لمرة جديدة يحمل رجب طيب أردوغان الصدمة لمؤيديه والهاتفين باسمه من دول المنطقة والتيارات السياسة والمجموعات المتطرفة التى يغدق عليها الدعم والمعونة، فبينما تستمر رهانات الحلفاء الذين يرون فى "أردوغان" زعيمًا سياسيًّا ودينيًّا، واحتمالاً لإمبراطور يجمع تحت لوائه التنظيمات والميليشيات والمجموعات التى لا صاحب لها، لا يرى الرجل فى نفسه - وفق سياساته وممارساته العملية - إلا سياسيًّا براجماتيًّا، يسير باتجاه المصلحة بشكل مباشر، ولا قداسة لديه لوعد أو اتفاق أو التزام سابق، ومن هذه النقطة يمكنك رؤية موقفه تجاه سوريا خلال الفترة الأخيرة، والتحول الارتدادى الضخم الذى أصابه مؤخّرًا، وخلال أقل من 24 ساعة، ليحوله من حال إلى نقيضها، ومن التبشير بالصلاة فى المسجد الأموى وزيارة قبر صلاح الدين، فى إشارة لتمسكه بالحل العسكرى للأزمة ورفعه للواء القائد العسكرى صلاح الدين، إلى نقض الوعد ونبش القبر، وتبنى وجهة نظر موسكو فى سوريا، المنحازة للدولة السورية وجيشها الوطنى، والتى لم تكن انحيازات أردوغان ونظامه.
فلاديمير بوتين
تخلت تركيا عن حلفائها فى دول الخليج، خلال حضورها اجتماعًا لوزراء خارجية موسكو وطهران وأنقرة، أمس الثلاثاء، إذ أكد وزراء خارجية الدول الثلاثة استعدادهم لضمان الاتفاق المستقبلى بين الحكومة السورية والمعارضة، وذلك حسبما جاء فى بيان مشترك صدر عن اللقاء الذى جمع وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف، ونظيريه الإيرانى محمد جواد ظريف والتركى مولود جاويش أوغلو.
وذكر البيان الصادر عن وزراء الخارجية الثلاثة، أن "إيران وروسيا وتركيا تؤكد كليًّا احترامها لسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها، بصفتها دولة متعددة الأعراق والطوائف الدينية، وديمقراطية وعلمانية"، مشدّدين على قناعة دولهم بغياب حل عسكرى للنزاع السورى، واعترافها بأهمية دور الأمم المتحدة فى تسوية الأزمة، بناء على القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولى.
وزراء الخارجية الثلاثة يرحبون بجهود إخلاء المدنيين من حلب
وجاء فى بيان وزراء الخارجية أيضًا، أن الدول الثلاثة تأخذ بعين الاعتبار قرارات المجموعة الدولية لدعم سوريا، وتحث جميع الدول على "تعاون نزيه من أجل إزالة الحواجز أمام تطبيق الاتفاقات الواردة فى هذه الوثائق"، وأن إيران وروسيا وتركيا ترحب بالجهود المشتركة فى شرق حلب، والتى من شأنها أن تسمح بإجراء إجلاء طوعى للمدنيين وإخراج مسلحى المعارضة من هناك.
كما ذكر الوزراء، أنهم يرحبون بإجلاء المدنيين الجزئى من "الفوعة" و"كفريا" و"الزبدانى" و"مضايا"، متمسكين بضرورة "ضمان استمرارية هذه العملية وسلامة إنجازها الأكيد"، ومعربين عن امتنانهم للصليب الأحمر الدولى ومنظمة الصحة العالمية على مساعدتهما فى إجراء عملية الإجلاء.
وأعرب سيرجى لافروف وجواد ظريف وجاويش أوغلو، عن اعترافهم بأهمية توسيع نظام وقف إطلاق النار، وإمكانية وصول المساعدات الإنسانية وحرية تنقل السكان المدنيين فى أراضى سوريا، كما جاء فى أحد بنود البيان أن إيران وروسيا وتركيا تعرب عن استعدادها للمساعدة فى بلورة وضمان "الاتفاق قيد التفاوض المستقبلى بين حكومة سوريا والمعارضة"، داعين سائر البلدان ذات النفوذ على الأرض إلى "حذو حذوها".
اجتماع موسكو يؤكد على جهود الدول الثلاثة لمكافحة "داعش"
وعبر وزراء خارجية الدول الثلاثة عن قناعتهم العميقة بأن الاتفاق المذكور سيسهم فى إعطاء دافع ضرورى لاستئناف العملية السياسية فى سوريا، بناء على القرار 2254 لمجلس الأمن الدولى، آخذين بعين الاعتبار دعوة رئيس كازاخستان لإجراء لقاءات بهذا الشأن فى عاصمتها "أستانا"، وأخيرًا، أكد البيان عزم الدول الثلاثة على جمع جهودها فى مكافحة تنظيمى "داعش" و"جبهة النصرة" والعمل على فصل مجموعات المعارضة المسلحة عنهما.
بيان وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران يمثل خيبة أمل للخليج
يمثل البيان الأخير الصادر عن الدول الثلاثة خيبة أمل كبيرة لدول الخليج، التى كانت تعتبر تركيا الحليف الأقرب لها تجاه موقفها من الأزمة السورية، فقد جاء فى نص البيان اعتراف تركيا باستقلالية وسيادة الدولة السورية، ما يلزمها بعدم التدخل فى القرارات الصادرة عن الحكومة السورية، لا سيما بشأن العملية السياسية فى البلاد.
وورد فى نص البيان، تأكيد الدول الثلاثة على أن الحل للنزاع السورى سياسى وليس عسكريًّا، وهو ما يُعدّ تراجعًا من أردوغان الذى يدعم فصائل المعارضة المسلحة بالمال والسلاح، وكان الرئيس التركى قد صرح فى عام 2012 بأن صلاته فى "الجامع الأموى" بالعاصمة السورية دمشق، وزيارته لقبر صلاح الدين الأيوبى، باتت قريبة، وهو ما وصفه دبلوماسيون بأنه دعم تركى للفصائل المسلحة التى تحارب الجيش السورى.
تركيا تتراجع عن مواقفها السابقة وتعترف بالدولة السورية الوطنية
وفى تراجع سياسى واضح فى موقف تركيا التى كانت ترفض الحوار مع بشار الأسد وتصفه بـ"الرئيس غير الشرعى"، أعربت أنقرة وطهران وموسكو وفق البيان الصادر عن وزراء خارجيتها فى لقائهم أمس، عن استعدادها للمساعدة فى بلورة وضمان مستقبل أى اتفاق تفاوضى بين حكومة سوريا والمعارضة وجها لوجه.
وأكد نائب وزير الخارجية الروسى، ميخائيل بوجدانوف، المبعوث الخاص للرئيس الروسى فلاديمير بوتين للشرق الأوسط وأفريقيا، أن موسكو أبلغت جميع الأطراف المعنية بنتائج لقاء الوزراء الثلاثة فى موسكو، موضّحًا فى تصريح صحفى أن موسكو على اتصال دائم مع فرنسا والصين والدول الأخرى "التى تلعب دورًا بالغ الأهمية فى الأمور الدولية والإقليمية، بشأن هذا الموضوع، بما فى ذلك البحث عن الحلول الأفضل لجميع المشكلات المتعلقة بتسوية الأزمة السورية".
وأشار "بوجدانوف" فى تصريحاته، إلى أن واشنطن سيتم إبلاغها، هى الأخرى، بنتائج المحادثات الروسية التركية الإيرانية التى استضافتها موسكو، فى حال إبداء الولايات المتحدة الأمريكية اهتماما بها.
أمريكا: اللقاء يخرج عن نطاق عمل المجموعة الدولية لدعم سوريا
وفى أول رد فعل أمريكى على الاجتماع الثلاثى، الذى كشف مدى الخلاف الأمريكى – التركى حول الملف السورى، أكد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، جون كيربى، أن واشنطن استنادًا لنص البيان الختامى لاجتماع موسكو، تعتبر أن هذا اللقاء يخرج عن نطاق عمل المجموعة الدولية لدعم سوريا، موضحا أن الدول الثلاثة لا ترى فى اجتماعها جزءًا من المشاورات الطبيعية للمجموعة التى لا تزال قائمة، مثل قرار مجلس الأمن الذى أسسها، على حد قول "كيربى".
وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية: "لما زلنا مقتنعين بأن هذا الأمر يجب تطبيقه تحت إشراف أممى، وإن ستيفان دى ميستورا وفريقه هم الوسطاء المناسبون لإدارة هذه المشاورات".
مبعوث الأمم المتحدة: استئناف مفاوضات الأطراف السورية 8 فبراير
من جانبه، استبق مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا الاجتماع الثلاثى فى موسكو، بالتأكيد على أن المفاوضات بين مختلف الأطراف السورية ستُستأنف فى الثامن من فبراير المقبل فى "جنيف" بسويسرا، وأشاد ستيفان دى ميستورا باعتماد قرار بشأن حلب فى مجلس الأمن الدولى، موضحا أن "الأمم المتحدة تنوى الدعوة إلى هذه المفاوضات فى جنيف فى الثامن من فبراير".
ويأتى إعلان "دى مستورا" عن استئناف المفاوضات بعد توقفها لعدة أشهر، وربطها بالصراع العسكرى المسلح فى البلاد، ما يعد بارقة أمل نحو إيجاد صيغة حل سياسى للأزمة السورية.
ضبابية المعارضة السورية قد تقود لإعادة هيكلة الهيئة العليا للتفاوض
وتعانى المعارضة السورية لا سيما الهيئة العليا للمفاوضات، من حالة ضبابية واضحة فيما يخص رؤيتها للحل السياسى فى البلاد، فيما رجح دبلوماسيون إعادة هيكلة الهيئة العليا للتفاوض، بحيث يتم ضم عناصر فاعلة من المعارضة السورية، وتمتلك رؤية واضحة للحل السياسى فى سوريا.
وفى سياق متصل، نجحت روسيا فى التأكيد على شرعية الحكومة السورية بين أروقة الأمم المتحدة، وذلك من خلال إضافة فقرة فى مشروع القرار الفرنسى الأخير - بشأن إرسال مراقبين إلى حلب - تدعو لتمكين الأمم المتحدة ومسؤولين آخرين من مراقبة عمليات إجلاء المدنيين من شرق حلب وضمان سلامتهم، وهو ما سحمت به الحكومة السورية، إذ أعلن متحدث باسم الأمم المتحدة أن دمشق سمحت للمنظمة الدولية بإرسال 20 موظفًا إضافيًّا من موظفيها إلى شرق حلب لمراقبة عمليات الإجلاء المستمرة.
وقال متحدث الأمم المتحدة: "ليس لدينا تصريح خاص بالأمم المتحدة بالتعامل مع الحافلات، لذا فإننا غير قادرين على الدخول والتواصل مع الناس، وهذا لا يقلل من مخاوف الحماية التى لدينا ولا تزال لدينا".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة