- ولى العهد يميل بحكم روحه الشابة واطلاعه الواسع وخبراته المتعددة إلى أن يسجل اسمه تاريخيا كمجدد ومطور ومبتكر وليس «فقط» وريثا شرعيا وطبيعيا مؤهلا للحكم
- يريد الأمير أن يقول: أنا شاب أحلم بالتغيير لصالح الشعب ولأمتى وللعالم.. وستعرف من الإجابات أنه يذاكر جيدا.. ويؤسس قراراته على المنطق وشرعية القانون وصحيح الإسلام
- إذا جمعت هذه الحالة الإنسانية والإبداعية فى كل من مصر والسعودية التى شاء الله لها أن تتزامن فى توقيت تاريخى واحد فستدرك أن مستقبل العالم العربى سيتغير
صاحب السمو الملكى الأمير محمد بن سلمان ولى عهد السعودية
هل كان سمو الأمير محمد بن سلمان يتمنى أن يكون قيادة سياسية واقتصادية مرموقة لكونه وليا للعهد فى المملكة العربية السعودية وسليلا لأهم وأعرق وأقوى العائلات الملكية العربية «فقط»؟.. أم أنه كان يتمنى أن يصبح شخصية عالمية مرموقة، ليس بصفته العائلية وترتيبه فى هرم الحكم فى المملكة، ولكن لأنه أنجز لبلده ولأمته وللعالم شيئا ذا قيمة حقيقية، ينتفع به الناس، وينسب إليه وحده كإنجاز إنسانى؟ تقديرى أن الأمير عينه على مكانة إنسانية عالمية أخرى يرسمها لنفسه ولبلاده، فربما يدرس الأمير الشاب نماذج مثل ستيف جوبز وبيل جيتس، وربما يراقب صعود نماذج فردية مبتكرة على خريطة الدنيا، مثل مارك زوكربرج، أو أقرانه، على لائحة المبدعين والمبتكرين لإنجازات فردية قدمت للإنسانية قيمة حقيقية فى المجالات الاقتصادية أو التكنولوجية المختلفة.
يبدو لى أن هذا الأمير الشاب ليس من النوع الذى يرى السلطة ميراثا عائليا طبيعيا، وليس من صنف الرجال الذى يؤمن بأن أصوله الملكية العريقة تكفيه «وحدها» لتحقق له البصمة الإنسانية الفردية التى يريدها على وجه الأرض، الأمير محمد يميل فى تقديرى بحكم روحه الشابة، واطلاعه الواسع وخبراته المتعددة أن يسجل اسمه تاريخيا كمجدد ومطور ومبتكر، وليس «فقط»، وريثاً شرعياً وطبيعياً مؤهلاً للسلطة وللحكم.
إذا تأملت الأمير الشاب كحالة إنسانية تواقة للإبداع والتغيير والتفكير المبتكر والتخطيط المستقبلى، ربما ترى هذا الجانب من شخصيته، تلك الشخصية التى لم ترتعش أو تتردد أمام عاصفة التغيير الكبيرة التى أحدثها فى المملكة العربية السعودية، ولم تتأخر عن توقيت إطلاق آفاق الرؤية المستقبلية التى رسمها بنفسه لنفسه، ورسمها بنفسه لمستقبل المملكة ومستقبل الإقليم.
هو لا يرغب فى تقديرى أن يكون رقما فى مسار عائلى مجيد «فحسب»، لكنه يريد أن يكون هو بنفسه صاحب إضافة نوعية للسعودية وللمنطقة، وينتزع من تاريخ العالم فصلا كاملا، كهذا الذى انتزعه من قبل الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، وكهذا الذى ينتزعه «بشر عاديون» لا ينتمون إلى عائلات ملكية، لكنهم قرروا أن يقدموا للعالم ابتكارا جديدا، أو تغييرا نوعيا، ويضع لنفسه عند مفارق الطرق التاريخية علامة منسوبة للإبداع الفردى، وليست منسوبة إلى الأداء الروتينى للحكم والإدارة والسلطة.
يستطيع كل من يتابع القرارات المتلاحقة فى المملكة العربية السعودية الشقيقة إدراك هذه الملامح الإنسانية الطموحة للأمير محمد، ولكن لاحت لنا فرصة لرؤية ذلك عن قرب، ووجها لوجه، خلال اللقاء الخاص الذى جمعنا مع سمو الأمير محمد بن سلمان على مدى ثلاث ساعات فى منزل عميد الدبلوماسية العربية معالى الوزير أحمد القطان، ثلاث ساعات فى صحبة الأمير الشاب ونخبة من الوزراء السعوديين المرموقين الذين رافقوه فى رحلته إلى القاهرة، كان اللقاء مع مجموعة من كبار الكتاب والإعلاميين ورؤساء التحرير وسط عواصف من الأسئلة الشاملة حول العلاقات المصرية السعودية، والأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى المملكة، ومستقبل العرب والعروبة وشعوب المنطقة فى عالم تملؤه الحروب والصراعات المسلحة والإرهاب والمؤامرات الدولية.
كان جليا منذ اللحظة الأولى أن الأمير أراد أن يترك فى عقولنا هذا الانطباع الإنسانى أكثر من الانطباعات المتعلقة بمكانته الرفيعة كولى للعهد فى المملكة العربية السعودية، ونائب لرئيس الوزراء ووزير للدفاع، كانت كل الترتيبات وشكل المقاعد ولحظات الاستقبال تؤكد أن الأمير يريد لنا أن نتعرف عليه كإنسان صاحب رؤية وفكر، قبل أن نتعرف عليه كأمير يتحمل مسؤوليات كبيرة فى السلطة والإدارة فى المملكة العربية السعودية.
والحقيقة أن الأمير محمد نجح فى ترك هذا الانطباع إلى الدرجة التى دفعت الأستاذ فاروق جويدة أن يطرح عليه سؤالا بعد ساعة كاملة من إجاباته عن أسئلتنا السياسية والاقتصادية ليقول له:
«ما الذى ساهم فى تكوينك على هذا النحو يا سمو الأمير، احكِ لنا فترة التكوين فى حياتك، وفى قراءاتك، وفى طبيعة التربية التى تلقيتها فى بيت خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز».
كان السؤال طبيعيا وجادا، وربما سأل الأستاذ فاروق عما كان يدور فى عقولنا جميعا ونحن نستمع إلى الأمير الشاب، إذ فاجأتنا براعة وجدية الإجابات، ليس فقط للصراحة المطلقة وللثقة التى أودعها فى هذه النخبة التى تحدث إليها من الكتاب والإعلاميين المصريين، لكن كذلك لجدارة المنطق الفكرى والسياسى الذى تأسست عليه الإجابات، ودارت من حوله تفاصيل تأسيس القرارات الكبيرة التى اتخذها الأمير محمد بشجاعة كبيرة، وبثبات غير مسبوق.
حكى الأمير محمد سنوات التكوين، وكيف تأثر بشخصية والده الملك سلمان كقائد وطنى تمتد علاقاته السياسية والاجتماعية والثقافية إلى خارج حدود المملكة، وكيف كان بيت الملك سلمان ملتقى للشخصيات العالمية، والثقافات المتعددة، وحكى الأمير محمد عن مسابقات القراءة التى كان يعقدها الملك سلمان بين أبنائه، ثم حكى الأمير بفخر عن إخوته الذين تألقوا فى مجالات مختلفة نتيجة هذه التربية الرشيدة، حكى عن سمو الأمير سلطان بن سلمان أول رائد فضاء عربى، وعن سمو الأمير خالد بن سلمان سفير المملكة العربية السعودية لدى الولايات المتحدة الأمريكية، وسائر إخوته الذين يتولون مناصب مرموقة وينجزون فيها بكفاءة كبيرة.
ثم حكى الأمير محمد عن مناصبه خلال عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، وكيف وثق فيه الملك الراحل وهو بعد ابن 27 عاما آنذاك، وكيف أسند إليه مهام كبيرة فى الحكم والإدارة وفى شؤون الديوان الملكى، ثقة فى شخصه وفى أفكاره، ثم ما تلا ذلك حتى وصوله إلى ولاية العهد فى المملكة.
وإذا تأملنا سنوات التكوين كما يحكيها الأمير محمد، تترسخ هذه الفكرة الأولى التى أشرت إليها، بأن الأمير يعرض قصة تكوينه كإنسان وكشاب له أفكاره وطموحاته وسيرته الذاتية، وليس كولى للعهد ابن ملك، ومن سلالة ملوك مؤسسين لأحد أقوى بلدان الشرق الأوسط، الرجل هنا يقدم نفسه بأفكاره وبمشروعاته، ولا يقدم نفسه وفق الترتيب التاريخى والأصول الملكية، كأنه يريد أن يقول لنا ولشعبه وللعالم، «أنا شاب من السعودية أحلم بالتغيير لصالح الشعب ولصالح أمتى ولصالح العالم».
وإذا تركت سؤال الأستاذ فاروق جويدة لأروى الأسئلة السياسية والفكرية والاقتصادية والدينية التى سبقت قصة سنوات التكوين، ستعرف من الإجابات أن الأمير محمد «يذاكر جيدا، ويؤسس قراراته على المنطق، وعلى الشرعية القانونية وعلى صحيح الإسلام».
سألته من جانبى، عن مخاوفه من الآثار الجانبية لهذه التغيرات والقفزات الاجتماعية والثقافية التى يحدثها فى المملكة من السماح بالحفلات الغنائية، ومن قرارات السماح للمرأة بالقيادة، وتأثير بعض أساطين الفكر المتطرف فى المملكة أو فى خارجها؟
ولم تكن الإجابة هنا كلاسيكية، بل شرح الأمير محمد بن سلمان، قصة اتهام الوهابية بالتشدد، ثم شرح ببساطة تاريخية وبمنطق علاقة الحكم فى المملكة بالوهابية، وقدم نماذج من واقع المملكة السعودية فى الخمسينيات تؤكد أن الدولة كانت منفتحة بقوة وتشهد مظاهر تحضر كبيرة لا علاقة لها بما توصف به الوهابية، ثم انتقل إلى تأريخ سنوات التطرف فى الأمة العربية، نافيا أن تكون «الوهابية السعودية» هى السبب فى ذلك، وشرح الأمير الواقع الجديد فى البنيان الفكرى للعلماء فى السعودية، وكيف يتجدد الخطاب الدينى بطريقة ترد الإسلام إلى أصوله الأولى بعيدا عن كل الأفكار المتطرفة، وقال الأمير بصراحة، إذا كان التطرف الفكرى قد بلغ 60 فى المائة فى الماضى، فأستطيع أن أقول الآن إنه أقل من 10 فى المائة تقريبا، كما أن التغيرات الاجتماعية فى الدولة مستندة إلى التفسيرات الصحيحة للإسلام، وإلى أحاديث صحيحة عن النبى صلوات الله عليه، وإلى قراءة حقيقية لأوضاع الصحابة فى الدولة الإسلامية الأولى.
كنت أتمنى أن يكون هذا اللقاء مسجلا تليفزيونيا، إذ إن الشرح كان وافيا ومؤسسا على مفاهيم إسلامية صحيحة، وعلى منطق اقتصادى وسياسى ووطنى متطور، وأتمنى شخصيا أن يجد الأمير محمد بعض الوقت لإعادة ما قاله لنا فى هذا اللقاء حول التأصيل الدينى لهذه التغيرات الاجتماعية، إذ إن هذا التأصيل يقطع الطريق على كل من يحاول إظهار كل خطوة تنويرية فى المنطقة باعتبارها رجوعا عن صحيح الإسلام، والحقيقة أنها عودة رشيدة للإسلام الصحيح والفقه الأقرب لغايات الإسلام ومقاصده الرئيسية.
كل الإجابات عن أسئلتنا كانت واضحة وحاسمة. ستجد الكثير من الإجابات منشورة فى التغطية الشاملة للقاء الأمير على صفحات هذا العدد، لكن أهم ما أتوقف عنده هنا، هو الكلمة التى قالها الأمير محمد عن العلاقات المصرية السعودية، إذ قال مازحا: «إن هذه العلاقات تستعصى على التخريب، حتى لو أراد ملك السعودية ورئيس مصر إفساد هذه العلاقة عمدا فإنهما لن يستطيعا ذلك لعمق هذه العلاقة على الصعيد الشعبى»، هذه الإجابة الذكية والمرحة تبعث على الطمأنينة فى مستقبل علاقات البلدين، وفى رؤية الأمير محمد لطبيعة العلاقات المميزة مع مصر التى لا تخضع مطلقا لشخص الحاكم، بل تخضع لمنطق وحدة الدم والتاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة والعلاقات بين الشعبين، وهو بهذه الإجابة يمنح الشعوب السلطة الحقيقية فى تحديد مسار المستقبل، فالشعوب هى التى صاغت هذه العلاقات وأصلتها ورسختها، والشعوب هى صاحبة القرار، وهى إجابة تكشف أيضا مدى احترام العلاقات على المستوى الشعبى والتاريخى، وليس فقط على مستوى قصور الحكم فى البلدين.
إنها صورة أخرى فى ضمير الأمير محمد تؤكد هذا الاحترام للشعوب وإرادتها، وهذا التقدير المتفرد لطبيعة العلاقة بين مصر والمملكة العربية السعودية.
خرجت من هذا اللقاء متفائلا، وحين تقرأ إجابات الأمير عن كل الأسئلة على صفحات هذا العدد، ستشاركنى هذا التفاؤل، إننا أمام قيادة عربية تقول للعالم، دعونا نفرح، ودعونا نتفاءل، لأن المستقبل يحمل بشائر مبهجة للشعوب، اتركوا الشعوب تفرح لأن القادم أفضل كثيرا.
وخرجت من هذا اللقاء بشعور أننى أتعرف إلى روح جديدة فى القيادة، خرجت بمشاعر أننى تعرفت على إنسان عربى، وليس فقط أميرا عربيا فى منصب قيادى كبير، الفكر هنا يسبق السلطة، والإنجاز الإنسانى يسبق الأداء التنفيذى والإدارى.
وإذا جمعت هذه الحالة الإنسانية والإبداعية فى كل من مصر والسعودية التى شاء الله لها أن تتزامن فى توقيت تاريخى واحد فستدرك أن مستقبل العالم العربى سيتغير مادام البلدان كتفا بكتف، وحلما بحلم، وإبداعا بإبداع.
أمتنا العربية من وراء القصد.
الرئيس عبد الفتاح السيسى والأمير محمد بن سلمان أمام مخطط تطوير الأزهر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة