«طلاق الفارّ»..إشكالية كثيرة الحدوث فى عصر الحالى الذى طغت فيه الماديات على الالتزام بأحكام الشرع الحنيف، حيث يعمد الزوج فى مرض موته إلى تطليق زوجته الوارثة بائناً، فراراً من توريثها ونزولاً على رغبة أولاده فى الغالب أو غيرهم.
وفى الغالب تكون الزوجة المراد تطليقها صغيرة السن تزوجها رجل أرمل طاعن فى السن، وله أولاد كبار أجبروه على تطليقها فى مرض موته، كى لا تشاركهم فى الميراث، أو تكون هذه الزوجة أحدى زواجات هذا الرجل، يطلقها بناء على رغبة غيرها من زوجاته، وقد سُمى هذا الطلاق «طلاق الفارً»، لأن الزوج فيه يفرّ من توريث زوجته بطلاقها.
وهناك جدل دينى كبير أثارته مآس كثير من الزوجات اللواتى لم يخرجن من رحلة الحياة بغير ورقة طلاق ومؤخر صداق قليل لا يذكر، بعد أن غدر بهن الأزواج وطلقوهن لحرمانهن من الميراث من خلال «طلاق الفار»، وقد انقسم علماء الإسلام إلى ثلاثة فرق، منهم من يرى أنها ترث، فى حين يرى آخرون أنها لا ترث، وطالب فريق ثالث بعدم التعميم ودرس كل حالة على حدة، ولكل فريق أدلته الشرعية.
ولكن بعيداَ عن الرأى الشرعى «اليوم السابع» يلقى الضوء على الرأى أو الأثر القانونى فى إشكالية «طلاق الفار» وهو تطليق الزوج زوجته فى مرض الموت، فعلى سبيل المثال زوج على فراش الموت أقترب أجله، فطلق زوجته، فما هو الموقف القانونى للزوجة فى هذه الحالة ؟ - بحسب الخبير القانونى والمحامى محمد عبد السلام.
فى البداية، مرض الموت هو المرض الشديد الذى يغلب معه الهلاك ويكون الزوج المريض يستشعر أن أجله قد انتهى فيقوم بتطليق زوجته، هنا وجب التفريق بين أثرين معينين :
1-هل الطلاق صحيح وتصبح الزوجة مطلقة أم لا؟
2-هل الطلاق فى هذه الحالة يؤثر فى الميراث، بمعنى آخر هل بموت الزوج المريض ترث فيه الزوجة أم لا؟
أولاَ: مرض الموت لا يؤثر على أهلية الشخص كونه طلق زوجته، بالتالى حينما طلقها زوجها وهو مريض فهذا الطلاق صحيح، وذلك ليس محل خلاف أو نقاش.
ثانياَ: الإشكالية الموجودة لدينا، هل هذه الزوجة المطلقة ترث فى حالة موته أم لا؟ فلدينا مجموعة فروض يجب التفريق بينها قد تناولتها محكمة النقض المصرية وتصدت لها كالتالى:
1-إذا كان الزوج فى حالة مرض الموت طلق زوجته طلاق رجعى، بمعنى أدق كان أول مرة يطلقها أو ثانى مرة وتوفى الزوج فى فترة عدتها، ففى هذه الحالة ترث الزوجة لأن الزوجة فى فترة العدة من الطلاق الرجعى تعتبر الزوجية قائمة حكماَ وترث.
محكمة النقض تطرقت فى حكم لها إلى آثر «طلاق الفار» فى مرض الموت على استحقاق المطلقة للميراث، وذلك فى الطعن رقم 863 لسنة 73 جلسة 2006/01/24، حيث تعرضت فيه للطلاق البائن الصادر من المريض مرض الموت بغير رضاء الزوجة، ووفاة الزوج أثناء العدة، وأثره هو وقوع الطلاق وثبوت حق المطلقة فى الميراث، وشرطه كونها أهلاً لإرثه من وقت إبانتها إلى وقت الموت، وعلة ذلك، مرض الموت، ومقصوده المرض الشديد الذى يغلب على الظن موت صاحبه يكون شرطه ملازمته له حتى الموت .
النقض أكدت أن النص فى المادة 3/11 من قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943 يدل - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - على أن المشرع الوضعى قرر أخذاً بالمذهب الحنفى أن من كان مريضاً مرض الموت وطلق امرأته بائناً بغير رضاها ومات حال مرضه والزوجة لا تزال فى العدة، فإن الطلاق يقع على زوجته، ويثبت منه من حين صدوره فإنه أهل لإيقاعه، إلا أنها ترثه مع ذلك بشرط أن تكون أهلاً لإرثه من وقت إبانتها إلى وقت موته، رغم أن المطلقة بائناً لا ترث لانقطاع العصمة بمجرد الطلاق، استناداً إلى أنه لما أبانها حال مرضه اعتبر احتياطياً فاراً هارباً ، فيرد عليه قصده، ويثبت لها الإرث .
إن المقصود بمرض الموت- بحسب «المحكمة» - أنه المرض الشديد الذى يغلب على الظن موت صاحبه عرفاً أو بتقدير الأطباء، ويلازمه ذلك المرض حتى الموت وإن لم يكن أمر المرض معروفاً من الناس بأنه من العلل المهلكة فضابط شدته واعتباره مرض موت أن يعجز غير العاجز من قبل عن القيام بمصالحه الحقيقة خارج البيت فيجتمع فيه تحقق العجز وغلبة الهلاك واتصال الموت به .
واقعة لطلاق الفار
وشرحت محكمة النقض فى أحد الطعون إشكالية «الطلاق الفار» إذ كان الواقع فى الدعوى وبما لا خلاف عليه بين الطرفين أن المطلق أدُخل مستشفى القصر العينى بتاريخ «.....» وتم تشخيص حالته المرضية أنذاك بأنه يعانى من اشتباه ورم بالكبد مع انسداد فى مخرج المعدة وتم عمل منظار له وأخذ عينات من الكبد وخرج من المستشفى بتاريخ «.....» ثم أدخل المستشفى مرة ثانية بتاريخ «......» غرفة العناية المركزة بذات المستشفى، حيث وفاه الأجل فى «.....» وأن الطلاق المؤرخ «.....» الواقع منه للطاعنة بطلقة مكملة للثلاث قد بانت منه بهذه الطلقة وهو فى مرض الموت وكان ذلك بغير رضاها وعلى ذلك فإن طلاق الطاعنة يكون قد وقع صحيحاً ولا يبطله أنه تم فى مرض الموت.
ووفقا لـ«النقض» فإنه إذ خلص الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة الصحيحة - صحة طلاق الطاعنة أثناء مرض الزوج المُطلق - فإنه لا يعيبه ما وقع فى أسبابه من تقريرات قانونية خاطئة إذ لمحكمة النقض تصحيح ما وقع فيه من أخطاء ويضحى النعى عليه فى هذا الخصوص غير منتج ولا جدوى منه.
المقرر - فى قضاء محكمة النقض - أنه لا يكفى فيمن يختصم فى الطعن أن يكون طرفاً فى الدعوى التى صدر فيها الحكم المطعون فيه بل يجب أن يكون قد نازع خصمه فى طلباته أو نازعه خصمه فى طلباته هو، وأن تكون له مصلحة فى الدفاع عن الحكم المطعون فيه حين صدوره، فإذا لم توجه إليه طلبات، ولم يقضى له أو عليه بشئ، فإن الطعن بالنسبة له يكون غير مقبول، ولما كان الثابت من الأوراق أن المطعون ضدهما الأول والثانى بصفتيهما لم توجه منهما أو إليهما ثمة طلبات فى الدعوى، وقد وقفا موقفاً سلبياً ولم يبديا أى دفع أو دفاع فيها، ولم يحكم لهما أو عليهما بشىء ولم تتعلق أسباب الطعن بهما، فلا يكون للطاعنة مصلحة فى اختصامهما أمام محكمة النقض، ويكون الطعن غير مقبول بالنسبة لهما.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة