كان الإيمان بالبعث والحياة الأخرى بعد الموت هو الدافع الأساسى لكى يقدم الفراعنة ملوكًا وأفرادًا على تقديم القرابين إلى موتاهم، سواء كان ذلك عبر النصوص المكتوبة أو المناظر والنقوش المصورة داخل مقابرهم أو من خلال وضع القرابين والعتاد الجنائزى فى مقابرهم بالفعل، ولمعرفة المزيد عن القرابين، تواصلنا مع عالم الآثار الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار مكتبة الإسكندرية لمعرفة المزيد عن الموضوع.
قال الدكتور حسين عبد البصير، كانت هناك صيغة شهيرة تعرف باسم صيغة تقدمة القرابين أو "حتب دى نسو" ـ قربان يقدمه الملك ــ باللغة المصرية القديمة، وكانت تتكون غالبًا من مجموعة محددة من الكلمات التى يمكن من خلال قراءتها تحقيق الإفادة الفعلية لروح المتوفى من خلال تفعيل القيمة السحرية للكلمة التى تتحول بالفعل إلى قرابين حقيقية بناءً على إيمان المصرى القديم بقوة وفعالية الكلمة من خلال ترديد وتلاوة التعاويذ السحرية.
وأوضح الدكتور حسين عبد البصير، كما كانت صيغة تقدمة القرابين تكتب عادة بالكتابة الهيروغليفية، وتأمل أن يتم تقديم القرابين الفعلية للموتى مثل تقديم العديد من أنواع الأطعمة والمشروبات والمؤن والاحتياجات التى يحتاجها المتوفى فى العالم الآخر، أو من جلال التلاوة الشفهية لصيغة القرابين بكل ما تحويه من أنواع عديدة من القرابين بمختلف أنواعها، فضلاً عن تصوير القرابين المأمول تقديمها للمتوفى فى شكل مناظر أو من خلال نقوش، وكان يتم التعبير عنها بالفن أو من خلال التعبير عن ذلك من خلال نصوص مكتوبة عبر استخدام الكتابة الهيروغليفية فى تحقيق ذلك الغرض.
وتابع الدكتور حسين عبد البصير، وكان من المفضل أن يتم وضع القرابين الفعلية فى المقابر فى موضع الدفن والتى كان يتم تقديمها للمتوفى بواسطة بعض الأفراد من العائلة مثل الابن، أو من كان يقوم بدور الوريث للمتوفى، أو عن طريق بعض الأهل الذين كانوا يزورون المقبرة، أو عن طريق بعض أولئك العابرين الذين يمرون على مقبرة المتوفى، أو يرون أو يقرأون اللوحة الجنائزية الخاصة به.
وأشار إلى أن صيغة تقدم القرابين تبدأ عادة بالسطر التالى "القربان الذى يعطيه الملك وأوزير، الإله العظيم، سيد أبيدوس" ويأتى بعد ذلك ذكر اسم روح المتوفى الذى يتم تقديم القرابين، وكان هو صاحب المقبرة أو اللوحة الذى كان يتطلع شوقًا وتهفو روحه لتسلم هذه القرابين فى عالم الآخرة، ثم تستمر صيغة القرابين فى التلاوة ذاكرة "لعله يتم تقديم قربانًا مكونًا من الخبز والجعة والثيران والطيور والألبستر والكتان وكل شيء جيد وطاهر مما يعيش عليه الإله".
ولفت إلى أن بعض الصيغ كانت تذكر أسماءً أو أنواعًا غير متداولة فى صيغ القرابين التقليدية مثل "الزيوت أو الدهون العطرية والبخور والقرابين والمؤن والاحتياجات"، التى كانت تدخل أيضًا ضمن قائمة القرابين المقدمة للمتوفى، هناك بعض الأنواع الغريبة من التقدمات فى القرابين مثل تقديم "القنفذ" والأوز والأسماك والصقور، ضمن مائدة القرابين فى أحد مناظر إحدى مقابر عصر الدولة القديمة.
وقال مدير متحف آثار مكتبة الإسكندرية، وكانت القرابين أيضًا تقدم إلى الآلهة، وكان يقوم بذلك الملوك أو من ينوب عنهم مثل كبير الكهنة أو من يمثله من خلال تقديم القرابين على موائد قرابين الآلهة المصرية داخل المعابد المصرية، وكان من المهام الضرورية للملك المصرى القديم أن يقوم بتقديم القرابين للآلهة ومعابدها وإمدادها بها باستمرار.
وفى هذه العادات ما يذّكرنا بزيارة الموتى فى مصر المعاصرة وقراءة الفاتحة والقرآن على أرواحهم وتقديم "الرحمة والنور" على أرواحهم للفقراء والمساكين بعد الدفن، وفى أيام الخميس والأربعين وفى الأعياد والمناسبات، إن مصر القديمة لم تمت، وإنما تعيش تحت جلودنا وفى عقولنا وبين أرواحنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة