رغم أن مصير مشروع القرار الذى تقدمت به مصر لمجلس الأمن الدولى بشأن القدس المحتلة كان معروفا، كما أن الفيتو الأمريكى لإجهاضه كان متوقعا.. إلا أن هذا التحرك الدبلوماسى المصرى والمدعوم من الغالبية العظمى من الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة ومجلس الأمن كشف إلى أى مدى تبدو الولايات المتحدة فى ظل إدارة الرئيس الحالى دونالد ترامب معزولة دوليا فى موقفها من القدس، حتى من قبل أقرب حلفائها.
وقد حظى مشروع القرار، والذى يدين قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، بتأييد 14 دولة من بين أعضاء مجلس الأمن الـ15.. وهذه ليست المرة الأولى التى تستخدم فيها الولايات المتحدة الفيتو ضد قرار ينتصر للقضية الفلسطينية، وربما لن تكون الأخيرة، حيث أن تاريخ واشنطن حافل باستخدام الفيتو ضد القضية الفلسطينية ولطالما رفضت مشاريع قرارات تدين إسرائيل بشأن الجرائم التى ترتكبها ضد الشعب الفلسطينى وحقوقه المشروعة.. لكن الجديد فى الفيتو الأخير ضد القرار الخاص بالقدس أنه جاء فى خضم رفض دولى وعربى شامل لقرار ترامب وعدم اعتراف به وبآثاره.
وأظهرت مواقف الدول الأعضاء فى مجلس الأمن، خلال جلسة التصويت على مشروع القرار أمس، حجم العزلة التى تواجهها واشنطن بسبب موقفها من قضية القدس.. فمن جانبه، أكد المندوب البريطانى ماثيو رايكروفت أن القدس الشرقية ستبقى جزءا من الأراضى الفلسطينية، وأن بلاده لن تقوم بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس.. وقال "إن وضع القدس يجب أن يحدد بمفاوضات مباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين".
ومن جانبه، أكد المندوب الفرنسى لدى مجلس الأمن فرنسوا دولاتر رفض بلاده لأى قرارات أحادية تهدف إلى تعديل وضع القدس، معربا عن أسف فرنسا بشأن الفيتو الأمريكى.. فى حين عكست تصريحات المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكى هيلى شعورها بالعزلة داخل مجلس الأمن عقب تصويت جميع الدول الأعضاء بالمجلس لصالح مشروع القرار باستثناء الولايات المتحدة، فقد قالت عقب تصويتها بالرفض على القرار "إنها لا تشعر بالخجل" من استخدام الفيتو.
ووجهت هيلى هجوما حادا ضد أعضاء مجلس الأمن والمجتمع الدولى الرافض لقرار ترامب، معتبرة أن التصويت فى المجلس على مشروع القرار هو "إهانة لن ننساها أبدا"، كما زعمت أن مشروع القرار "مثال جديد على تسبب الأمم المتحدة بالضرر أكثر مما تتسبب بما هو مفيد فى التعامل مع النزاع الإسرائيلى الفلسطيني".
وجاء الفيتو الأمريكى والتصريحات المتشددة للمندوبة الأمريكية فى مجلس الأمن ليعزز الشكوك فى إمكانية التعامل مع الولايات المتحدة مستقبلا كوسيط أو راع نزيه لعملية السلام فى الشرق الأوسط، لاسيما عقب مواقفها المنحازة بشكل سافر لإسرائيل.
وكان الرئيس الفلسطينى محمود عباس قد استبق جلسة التصويت على مشروع القرار بإعلان رفضه أن تكون الولايات المتحدة وسيطا أو شريكا سياسيا بعد موقفها هذا من اعتبار القدس عاصمة موحدة لإسرائيل.
وكانت مصر، انطلاقا من موقفها الثابت والمعلن والرافض لأى تغيير فى وضع مدينة القدس وتنفيذا لقرارات الاجتماع الطارىء لوزراء الخارجية العرب الذى عقد مؤخرا بالقاهرة، قد قدمت مشروع قرار إلى مجلس الأمن نيابة عن المجموعة العربية ينص على أن "أى قرار أو عمل يهدف إلى تغيير الطابع أو الوضع أو التكوين الديمغرافى للقدس لا يتمتع بأى سلطة قانونية، وهو باطل ولاغ، ولا بد من سحبه". ويدعو مشروع القرار كل الدول إلى الامتناع عن فتح سفارات فى القدس، ويطالب كل الدول الأعضاء بعدم الاعتراف بأى إجراءات مخالفة لقرارات الأمم المتحدة حول وضع المدينة المقدسة.. ويؤكد مشروع القرار أن وضع القدس يجب أن يتقرر عبر التفاوض.
وأعربت مصر عن أسفها لفشل مجلس الأمن فى اعتماد مشروع قرارها حول القدس، والذى جاء استجابةً لضمير المجتمع الدولي، وعبر بوضوح عن رفض اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل.. وقال المستشار أحمد أبوزيد المتحدث باسم وزارة الخارجية "إن من المقلق للغاية أن يعجز مجلس الأمن عن اعتماد قرار يؤكد على قراراته ومواقفه السابقة بشأن الوضعية القانونية لمدينة القدس باعتبارها مدينة محتلة تخضع لمفاوضات الحل النهائى".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة