لم تتوان تيريزا ماى، رئيسة وزراء بريطانيا وزعيمة "المحافظين" - المنتهية ولايتها بدءا من 7 يونيو الجارى- منذ استلامها المنصب فى 13 يوليو 2016 على بذل الجهود المضنية لتحقيق رغبة البريطانيين بالخروج من الاتحاد الأوروبى، تلك الرغبة التى أعربوا عنها من خلال استفتاء على عضوية البلاد أجرى فى 23 يونيو 2016 ، رغم أنها تحسب على معسكر الراغبين فى البقاء، ولكن باءت جميع تلك المساعى بالفشل، و لم تنجح محاولتها الثلاث فى تمرير صفقة الخروج عبر العموم، لتبقى هذه الهزيمة وصمة فى تاريخها السياسى.
ولم تستطع ماى تمالك نفسها عند إعلان موعد استقالتها فى 24 مايو الماضى، وكادت أن تبكى وهى تقول إنه الوظيفة كانت شرفا لها باعتبارها ثانى رئيسة وزراء للبلاد ولكن بالتأكيد ليست الأخيرة.
ومع دخول استقالة ماى حيز التنفيذ، يبدأ سباق شرس بين أعضاء حزب المحافظين لخلافتها ومن ثم استئناف محادثات "الخروج" مع الاتحاد الأوروبى، والتى من المتوقع أن تكون أكثر صرامة، لاسيما وإن خليفة ماى المرتقب سيريد أن يتجنب تبنى نفس نهجها الذى اعتبره كثيرون "لينا" مع التكتل.
ويبدو أن مغادرة تيريزا ماى "العاطفية" لم تثير تعاطف الكثير من متابعى المشهد السياسى البريطانى، سواء السياسيين أو حتى وسائل الإعلام المحلية، التى احتفت "بالتخلص" منها، وربما يعود ذلك إلى الفوضى الكبيرة التى طغت على المملكة المتحدة طوال فترة المفاوضات مع الاتحاد الأوروبى.
وشهدت تلك الفوضى العديد من الاستقالات لرموز من حزب "المحافظين" رفضا لخطة ماى المتعلقة بالخروج، ومن بين المستقلين، بوريس جونسون ، وزير خارجية بريطانيا السابق، ودومنيك راب، وزير بريكست السابق، وهما الآن من بين المرشحين الأبرز لخلافتها.
كما وصلت أصداء هذه الفوضى إلى أروقة السياسة الأوروبية، فبعد دقائق من انتهاء قمة فى بروكسل فى نوفمبر 2018، التى عرضت فيها رئيسة وزراء بريطانيا خطتها المتعلقة بالخروج، وقبول الجانب الأوروبى لها، اشتعلت الأحزاب البريطانية غضبا معلنة رفضها لشروط الاتفاق مع الاتحاد الأوروبى باعتباره يصب فى مصلحة التكتل أكثر من المملكة المتحدة، ومن هنا بدأت نهاية ماى.
فبعد عودتها من بروكسل، اتسعت فجوة الانقسام بين حزب المحافظين والعمال والأحزاب الأخرى، بصورة لم يعد من الممكن جسرها، حتى أن الخلاف وصل إلى أعضاء حزب المحافظين أنفسهم، وبدأ نائبا تلو الآخر يطالب بمغادرة ماى من منصبها.
ولتزداد ورطة تيريزا ماى أكثر، شهد كلا من حزب المحافظين والعمال خسائر فادخة في الانتخابات المحلية البريطانية، التي أجريت فى الأول من مايو، لصالح حزبى الديمقراطيين الأحرار والخُضر.
وخسر حزب المحافظين أكثر من 20 من المجالس المحلية وأكثر من 1000 مقعد، في ظل معاقبة الناخبين لهم على أدائهم في ملف الخروج من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، حسبما ذكرت صحيفة الصن.
وتراجع تمثيل حزب العمال في العديد من المجالس المحلية وخسر المزيد من المقاعد، ولم يساعد الحزبَ موقفُه المحايد في الحصول على أي دعم إضافي.
وفي غضون ذلك، أحرز حزب الأحرار الديمقراطيين أكثر من 500 مقعد.
وحرصت زعيمة المحافظين ورئيسة الحكومة تيريزا ماي على ألا تتحدث عن بريكست، لكن الناخبين الناقمين عبروا عن غضبهم حيالها في صناديق الاقتراع.
ولم تتوقف الخسائر هنا، فقبل انتخابات البرلمان الاوروبى التى أجريت فى 23 مايو، والتى شاركت فيها الأحزاب البريطانية رغما عنها نظرا لأن البلاد لم تتم الخروج، وبالتالى لا تزال جزءا من الاتحاد الاوروبى، لمع نجم حزب "بريسكت" برئاسة نايجل فاراج، زعيم حزب "استقلال المملكة المتحدة" السابق والذى كان نواة فكرة الخروج بالأساس.
وبالفعل تمكن فاراج من الاستفادة من غضب البريطانيين تجاه الأحزاب الرئيسية وحاز حزبه على كثير من الدعم والتبرعات التى مكنته من تحقيق المكاسب فى انتخابات البرلمان الأوروبى، لتشكل بذلك تلك الانتخابات رسالة قاسية للقادة البريطانيين وعلى رأسهم تيريزا ماى بضرورة الاستماع إلى رغبة البريطانيين، وإخراج البلاد من التكتل.
ويتنافس على خلافة ماى 13 نائب محافظ، أبرزهم وأقربهم للفوز، بوريس جونسون، الذى تعهد بإخراج البلاد مهما كان الثمن، حتى وإن كان معنى ذلك، الخروج دون صفقة.