دموع فرح، وأخرى تذرف حزناً، وبينهما آمل.. بهذة العبارة يمكن إيجاز مشهد الثانوية العامة فشباب اليوم، وهؤلاء الذين يقفون عند مفترق الطرق من بينهم قادة المستقبل، ونجوم المجتمع، ورموز العمل العام.. فهل تؤثر اختيارات طلاب التعليم الثانوى حقاً فى كيفية تفكيرهم فى المستقبل، وهل يشكل تعليمهم الجامعى ملامح إدارتهم للأزمات حال وصولهم لدوائر صنع القرار؟
وفيما تسقط مئات الآلاف من الأسر فى دوامة التنسيق، تسيطر على المشهدين الإقليمى والدولى الأزمة الإيرانية ـ الأمريكية، والتى تخرج ـ يوماً تلو الآخر ـ من إطارها الخليجى، وتقترب لتمس مصالح المنطقة العربية كافة وفى القلب منها مصر.. فكيف كانت دراسة أطراف تلك الأزمة الجامعية؟ ما هى خلفياتهم التعليمية ومؤهلاتهم؟ وكيف كانت عنصراً حاكماً فى ردود أفعالهم، وخارطة طريق يمكن أن تقودنا لاستشراف الخطوة التالية لدى كل طرف.
ترامب
ترامب.. مشاغب أودع "مدرسة عسكرية".. ويجيد حسابات الأرقام
فى الطرف الأمريكى للأزمة، يأتى الرئيس دونالد ترامب الذى ولد فى 1946 لعائلة ثرية ولواحد من أبرز أصحاب العقارات فريد ترامب، وهاجرت إلى أمريكا فى نهاية الثلاثينيات لم يكن يوما يحلم بدراسة الطب أو كليات القمة، بل سار على طريق البزنس ليتلقى تعليمه الأولي في مدرسة كيو فورست، فورست هل، نيويورك، وتعلم فى الأكاديمية العسكرية (نيما) في شمال ولاية نيويورك فى طفولته حيث أدخله والده إلى هذه المدرسة فى سنه الـ13، بعدما أظهر سلوكا مشاغبا فى المدرسة وتخرج فى 1964. والتحق بجامعة فوردهام لمدة عامين قبل انضمامه إلى كلية وارتون المالية فى جامعة بنسلفانيا من أرقى المدارس التى تخرج منها رجال أعمال بارزون، حيث تخرج من كلية الاقتصاد فى عام 1968.
دراسته للمال وحبه لإدارة ثروة والده، جعلت منه رجل الأعمال قبل أن يكون سياسيا يحسبها دوما بالأرقام، ولأنه لم يجد الولايات المتحدة ربحت ماليا شيئا من وراء الصفقة النووية التى وقع عليها سلفه باراك أوباما فى يوليو 2015 مع بلدان 5+1، بل على العكس رأى أنها سياسيا أسوء صفقة دخلتها بلاده، حيث أطلقت يد طهران فى المنطقة، وعززت من نفوذها ومولت من خلال المليارات التى استردتها من أموالها بالخارج وكلائها وأذرعها بالمنطقة، فانسحب منها فى مايو 2018، ليس ذلك فحسب بل فى 21 يونيو العام الجارى، تراجع عن ضربة محققة لإيران كانت ستكلف بلاده أموالا طائلة حال أشعلت فتيل الحرب.
بولتون.. هرب من حرب فيتنام والتحق بكلية القانون
الذراع اليمنى لترامب فى ملفات الأمن القومى، ومستشارة المقرب جون بولتون، يشارك فى رسم سيناريوهات الصراع الحالية والمستقبلية من خلفية قانونية، فقد كانت جامعة يال للقانون على موعد مع بولتون فى مرحلة الشباب.
وفى سنوات شبابه، تجنب بولتون ـ اليمينى المتطرف ـ المشاركة في حرب فيتنام من خلال الانضمام إلى كلية القانون والانضمام إلى الحرس الوطني مُنهيا فى الوقت نفسه دراسته الجامعة سالفة الذكر والتى نال منها درجته فى القانون.
دراسته للقانون جعلت منه الصقر الحازم حيث لم تعرف الدبلوماسية طريقا إلى عقله، فالسبيل الوحيد لحماية الأمن القومى الأمريكي –في رأيه - هو الحروب الوقائية، لذا دعم قرار غزو العراق بقوة عام 2003، وأيد بشدة استخدام القوة على الساحة الدولية، ودفع الرئيس ترامب للانسحاب من الاتفاق النووى، ودعاه لاستخدام القوة العسكرية ضد وإيران، وهو صاحب مقولة "القصف هو السبيل الوحيد لإيقاف النووى الإيرانى"، وحتى كتابة هذه السطور ما زال بولتون يدفع نحو شن هجوم على إيران.
حسن روحانى
روحانى.. دكتوراة فى القانون من أسكتلندا
على الجانب الآخر من الأزمة، يأتى الرئيس الإيرانى الإصلاح حسن روحانى، والذى يتمتع بخلفية قانونية، فبعد أن أتم تعليمه الابتدائى، بدأ بناء على رغبة والده تعليمه الدينى عام 1960 فى الحوزة العملية بمدينة سمنان، ومن ثم انتقل إلى مدينة قم عام 1961، وبموازاة دراسته الدينية أكمل دراسته الأكاديمية حيث حصل على البكالوريوس في القانون من جامعة طهران عام 1972. ثم انتقل إلى الخارج لاستكمال دراسته، حيث حصل على الماجستير والدكتوراه فى القانون من جامعة جلاسكو كالدونيان بأسكتلنداعام 1995 و1999.
وعلى العكس من بولتون، فإن روحانى مال منذ صعوده لرئاسة إيران فى 2013 إلى إنهاء أزمة الملف النووى بدبلوماسية التفاوض، وفتح صفحة جديدة مع الغرب حيث مكنته دراسته بالخارج من التعرف على العالم الخارجى، ورغبته فى إنهاء عزلة بلاده الدولية إثر سنوات العقوبات، ومن أجل هذا الهدف شرع فى الدخول فى مفاوضات حقيقة مع مجموعة 5+1 (فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين، الولايات المتحدة، ألمانيا)، ونجح فى إبرام الاتفاق النووى 2015، وما لبث إلى أن أصبحت الصفقة على المحك عقب الانسحاب الأمريكى، ودعوته لإبرام صفقة جديدة، ورغم رفض المتشددين الذين يهيمنون على المشهد الداخلى لإيران القاطع للتفاوض مع واشنطن، لا يزال روحانى يؤمن بالتفاوض ووضع شرط له، وهو رفع العقوبات الأمريكية التى أدت إلى شلل تام فى اقتصاد طهران.
ولأن مهارات اليوم هى مكتسبات لدراسة الأمس، فإن وزير الخارجية الإيرانى جواد ظريف الذى يعد الدبلوماسى الأبرز فى تاريخ إيران حتى كتابة هذه السطور، يعد من المسئولين الإيرانيين القلائل الذين نالوا قسط جيد من التعليم فى الغرب بمرحلة الشباب، حيث أرسلته عائلته في سن المراهقة للدراسة إلى الخارج لأنه كان على وشك أن يُعتقل من قبل سلطات الشاه السابق لانتمائه إلى الجمعية الإسلامية الطلابية وقد اراد الوالد ابعاد ابنه عن تأثير المجموعات التي تخطط لاسقاط الملكية، وسافر إلى سان فرانسيسكو لدراسة المعلوماتية والعلاقات الدولية، وحصل على شهادة البكالوريوس فى العلاقات الدولية من جامعة ولاية سان فرانسيسكو عام 1984.ثم حصل على شهادة الدكتوراه في القانون والسياسة الدولية فى كلية جوزيف كوربل للدراسات الدولية عام 1988 من جامعة دنفر بكولورادو، وأصبح خبير مفاوضات دولية.
الدبلوماسى المحنك، أهله انقضاء فترة كبيرة من عمره فى الولايات المتحدة الأمريكية ودراسة السياسة الدولية والتفاوض، إلى أن يفهم لسان الإدارة الأمريكية، ويخاطب مؤسساتها بلغتها، بل ويبنى علاقات وصداقات مع أغلب الدبلوماسيين والمسئولين الأمريكيين والغربيين، ففى 2013 حيث اختاره روحانى لقيادة الوفد الإيرانى فى المفاوضات النووية مع الغرب، نتيجة لعلاقاته الدبلوماسية مع العديد من الأطراف الغربية، وهى سمة مكنته من تخفيف من التوترات مع الولايات المتحدة والدول الغربية آنذاك، وأصبح يوصف بمهندس الاتفاق النووى بعد إبرامه، واليوم وبعد أن أصبح انهيار هذا الاتفاق قاب قوسين أو أدنى، لا يزال ظريف يقاوم ذلك بين دوائر السياسية الأمريكية، ودخل فى مباحثات مع باقى أطراف الاتفاق النووى من الأوروبيين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة