شارع 10 بالمقطم، من هنا كانت تُدار شئون الدولة المصرية لمدة عام كامل، إنه مقر مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان الإرهابية، هذا المقر الذى كان شاهدا على اتخاذ كافة القرارات التي كان يخرج المعزول محمد مرسى للإعلان عنها باعتباره رئيس جمهورية مصر العربية، لكنه في الواقع كان ناطقا باسم مكتب الإرشاد والمرشد العام للجماعة الإرهابية وقتها محمد بديع.
كانت جماعة الإخوان المسلمين تحكم مصر من داخل من المقر الرئيسى لمكتب الإرشاد، وشهد هذا المبنى - طوال العام الذى حكمت فيه الجماعة مصر - خروج أهم وأدق قرارات الجماعة الإرهابية، لفرض السيطرة على الدولة وأجهزتها، حيث كانت أسواره حصنا منيعا، وكانت أسراره بمنأى عن سكان المنطقة المحيطين بهم.
وصار هذا المقر بديلا لقصر الرئاسة بالاتحادية ومجلس الشعب ومجلس الوزراء وكافة المؤسسات التشريعية والتنفيذية، يمنع أحدًا من الاقتراب منه، وكان مكتب الإرشاد يُدير الدولة المصرية كما يدير قطيع الإخوان تماما، وربما كان هذا سببا فى السقوط المدوى والسريع للجماعة فى الشارع المصرى، وذلك بعد ان رفض المصريون أن يُعاملوا معاملة القطيع من الراعى الجالس فى مكتب الإرشاد.
لم يكن محمد مرسى رئيسا فعليا للبلاد، وكانت مؤسسة الرئاسة وقتها مجرد أداة فى يد مكتب الإرشاد ومرشده العام للسيطرة على مفاصل الدولة، وحاولت الجماعة هدم تلك المؤسسات من داخلها بعدما فشلوا فى تمكين عناصرها من المؤسسات وأخونتها بالكامل وذلك عن طريق تنشيط كوادرها داخل المؤسسات.
فقد تحولت مؤسسة الرئاسة إلى لجنة من اللجان النوعية المستحدثة فى الهيكل التنظيمى لجماعة الإخوان، وكان مسئول اللجنة هو محمد مرسى، وهو ملتزم بتوجهات الجماعة وقرارات مكتب الإرشاد كأى عضو أو مسئول تنظيمى داخل الجماعة، فأما من الناحية الإدارية فكان مرسى المتحكم فى إدارة أعضاء هيئة اللجنة بتوزيع الاختصاصات فيما بينهم، أما الجوانب الفنية فى اتخاذ القرار فكانت تخضع لمكتب الإرشاد.
وكان محمد مرسى يتعامل كفرد فى جماعة الإخوان وليس كرئيس للجمهورية؛ ما أوقعه فى العديد من الأخطاء التى سببت له العديد من الأزمات فى علاقاته بمؤسسات الدولة، خاصة السيادية، وكذا القوى السياسية الموجودة على الساحة والأقباط، وكانت كلما اقتربت المسافة بين مرسى وجماعته فى إدارة البلاد زادت حدة التوتر والغضب فى الشارع والاصطدام بالقوى الثورية والسياسية.
ربما هذا كله يوضح أسباب الإخفاقات التى عاشتها مصر خلال تلك الفترة، كانت مصر تدار وفقًا لأجندة إخوانية من خلال مكتب الإرشاد، وكانت القرارات الصادرة تصب فى مصلحة الجماعة وليست فى مصلحة الوطن؛ لأن فكرة الوطن لا تدخل ضمن أدبيات الجماعة.
وربما كانت شهادة سيف عبد الفتاح، المستشار السابق للمعزول محمد مرسى، عن تفاصيل خطيرة لأول مرة عن كيفية اتخاذ مرسى قراراته الهامة والمصيرية المتعلقة بشئون الدولة والمواطنين، خير دليل لما ذكرناه سابقا، فقد أزاح سيف الستار عن أن مستشارو مرسى كانوا مجرد مناصب رمزية لا يؤخذ برأيهم، وإنما كانت الاستشارات والقرارات تأتى لرئاسة الجمهورية من مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان الإرهابية ومستشارى التنظيم الإرهابى، وأهل الثقة من أعضاء التنظيم، وليس أهل الخبرة وأصحاب المناصب الرسمية فى رئاسة الجمهورية، كما هو معمول به فى كافة الدول والعهود السابقة واللاحقة فى مصر.
وقال سيف عبد الفتاح، فى لقاء مع قناة الجزيرة القطرية، إن "الرئيس – فى إشارة للمعزول محمد مرسى - لما عينا مستشارين.. قعد وقالنا يعنى إيه مستشار، فقال مستشار يعنى يقول الرأى لكن أنا مش ملزم به".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة