فى عام «2016».. طلبت من الكاتب الكبير أحمد الجمال، شهادة عن لقاء الرئيس «السادات» باتحاد طلاب جامعة عين شمس «يوم 30 سبتمبر - مثل هذا اليوم - 1973»، بعد أن التقطت الخيط من تلميحه إلى هذا اللقاء فى مقالات له.. كان «الجمال» ممن حضروه بوصفه ممثل الدراسات العليا باتحاد طلاب الجامعة، وكان مسؤول التبادل والتزويد بمكتبة مركز بحوث الشرق الأوسط بالجامعة، ومسؤول الفكر فى الحركة الناصرية بالجامعة، والعضو القيادى فى تنظيم «طليعة الاشتراكيين».
أمدنى «الجمال» بشهادته، لكنه ذكر أن اللقاء كان مع «الطلاب الناصريين بالجامعة»، ونشرتها بهذا الوصف، وقبل أيام تحدثت مع اثنين ممن حضروا، وهما المهندس طارق النبراوى نقيب المهندسين السابق، ورئيس اتحاد طلاب كلية الهندسة، وعبدالعزيز عاشور أمين لجنة النشاط السياسى والثقافى بكلية التجارة، وفى شهادتهما تفاصيل تتفق وتختلف مع شهادة الجمال، لكن الشهادات الثلاث محاولة منى لتوثيق حدث مضىء فى تاريخ الحركة الطلابية المصرية، وحبذا لو أقدم باقى الشهود على توثيقه. وأبدأ بإعادة نشر شهادة «الجمال».. يتذكر، أن الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام استدعاه، لإبلاغه رغبة السادات بلقاء «الطلاب الناصريين بالجامعة».. ونبهه ضاحكا: «السادات بيعتبركم أحقر مجموعة سياسية فى مصر، وبيقول عنكم: «الولاد دول بيقبضوا بالليبى».. يضيف الجمال: «نصحنى هيكل»: سيبك من عصبيتك وأسلوبك الهجومى، حاوروه وإذا لزم خربشوه، بس ماتعورهوش، لإنه لو اتعور، هيبقى أسد جريح وهيفتك بكم.
يوضح «الجمال» أصل حكاية بيقبضوا من ليبيا قائلا: ارتبطت بلقاء فى شيراتون الجيزة بين أبوبكر يونس وزير الدفاع الليبى، أثناء حضوره بالقاهرة مؤتمر وزراء الدفاع العرب، وثلاثة قيادات ناصرية فى «عين شمس» هم، محمد سامى، ومحيى السعيد، وأحمد الجمال، وكان هناك ود مع «يونس» يعود لعام 1971، عندما حضر لقاء «ناصر الفكرى» بالجامعة نيابة عن «القذافى».. فى لقاء «شيراتون» هاجم الثلاثة مواقف السادات التى تصفى ثورة يوليو، وانتقدوا قيادة الثورة الليبية التى وطدت علاقتها به، يؤكد الجمال: ما لم نعرفه، أن يونس اتصل بالسادات ليلا، وأصر على مقابلته، وكرر أمامه بإخلاص شديد ما سمعه، وهدد بقطع العلاقات ما لم يكف عن تصفية يوليو وإغضاب شباب الثورة فى عين شمس.
أبلغ الجمال زملاءه، ومنهم رئيس اتحاد طلاب الجامعة المرحوم نبيل صفار برسالة هيكل.. يتذكر: اصطحبنا الدكتور كمال أبو المجد، وزير الشباب، الطلاب للقاء فى استراحة برج العرب، وحضر ممدوح سالم، نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية، والدكتور إسماعيل غانم رئيس الجامعة، كان السادات يرتدى بدلة صيفية «بوشيرت» ويتأبط عصاه البنية، وسلم على الجميع وجلس على المنصة، وبدأ كلامه هجوميا، لنصف ساعة».
يتذكر الجمال: «استمر الحوار من العاشرة إلى الرابعة.. قال السادات: «أنا طلبت أشوفكم علشان أنتم أولادى، وبتقولوا إنكم ناصريين، هو مين فى مصر مش ناصرى، أنا أعرف «جمال» وإحنا سننا 19 سنة، وشلت ولاده هدى وخالد على أكتافى دول «خبط بشدة على كتفه».. شلتهم وشخوا على كتافى، وبعدين بتهتفوا ضدى، وكمان نزلتم صورتى من على الحيطة وكسرتوها ودستم عليها بالجزم..ليه؟ هو أنا الملك فاروق، أنا قاعد هنا فى الصحراء، وطلعان عينيه علشان البلد».. يضيف الجمال: «بعد سرد طويل لمعاناته، قال بطريقته التى يزم فيها شفتيه، ويضغط على مخارج الحروف: «أنا هطوى صفحة الماضى ونفتح صفحة جديدة»، ثم دعا الضيوف للكلام. يؤكد الجمال: «اتفقنا أن يبدأ الكلام» نبيل صفار بصفته رئيس الاتحاد، وأنا متحدثا رئيسيا، يضيف: بدأت بالاستئذان فى فتح صفحات الماضى قليلا، وقبل السادات مستاء، وعلى مضض، ثم توجهت إليه متسائلا: «حضرتك كنت عضوا فى تنظيم الضباط الأحرار، وكنت تعتقد وتؤمن أنه هو الذى سيغير مصر، فهل كنت ستسكت لو كان أحد جاء ليضربه ويلغيه ويشهر به؟ فرد بقوة: «أبدااا، أبدااا، أقاتل فى سبيل تنظيمى وثورتى».
يواصل الجمال: «قلت له هذا هو وضعنا، كنا أعضاء فى تنظيم ثورى يقوده عبدالناصر، وينص عليه الميثاق، وحضرتك كنت رئيسه بعد الزعيم، ثم إذا بحضرتك تهدم التنظيم، وتشهر به وتطلق موسى صبرى وأشكاله ليهاجموه، ويهاجمونا، ويفترون بأننا كنا نكتب تقارير على أهلنا، وبعدين سيادتك وصفتنا بأننا «أحقر مجموعة عمل سياسى فى مصر، وبنقبض بالليبى، وهذا غير صحيح».. يتذكر الجمال: «لم يتركنى أكمل، وسألنى مباشرة: اسمك إيه يا ابنى، فأجبت.. قال: «أنا يا ابنى أقول على حد من ولادى المصريين كده، دا كان ينقطع لسانى، أنت بتتكلم كويس وكفاية عليك كده، وخللى زمايلك يتكلموا»..فوجئ بصوت جماعى: لا، لا، خليه هو يكمل، هو بيتكلم نيابة عنا، فرد: «كمل».. قلت: حضرتك إحنا فى دولة شعارها وهدفها، الحرية والاشتراكية والوحدة، وأنا عاوز أشوف عملنا إيه فى كل هدف منها خلال حكمك».
يؤكد «الجمال»: كان الحوار من المشاركين قويا، وأذكر نقطتين، الأولى عن تمكن المهربين والطفيليين فى شارع الشواربى من كسب قضية ضد الدكتور فؤاد مرسى وزير التموين، والثانية، مسألة الوحدة مع ليبيا.. علق عن «الشورابى: أنا سألت وزير الاقتصاد بنخسر كم من نشاط شارع الشواربى، فرد: فى حدود خمسة مليون جنيه، قلت له: خلاص خللى الناس تهيص، إنما لو أنتم شايفين الموضوع خطير كده، روحوا كمؤسسة طلابية للواد «أبو وافية» رئيس الشكاوى فى مجلس الشعب، وتقولوا اللى عاوزين تقولوه، وأنا كحكم بين المؤسسات اتخذ القرار، أما عن الوحدة مع ليبيا، فالواد المجنون ده «القذافى» غلط فى عرضى وشرفى.. أنا عرضت عليه نعمل نموذج لوحدة مصغرة بين طبرق ومطروح، وإذا نجحت نكبرها مرحلة ورا مرحلة، بس هو مجنون، هل يرضيكم إنه يغلط فى مراتى ويمس شرفى؟
انتهى اللقاء وقال السادات لأبوالمجد: «غديهم، أكلهم، وشبعهم يا كمال، اطعم الفم تستحى العين».. وغدا شهادة «النبراوى» و«عاشور».