفات أفراد لم نعهدها من قبل.
وأخيرا.. ليس أمامنا إلى أن يقوم كل منا بدوره نحو صناعة وعى جمعى يهدف إلى بناء الإنسان تعليميا وصحيا وثقافيا واجتماعيا، فالعمل على عودة القدوة والمثل الأعلى من جديد، يعنى الحفاظ على الثوابت الوطنية والأخلاقية في المجتمع..