فى عالم افتراضى لا تنقصه المبالغة يمكن متابعة زحام من الخبراء يفتون فى كل شىء بثقة العالم بأعماق الأمور، دون أن تحصل منهم على فائدة، غير الضجيج الممتد فى كل الاتجاهات، وبكل راحة ضمير يزعم خبراء العمق العميق، مشكلات التوثيق، باستعمال «لينكات» لتقارير أجنبية أصلها مضروب أو مشكوك فى أساسها، ومن أبرز ميزاتهم أنهم لا يعترفون أبدا بأنهم لا يعرفون أكثر مما ينهال عليهم من بوستات هى فى عمقها فارغة حتى لو كانت منسوبة لمصادر أجنبية، ضمن حالة «الكذب المترجم»، الذى هو أعز عليهم من أى معلومات محلية.
ضمن ظاهرة «العنعنات الافتراضية»، التى يجرى فيها توثيق كاذب، لمعلومات مشكوك فيها، باستعمال لينكات بلا أصل، وكل خبرته الجلوس خلف الكيبورد، وتقليب السهم «بالفأرة”، بين ما يكتبه زملاؤه الخبراء العمقاء، الفاهمين فى شؤون الكون من دون معلم، ومع الوقت يكتشف الواحد منهم فى نفسه خبيرا عميقا، يلح على الفريندز بأى كلام فى اليوم خمس إلى عشر مرات يتحول مع الوقت وفى عرف «المستسهلين» إلى خبير ناشط شافط مرة واحدة.
ومن حسن الطلع والنازل أن الخبير الجاف المتوازى العميق، يجد طوال الوقت من يضعون له اللايكات ويشيرون بوستاته الخبيرة حول قضايا الداخل والخارج، والإقليمى والعالم والكونى، فى نفس واحد وبنفس البراعة.
وأى مواطن طبيعى يتابع عالم «فيس بوك» يكتشف ظهور أعداد إضافية من خبراء شؤون الثورات والأحداث الجارية والربيع والخريف، يقدمون تحليلاتهم لما يدور على الكوكب بكل جرأة، ومن دون أن يرمش لهم جفن أو «يهرش» لهم ظهر.
مثلا يمكن اكتشاف عدد وافر من خبراء شؤون السودان، ممن يفهمون ما يجرى فى السودان أكثر من السودانيين، لمجرد أن الواحد منهم غير “الأفاتار» وما إن يغير صورته بشعارات منقولة من أكونتات سودانية، يكتشف معرفته الفائقة حول السودان، ويوثقها بصورة «البروفايل» مختومة بشعار غامض، مع لينكات بوستات منقولة عن «بوستات»، تشرح «لهم» عما يدور بجوارنا، ولا يعترف هؤلاء الخبراء بأن أهل السودان أدرى بشؤونهم، فضلا عن تداخل الأخبار الصحيحة بالكاذبة والمفبركة، كما هى العادة فى مثل هذه الأحداث التى رأينا مثلها.
من دون أى جهد يعيد خبراء «الولاحاجة» نشر ما يتلقونه وبهذا يظن كل منهم أنه «خبير ثورات متقاعد» و«أخصائى تصليح ساعات وأنظمة سياسية»، وكل ما لا يعرفونه، هو ما لا يعرفهم غيرهم، ويظنون أنهم قدموا ماعليهم للتاريخ والجغرافيا والتربية الرياضية.
وإذا سالت أى من هؤلاء عما يعرفه فى شؤون السودان أو الجزائر سوف يحيلك إلى بوستات ولينكات تفتح على بوستات منشورة فى بلوجات ومواقع تحمل أسماء تقنية، تحتوى على «لاين، أو بوست، أو فورين»، أو أى اسم أجنبى مترجم، كدليل على أنه خبير توثيقى لما يدور فى قيعان أعماق العالم المتوازى تحت صخور المعارف الكونية.
وقد جربت أن أوجه بعض الأسئلة إلى «خبراء الافتراض التخصصى» ممن يكتبون بشكل دائم عما يجرى فى السودان أو الجزائر، واكتشفت أنهم تقريبا لا يعرفون أكثر مما ينقلون، حتى لو كانوا يكافحون بتغيير الأفاتار، ويعيدون تشيير كلام خالى من المعلومات أو الكوليسترول، يكتبون فى السودان والاقتصاد والليمون بنفس القوة والعمق والادعاء، ولا يعطى الواحد منهم نفسه فرصة ليعرف، أو يفهم حتى يستطيع التعبير خروجا من الافتراض إلى «الأى كلام»، بضمان «الأفاتار».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة