من منا لم يسمع كاتبًا يقول بأن الكتابة "ما بتأكلش عيش"؟!.. من المؤكد عزيزى القارئ أنك من بين هؤلاء الذين استمعوا إلى هذه المقولة فى عالمنا العربى، ولكن هل سألت نفسك ذات يوم، هل يوجد كاتب واحد فى العالم استطاع أن يجنى أموالاً وشهرة عالمية من الكتابة؟.
إن لم تكن طرحت على نفسك هذا السؤال، فسأقول لك بأن منظمة اليونسكو، أطلقت لقب الكاتب الأكثر انتشارًا فى العالم على الكاتب الألمانى كارل فريدريش ماى (25 فبراير 1842- 30 مارس 1912)، والذى تمر اليوم الذكرى الـ176 على ميلاده.
مبيعات كتب كارل ماى بلغت 200 مليون نسخة فى الاحتفال بمئوية ميلاده
كتب كارل ماى 70 كتابًا، جنى من ورائها أموالاً طائلة، مكنته من شراء منزل كبير فى مدينة رادبويل، أطلق عليه اسم "ڤيلا شاترهاند، وباعت أعماله 200 مليون نسخة فى جميع أنحاء العالم، وتم ترجمتها إلى 40 لغة، وفقا لآخر إحصائية نشرت فى مناسبة الاحتفال بمرور 100 عام على ميلاده، فما بالك بعد مرور 76 عامًا على نفس الذكرى بعد المائة.
كارل ماى وتفوقه على جوته وشيلر
تفوق كارل ماى بشهرته على نجمى الأدب الألمانى يوهان فولفغانغ فون غوته والشاعر فريدريش شيلر، وكان الناس فى نهاية القرن التاسع عشر يحتفلون به كما نحتفى نحن اليوم بنجوم الفن والسينما، ومن الطرائف أنه حينما قام بزيارة مدينة ميونخ فى عام 1897، احتشدت الجماهير أمام الفندق الذى نزل عليه، ومن شدة التدافع اضطر الأمن للتدخل، وكان المسرح والسينما من الفنون المتعطشة لإعادة تقديم أعماله للجمهور فى صورة مشهدية، فعوالمه خيالية شيدها من الأساطير فى الشرق والغرب.
لم تكن حياة كارل ماى الذى ما يزال يحظى حتى يومنا هذا بشهرة عالمية فى الأدب الألمانى مترفة، لنقل أن المستوى المادى أو البيئة التى ولد فيها ساعدته على ذلك، إطلاقا، لقد كانت حياة شديدة البؤس، فقد نشأ فى أسرة فقيرة، وكان من بين 14 طفلا لأب وأم، مات منهم 9 فى وقت مبكر.
فى هذا المحيط الاجتماعى البائس، الذى يخيم عليه ظلال الموت بين حين وآخر، كانت جدة كارل ماى تقرأ له القصص، وحينما اشتد عوده فشل فى التعليم، وتحول إلى مجرم، وكانت تلاحقه الشرطة، لشهرته فى سرقة المعاطف الفرو، حتى تم القبض عليه، ودخل السجن لمدة 8 سنوات، وأثناء تأدية فترة العقوبة قرأ فى مكتبة السجن العديد من الكتب والمؤلفات.
كتب كارل ماى فى بداية مشواره الأدبى، حينما بلغ سن الـ32 عاما عددًا من القصص القصيرة والروايات والمقالات التى وصفت بالركيكة، إلا أنه واصل الكتابة وأصر عليها، وكان يبالغ فى وصف نفسه كما يذكر شابر روديغر، رئيس تحرير صحيفة "شبيغل" اليومية، التى تصدر فى برلين، وكاتب سيرة كارل ماى، والذى سبق وأن أشار فى تصريحات صحفية إلى أن إصرار كارل ماى على كتابة القصص الشعبية جعل كتبه تصل إلى نقطة اللاعودة فى النشر، وكان يسمح للمصورين بالتقاط صور له حينما يرتدى أزياء أبطال قصصه الخيالية.
كارل ماى وكتاب أرضستان وجنستان
لم يكن الاعتماد على الخيال وحده هو سر نجاح وشهرة كارل ماى، فالعامل الأساسى، كان يتمثل فى أن أسعار كتبه فى متناول الفقراء آنذاك، وكانت بالنسبة إليهم زاخرة بالخيال، ومن هنا، فكانت رحلاته الوهمية بالنظر إلى أسعار كتبه شىء لا يذكر، كالعروض التجارية التى يتهافت عليها المواطنون فى أيامنا هذه، ولهذا اعتبرت كتب كارل ماى ظاهرة غريبة فى أدب الرحلات لأنها كانت وهمية، وهو ما دفعه للقيام برحلات حقيقية فيما بعد إلى الشرق وأمريكا، ليصدر عنها كتاب "أرضستان وجنستان".
كارل ماى يكشف سحر الشرق فى كتاب من بغداد إلى اسطنبول
ومن هنا أصبحت مؤلفات كارل ماى نافذة لأجيال متعاقبة يتعرف منها الغرب على أحوال الشرق، يتعرفون من خلالها على سحر الشرق وأسرار غموضه فى كتابه "عبر الصحراء" الذى أصدره فى ست أجزاء، ولم يقف كارل ماى عند هذا الحد، بل قام برحلة من اسطنبول إلى بغداد والجزيرة العربية، وصفها فى كتابه "من بغداد إلى اسطنبول"، كان أبطال من المسيحيين والمسلمين، وفيها كان ينتقد عادات بعض الشعوب مثل الثأر، وينحاز إلى تقاليد المسيحيين، مع تأكيده على أن الشر أو أصحابه لا يرتبطون بدين معين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة