شارك وزير الثقافة التونسى، محمد زين العابدين، فى فعاليات مؤتمر وزراء الثقافة العرب، فى فى دورته الـ21، والذى استضافته القاهرة خلال على مدار يومى 14 و15 أكتوبر الحالى، تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسى، بالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وبرئاسة الدكتورة إيناس عبد الدايم، وزير الثقافة.
"اليوم السابع" التقى وزير الثقافة التونسى عقب ختام أعمال المؤتمر، للحديث حول رأيه فى تحديات ومعوقات العمل الثقافى فى العالم العربى فى الوقت الراهن، وتجربة تونس فى خلق أسواق ومدن ثقافية وفقا لرؤيتها السياسية الثقافية، وكان لنا هذا الحوار..
فى البداية.. بعد ختام مؤتمر وزراء الثقافة العربية ما هى التحديات التى تقف أمامنا تحقيق التوصيات الآن؟
التحدى الأساسى هو التنمية الإنسانية من منطلق الفعل الثقافى، كيف يمكن أن تساهم الثقافة بكافة أشكالها فى خلق مجال حقيقى للإبداع والابتكار والاجتهاد وتغيير هذا الواقع الذى نعيش فيه إلى الأفضل، من منطلق الحرية والإرادة، ولهذا فأعتقد أن هذا هو الراهن، الذى يتمثل فى كيفية بناء هذه الشخصية العربية، لكى تثب نفسها لنفسها، وثبت نفسها لغيرها، وأعتقد أن دور الحكومات العربية ومؤتمر وزراء الثقافة العربية، والتى رأسته تونس منذ 2016 وحتى 2018 كان ينطلق من هذا الرهان للاعتناء بالمسألة الثقافية الإنسانية.
بالحديث عن تونس.. ما هى المشروعات القومية التى لديكم الآن وتعملون عليها؟
هناك مشروعات عديدة تم إنجازها فى الفترة الأخيرة مع حكومة الوحدة الوطنية، ومنها مسرح الأوبرا، مثل أوركسترا أوبرا تونس، وكذلك الباليه، متحف الفنون الحديثة والمعاصرة، والإدارة الخاصة بالخزينة الوطنية للفنون التشكيلية التى تضم ما يزيد عن 13 ألف عمل اقتنتها الوزارة، وبيت الرواية، المكتبة السينمائية، مركز تونس للاقتصاد الثقافى الرقمى، المركز التونسى لفن العرائس، إلى جانب أيام قرطاج التى لم تعد تقتصر فقط على السينما والموسيقى فقط، فشملت فنون الشعر، والفن المعاصر، ولدينا العديد، لأن الفعل الثقافى يمكن أن يكون تظاهرات، وعلى التظاهرات أن تتمثل فى مستوى مقاربة مؤسساتية وهيكلية، وهو ما يعطيها استدامة وتواصل.
جانب من المدينة الثقافة فى تونس
وإلى أى مدى يشعر المواطن فى تونس بهذا؟
الفعل الثانى، إلى جانب إحداث المؤسسات، هو ما يسمى بسياسة الأقطاب التنموية الثقافية الجهوية، ولهذا انطلقنا فى جعل برامجنا بتسمية الفنون بأسماء المدن، وتنطلق الدولة فى دعمها، مثل مدن الفنون، مدن الحضارات فى مستوى الآثار، مدن الآداب والكتاب، فى مستوى النشر وكل ما له علاقة بالمعرفة، هذا ما أعطانا منطلقات لكى نثمن من خلال سياسية ثقافية واضحة مبدأ مدن الجهات، والمدينة هنا كمرجع للفعل والمبادرة والتجديد والابتكار، وإلى جانب هذه المؤسسات أحدثنا 50 فضاء ثقافيا فى هذه الجهات فى العامين الأخيرين، وما هو أحدث نقلة نوعية لدينا، أضف إلى ذلك الفضاءات الثقافية المستقلة الخاصة، فكل مبادر أو مستثمر يريد أن يبادر بإحداث ثقافى جديد فالدولة تقدم له الدعم فى حدود سقف معين، وهو ما يسمى لدينا بـ"ثقافة القرب" كمرجع أساسى لدينا لدعم هذه الثقافات، وبخاصة القيمة الأساسية لهذا الفعل الذى نريد، ولهذا تغيرت نظرتنا وإستراتيجيتنا للفعل الثقافى فى تونس، واستفدنا كثيرا من ذلك فى تواصل تونس مع ما يسمى حوار (5+5) بين دول المغرب العربى ودول الاتحاد الأوروبى، وعقد له مؤتمر فى تونس، وآخر فى لشبونة، ومن خلال ذلك كنا نقدم مشاريع ثقافية، نهدف منها إلى لعب دور ريادى معترف بقيمته فى المنقطة.
إذن على مدار عامين.. ما هى العقبات التى وقفت أمام تونس خلال توليها لشعلة مؤتمر وزراء الثقافة العرب؟
مؤتمر وزراء الثقافة العرب هو فى الحقيقة تواصل وإرادة فى التفعيل وما يمكن أن نؤثر من خلاله فى تغيير المشهد الثقافى بالإصرار والمتابعة والمواكبة بالقوانين التى هى مهمة جدا فى تفعيل هذا الانطلاق، ولهذا فأنا أعتقد أنه لا بد أن نتوصل فيما يمكن أن يحدد مفهوم الثقافة ومجالاتها، من إبداع وتنمية وحرية والارتقاء بذلك بصفة عامة، والمبادئ الثقافية الوطنية، هذه الخواص المشتركة لا بد من وجودها بيننا وتفعيلها لإيجاد المردود، بجعل الثقافة اليوم مرجعا أساسيا، وجعل وزارات الثقافة العربية وزارات سيادية وريادية فى المشهد إلى جانب المجال الاقتصادى وغيره، ولا بد لوزارات الثقافة أن تستعيد هذا الدور الريادى الذى لا بد منه.
على مستوى تونس.. كيف أثرت خطة الإصلاح الاقتصادى على مخصصات وزارة الثقافة فى موازنة الحكومة؟
بالطبع، وبخاصة مع إنشاء مدينة الثقافة، بجانب الفعل الثقافى، ناهيك عن هذه الفترة الصعبة اقتصادية بصفة عامة، وعلى تونس بصفة خاصة، إلا أن الحكومة راهنت على الفعل الثقافى، ودعمته، ومكنت جمعيات ومبادرات لكى ترتقى أكثر فأكثر، وفى الحقيقة فإننا فى تونس نعتبر الثقافة هى صمام الأمان، ومنطلق حقيقى لتغير الفكر والإبداع المجتمعى، وذلك من خلال إتاحة الفرصة للمثقفين والمبدعين والتعبير قدراتهم، وليس هذا فقط، بل تكوين جماهير ثقافية تتعامل مع كل أشكال الثقافة، فوزارة الشئون الثقافية لا تعمل على الإحاطة بالمبدعين، بل على تكريس مبدأ الحق الثقافى للجماهير، ليكون له نشاط ثقافى، وهذا ليس بالهين.
افتتاح بيت الرواية فى تونس
إذن.. هل يمكننا التعرف بإيجاز على السياسة الثقافية لديكم وأهدافها؟
السياسية الثقافية فى تونس بإيجاز شديد تتمثل فى أنها تريد أن تجعل من تونس قاطرة حقيقة للفعل الثقافى العربى، ونريد أن نجعل منها قاطرة للتنمية البشرية فى تونس، وهذا هو الرهان الأول، فمن المهم جدا بالنسبة الإقرار بالمكانة العربية والأورمتوسطى، ولدينا ما يمكننا من إبراز هذه الأشياء، أضف إلى ذلك، هو الإقرار بأن وزارة الثقافة لدينا يتم التعامل معها على أنها وزارة سيادية، وزارة مبادرة وتجديد وابتكار، وهو الرهان الحقيقى فى إثبات ذلك بالفعل، والأهم هو الاعتبار الحقيقى لدور الثقافة فى لعب دورها مع الدول الأخرى.
على مشارف الانتخابات المرتقبة.. هل هناك تخوف فى الأوساط من عودة الإخوان مرة أخرى للسلطة؟
بالنسبة إلينا فى تونس الأهم هو المرجع الدستورى، وهو الذى يقر بالحقوق وبالمدنية وبالمراجع العربية الإسلامية، وتونس متجذرة فى هذا الاعتبار، ولكن لا خوف لدينا من هذا، فكل المظاهر من أية تخوف، نتعامل معها وفقا للاعتبار الجمهورى المقنن فى الدستور، والجميع منسجم مع هذا، ثم الذهاب شيئا فشيئا فيما يمكن أن يكون تصورا حقيقيا لجمهورية تتمتع بالأصالة والتجذر، والانفتاح.
معنى ذلك أنه لم تكن لديكم تخوفات بعد اكتساح الإخوان للانتخابات المحلية؟
بالنسبة لنا، لدينا حزب النهضة، وهذا الحزب فيما يقدم نفسه هو مدنى حتى ولو كانت مراجعه دينية، والأهم من ذلك كله، أن كل الأحزاب فى تونس تلتزم بالدستور، وبالمدنية، وهذا هو الأهم الذى يجمع الأحزاب والتونسيين التى تنطلق من هذا الاعتبار.
الدواعى الأمنية والإجراءات الاستثنائية على الحدود.. هل تؤثر على التبادل الثقافى بين تونس ودول الجوار؟
من بين برامج الثقافة لدينا، ما أسميناه برنامج "ما بين الحدود" فى ليبيا والجزائر، وبالعكس لقد جعلنا من هذا مناطق ثقافية للتبادل والتأثر والتأثير، ولهذا فلا ننظر للأمر من باب التوجس أو التخوف، بل ننطلق من باب الإرادة الثقافية التى تجمع الشعوب من خلال هذا المشترك بين الحدود.
نعود للحديث عن مدينة الثقافة.. كيف يمكن للمبدع أن تستفيد من هذا الصرح؟
المدينة مفتوحة للفعل الثقافى لكل الأجناس والأطياف، ولما يمكن أن يعطى للمواهب والطاقات الكامنة فى الوجدان التونسى، وكذلك استقطاب الإبداع فى العالم العربى.
عبد العزيز بركة ساكن و إبراهيم الكونى وزوجته فى افتتاح ملتقى تونس للرواية العربية
فى ضوء هذا.. ألا ترى أنه من الممكن أن تتحول لمركزية ثقافية؟
بالعكس، هى جاءت لإسناد الفعل الثقافى، وتفتح أبوابها للفعل الثقافى، ولكن السياسة الثقافية التونسية، هى سياسة تتحدث عن مدن، وحينما نتحدث عن مدن، فنحن نتحدث عن لامركزية، وبالتالى فالمدينة أحدثت مراكز كبرى فى تناغم مع برامجنا الداعية إلى لامركزية ثقافية.
وكيف يمكن لها أن تمول نفسها وتحافظ على الإنتاج كما وكيفا؟
هذا هو الإشكال الكبير الذى نواجهه الآن منذ تدشين المدينة، وهى قادرة على الاستفادة منها تجاريا فى صلب المؤسسات الثقافية، وحتى الآن فإن الدولة هى التى تقوم بتمويل المدينة، ولكنها شيئا فشيئا سوف تتجه للاعتماد على نفسها.
ولكن حتى الآن لم تطلق المدينة الثقافية الفضاءات التجارية بعد.. فكيف ستصمد وكيف يمكنها أن تستمر فى جذب الجمهور؟
بالفعل، نحن الآن بصدد إعداد كراسة شروط لكل ما يتعلق بالجانب التجارى ليتم الاقتراع على هذه الفضاءات الثقافية.
أطلقت مشروع ساحات الفنون فى كامل تونس.. فما الذى أضافه؟
مشروع فضاءات الفنون تم إطلاقه لتشجيع المواطن للخروج إلى الشارع للتعبير عن فنه وإبداعه بكل طلاقة، وهو أيضا تفعيل لدور الجهات لتكون لديها خصوصيتها، ولهذا قمنا بتدشين ما يزيد عن مائة ساحة للفنون، ولكن الأهم من هذا كله هو التناغم مع إدارة البلديات الذين وقع انتخابهم مؤخرا، لكى نتمكن من هذه الفضاءات ولنتحدث عن تهيئة حقيقة لأهالى البلديات.
وزير الثقافة التونسى فى افتتاح بيت الرواية فى تونس
هل يعانى بيت الرواية من فقر فى الميزانية؟ وهل يخضع لمنح وزارة الثقافة؟
بيت الرواية لديه تصوره وأهدافه، وتخضع ميزانيته للوزارة بالفعل، وكلما طلب ميزانية من أجل برامجه فنحن نوافق.
وبرأيك كيف سيتمكن بيت الرواية من مواصلة مسيرته؟
ميزانية بيت الرواية بحسب الأهداف، فكلما تقدم لنا بمشروع نقوم بدراسته وتمويله.
معنى ذلك أنه من الوارد استقلاله عن الوزارة؟
شيئا فشيئا، لا بد له أن يستقل، ولكن هذه الرؤية ليست مطروحة الآن.
مدينة الثقافة فى تونس
إطلاق المهرجانات الكثيرة باسم قرطاج.. مثل أيام قرطاج للخزف.. أيام قرطاج الشعرية والمعمار وغير ذلك.. لماذا هذا التوجه نحو "قرطجة" المهرجانات فى حين أن الثقافة متنوعة فى كل أنحاء تونس؟
قرطاج وما أدراك، هو شعار كبير، فحينما نقوله فهو يعنى الكثير بالنسبة لتونس، يعنى أننا نتحدث عن تونس فى البحر المتوسط، وعاصمة كبرى تاريخيا، حينما كانت تونس هى من تقود، عن قرطاج الرومانية، ولكن لا بد لهذا من امتداد وتواصل، فنجن نعول على هذه الأيام، فتكون هذه الأيام دولية تعطى لتونس بعدا كبيرا على مستوى العالم، وهو ما يعطيها وجاهة فى مستوى الحضور، ثم نشترك فيه مع العرب، وهذا مهم جدا.
ألا ترى أن هذا يعمل على تغييب الهوية العربية فى المهرجانات؟
مهرجانات أيام قرطاج تتضمن بالفعل برامج عربية كبيرة جدا، مثل السينما، والموسيقى، والفن المعاصر، ولو كانت التسمية تعنى ذلك، فهذا معناه أننا نعيش فى تاريخ متجمد غير متحرك، وهذا غير صحيح، بل الهدف هو الامتداد والاستمرار.
تستعد وزارة الثقافة لإطلاق سلسلة من الجوائز الوطنية فى الآداب والفنون.. هل تعتقد أن مثل هذه الجوائز التى لا تتجاوز قيمتها 7 آلاف دولار ستكون حافزا حقيقيا فى ظل وجود جوائز كبرى عربية؟
برأيى أن كل شىء نسبى، فهذا المبلغ إذا ما تمت مقارنته بجوائز أخرى يبقى هو الأقل، ولكن يبقى التقدير الحقيقى هو الاعتراف بالمكانة الأدبية والرمزية.
ينطلق بعد أيام معرض الكتاب.. فما هو وضع الكتاب فى تونس؟
الكتاب فى تونس يحتاج إلى إسناد حقيقى، فنحن لدينا رهان اليوم على عدة أسواق مثل السينما، والمسرح، وأيضًا الكتاب، ونسعى لأن يكون لدينا سوق كبير، وفى هذا السياق أيضًا، فإن رئيس الوزراء التونسى، ضعف ميزانية اقتناء الكتاب التونسى ليمكن من نشر وتوزيع الكتاب التونسى أكثر فأكثر.
ولكن البعض يرى أن أحد عوامل ضعف الكتاب التونسى هى أن أبرز كتاب تونس ينشرون أعمالهم فى الخارج؟
هذا فى تونس وخارجها، الأمر عائد فى النهاية لوجاهة الكاتب.
ما هو تقييمك لمعهد تونس للترجمة.. فى ضوء الانتقادات التى توجه له وعدم قدرة إدارته على تحقيق أى نجاح على الرغم من أنه شهد ثلاث إدارات؟
ربما على معهد الترجمة فى تونس أن يعرف بإصداراته وبنفسه أكثر من ذلك، فهو بحاجة إلى متسع أكثر من الوجاهة والمكانة، وقريبا سوف يوقع المعهد اتفاقية مهمة سوف تمنحه اعتراف مهما، وسيتم الإعلان عنها قريبا.
ولماذا لم يتول إدارة المعهد مترجما يكون قادرا على إنجاحه؟
ربما يحدث.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة