كنا نفرح فى الماضى، حين تسقط طائرة إسرائيلية معادية على أرض عربية بمعرفة جيوش عربية، ومشهد سقوط الطائرة الإف 16 الإسرائيلية فى سوريا يجدد «على استحياء» حالة الفرح بالتصدى للعدوان، سقوط الطائرة يعنى بلا شك أن الأجواء العربية ليست نزهة لجيش الاحتلال، ستفكر قيادات الدولة العبرية، بلا ريب، ألف مرة قبل أن تكرر فعلتها باستهداف مناطق عسكرية أو مدنية أو معسكرات داخل الأراضى السورية، إسرائيل شنت أكثر من مائة طلعة طيران على الأراضى السورية من قبل، لكن ما جرى فى واقعة الإف 16 سيعيد تغيير معادلة صناعة القرار فى هذه الغارات المتتالية.
نفرح، صحيح يجب أن نفرح، لكننا كنا نفرح أكثر فى الماضى، اليوم نتأمل ما جرى لنرتبك بين فرح وترقب، بهجة وشكوك، هل هى قوة عربية ضربت قوة إسرائيل؟ هل هو صاروخ عربى بأيدٍ عربية لأهداف عربية ومصالح عليا عربية هو من استهدف طائرة العدوان الإسرائيلى؟ هل هو الجيش السورى الشقيق يصد عدوانا على أرض عربية؟ أم أن الصاروخ إيرانى لأهداف إيرانية؟ أو صاروخ روسى لأهداف روسية؟ أو صاروخ روسى بأيدٍ عربية لأهداف إيرانية؟
هل هى كرامة العرب وقوتهم من تصدت للعدوان، فيحق لنا أن نفرح بعروبتنا وقوتنا كما كنا نفرح فى الماضى، أم أنها كرامة أمراء الحرب بالوكالة الذين اختاروا أرض سوريا لتجرى عليها عمليات القتال، الشعب السورى لا ناقة له فيما يجرى ولا جمل، فقط اختار المتصارعون حلبة اسمها سوريا تدور عليها الحرب وصراعات القوى بين قوى الإقليم، لا يسدد ثمن هذه الحرب إلا الشعب السورى والدم السورى والأرض السورية والسيادة العربية المنتهكة بلا أمل فى النجاة.
قولاً واحدًا وبلا جدال، نفرح لسقوط أى معتدٍ على سوريا أو أى دولة عربية، ولكن هذا لا يمنعنا من التفكير والتساؤل:
هل نفرح بسقوط الطائرة باعتبار ذلك انتصارا لجيش عربى على جبهة قتال للعدو التاريخى للعرب؟ أم تتردد فرحتنا وتتعثر فى القلوب، إذ إن المنتصر هنا قد يكون عدوا آخر محتملا يقاتلنا فى بقعة أخرى من أرض العرب، والمنتصر هنا هو من دبر بعناية ساحات القتال بعيدا عن مصالحه ومصالح شعبه فى طهران أو فى أى بلد آخر؟
لا أحب بعد جيش مصر أى قوة عسكرية أخرى أكثر مما أحب الجيش السورى، شريك الكفاح والفداء والنضال والمعارك الكبرى، ولا أحب شعبا بعد شعب مصر أكثر مما أحب الشعب السورى، أهلنا وإخوتنا فى الدم، وأشقاؤنا فى السراء والضراء، لكننى حائر هنا هذه المرة، هل هى أهدافنا العليا التى تتحقق هناك، أم أهداف قوى أخرى استباحت الأرض العربية تماما كما استباحتها إسرائيل من قبل، وقتلت العرب تماما كما قتلتهم إسرائيل من قبل، وتخطط لاستغلال الأرض العربية والثروات العربية تماما كما استغلتها إسرائيل لسنوات طويلة من قبل؟
لن تكون الأجواء السورية نزهة لجيش إسرائيل، لكن هذه الأجواء لا تزال نزهة لجيوش أخرى غير عربية، ولن تكون أرض سوريا مستباحة أمام الدولة العبرية، لكنها مستباحة من قوى أخرى غير عربية، ومصير سوريا تسيطر عليه عواصم أخرى ليس من بينها أى عاصمة عربية.
هل نفرح بسقوط الطائرة المعادية؟
أم نأسى على حال أرضنا العربية التى تحولت إلى ساحة قتال لا يحقق مصالح الشعب السورى، ولا يخدم المصالح السورية العليا؟
مجرد أسئلة حائرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة