وجه الدكتور محمد أحمد الخلايلة المفتي العام للمملكة الأردنية الهاشمية كلّ الشكر لدار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم على عقد مؤتمرها العالمي بعنوان: "الإدارة الحضارية والاختلاف الفقهي" قائلًا: إننا اليوم أحوج ما نكون إلى هذه الإدارة لجمع الصفّ وتوحيد الكلمة وحسن التعامل مع الأحكام المختلفة المبثوثة في كتب فقهائنا الأوائل لننتقي منها ما يصلح الحال والمقال.
جاء ذلك فى كلمة له بعنوان: "الإدارة الأرشد للمذهبية الفقهية: الأصول والآليات"، خلال مشاركته في الجلسة الثالثة بالمؤتمر العالمي للإفتاء 2019م، مضيفًا أن أدب الاختلاف أصل عتيد في شريعتنا الإسلامية وليس هو محل خلاف أو اختلاف، وقد نهل الصحابة رضوان الله عليهم والسلف الصالح من معين هذا الأدب وارتشفوا من رحيقه.
ولفت النظر إلى أن الاختلاف واقع لا محالة لعوامل متنوعة، في مسائل تختلف فيها المدارك والأفهام، ولهذا لم يقصد سلفنا الصالح الاختلاف لذاته، بل كان الهدف عند الجميع هو القصد إلى موافقة الشارع فيما قصد، لذا فإن المختلفين وإن اختلفوا في مسألة معينة فهم متفقون من جهة القصد إلى موافقة الشارع والوصول إلى مراده.
وأكد على أن الإدارة الأرشد للخلاف الفقهي تعد محوراً هاماً في كيفية استثمار الأحكام الفقهية المختلف فيها بين المجتهدين، بحيث يصير الخلاف أساساً في الحوار والبناء، ومظهراً أساسياً من مظاهر الحضارة الإسلامية، على عكس ما يريده المتشددون من تقويض الحضارة الإسلامية والجمود على آرائهم وضيق أفقهم في إدارة الاختلاف متجاهلين أن الخلاف واقع لا محالة وإنما الإشكالية تكمن في عملية إدارة الاختلاف بما يراعي أحكام الشريعة الإسلامية السمحة ونصوصها.
وأوضح الخلايلة أن علماء الشريعة الإسلامية قد وضعوا علوماً وقواعد مستقلة لإدارة الخلاف الفقهي، منها: علم آداب البحث والمناظرة، وعلم الخلاف، وعلم الجدل، وقاعدة مراعاة الخلاف والخروج منه، وقاعدة الاستحسان، وقاعدة المصالح المرسلة، وسوف يأتي تفصيل ذلك في المطالب الآتية بإذن الله تعالى.
وأردف قائلًا ويعدّ الخلاف الفقهي في المسائل الشرعية أمراً طبيعياً غير مستغرب، بل هو ناشئ عن تفاوت البشر فيما بينهم، بحسب القدرات العقلية والاستعدادات النفسية ومقتضيات الزمان والمكان واختلاف الأحوال فيما بين الناس.
وشدد الخلايلة على أن مراعاة الخلاف ليست تركاً للاجتهاد المعتبر، بل هي ضرب آخر من ضروب الاجتهاد، وهو عند كثير من الفقهاء أصل معتبر ومعتمد.
وأشار إلى أن مصطلح الاجتهاد الجماعي يعد من المصطلحات المعاصرة، إذ لم يرد لـه ذكـر عند المتقدمين، أما من حيث الممارسة العملية فقد شهد تاريخ التشريع الإسلامي جملة من الوقائع التي هي في حقيقتها اجتهاد جمـاعي وإن لم تسم بهـذا الاسـم.
وأضاف أن الاجتهاد الجماعي يعتبر من أهم الآليات في ترشيد إصدار الأحكام الشرعية وضبطها، وقد بدأت هذه الآلية والمنهجية منذ عصر النبي صلى الله عليه وسلم ثم ظهر ذلك بشكل جلي بعد انتقال المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، وظهور مستجدات وأحداث جديدة لم يسبق لها عهد بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، ولم ينزل نصّ شرعي خاص بها.
واختتم مفتي الأردن كلمته بقوله: "إن عملية الفتوى وبيان الحكم الشرعي عبارة عن نظام متكامل له حلقاته ووسائطه وآلياته وأهدافه، ولا بدّ له من تنظيم وإدارة حتى يؤدي الغاية المنشودة على أحسن وجه ممكن".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة