كيف انتهك البرلمان الأوروبى استقلال القضاء وأضر بالشراكة المصرية الأوروبية؟.. انتهج اتجاها معاكسا لدول الاتحاد المتفهمة لحقيقة الأوضاع بمصر.. وتأثر بمعلومات مغلوطة تمررها منظمات داعمة لجماعة الإخوان الإرهابية

السبت، 19 ديسمبر 2020 10:38 م
كيف انتهك البرلمان الأوروبى استقلال القضاء وأضر بالشراكة المصرية الأوروبية؟.. انتهج اتجاها معاكسا لدول الاتحاد المتفهمة لحقيقة الأوضاع بمصر.. وتأثر بمعلومات مغلوطة تمررها منظمات داعمة لجماعة الإخوان الإرهابية البرلمان الأوربي
محرر القسم الخارجي

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

حينما وقعت مصر اتفاقات الشراكة المتعددة مع الاتحاد الأوروبى ووافقت على الإطار السياسى المرتبط بعملية برشلونة والذى ركز على حقوق الإنسان والديمقراطية، كان الأساس فيها احترام السيادة الوطنية وسيادة القانون واستقلال السلطة القضائية كرافد مهم من روافد منظومة حقوق الإنسان التى أسسها الإعلان العالمى لحقوق الإنسان.

ووفق تقرير لـ "المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية"، فإن الإشارة كانت واضحة لانفتاح مصر على توسيع علاقتها بدول الاتحاد الأوروبى وتنمية علاقات الجوار الأورومتوسطية وفق ما أعلنه الاتحاد الأوروبى الذى كان يسعى إلى تعزيز الشراكة الأوروبية-المتوسطية ) أو عملية برشلونة (والتى ظهرت فى 1995 بمشاركة 15 من جيران أوروبا الجنوبيين، وكان غرضها خلق منطقة سلام واستقرار وأمن فى البحر المتوسط"، وتبنى سياسة الجوار على مبدأ السعى إلى تعاون أعمق مع البلدان والتى تظهر قدرا أكبر من الاستعداد للتحرك إلى الأمام بالإصلاحات الأساسية، وبذلك تخلق فعالية تنافسية بين من يريدون تلقى المزيد من المعونة والموارد الأوروبية .

وركزت خطط عمل "سياسة الجوار"، التى يتفق عليها ثنائيا بين الاتحاد الأوروبى وكل بلد معنى فى الجنوب، على قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية والعمل أن تكون مقبولة من الطرفين، إلا أن قضايا حقوق الإنسان تحولت مع زيادة نفوذ التيارات اليسارية وسيطرتها على الانتخابات الأوروبية إلى سبب رئيس فى زيادة مساحات سوء التفاهم بين مصر وعدد من دول أوروبا التى لا تريد استيعاب اعتزاز الدولة المصرية بدستورها ومؤسساتها القضائية وسيادتها الوطنية، وزادت الفجوة مع اعتماد مؤسسات أوروبية مثل البرلمان الأوروبى على معلومات مؤسسات حقوقية مسيسة ومناوئة للدولة المصرية خلال رصدها لتطور أوضاع حقوق الإنسان فى مصر.

وانتهج البرلمان الأوروبى، اتجاها معاكسا لبعض دول الاتحاد التى بدأت فى تفهم حقيقة الأوضاع فى مصر، وآخرها حديث الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون عن أن دعم حقوق الإنسان فى مصر لن يتم إلا بالحوار، ورفضه للغة الإملاء أو وقف توريد الأسلحة لدولة شريكة لأوروبا فى مكافحة الارهاب وعمليات الهجرة غير الشرعية.

فيما توافق البرلمان الأوروبى مع دول أخرى لا تبذل أى جهد للاطلاع على حقيقة الأوضاع فى مصر وظهر جهلها بحالة حقوق الإنسان فى مصر خلال مداخلتها وتوصياتها خلال مناقشة ملف مصر أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فى نوفمبر 2019 ، والذى ظهر فيه تأثر تلك الدول بالمعلومات المغلوطة التى تمررها بعض المنظمات الداعمة لجماعة الإخوان الإرهابية.

الموقف الفرنسى المتقدم والمغاير لتوجه البرلمان الأوروبى يؤكد أن التوجه السياسى للتيارات الممثلة فى البرلمان الأوروبى أقوى من واقع الشراكة بين مصر ودول الاتحاد، بل يضعها فى واقع الأمر فى حرج شديد خلال التعامل مع القاهرة، خاصة مع تصاعد نبرة التهديد واستخدام مفردات الإملاء التى لا تتناسب مع التخاطب مع دولة مستقلة ذات سيادة، ويعيد للأذهان ذكريات الحقبة الاستعمارية المؤلمة والتى كانت مليئة بجرائم ضد الإنسانية التى ارتكبتها قوات أوروبية ضد الشعب المصري.

لقد كشف قرار البرلمان الأوروبى ضعف المؤسسة التشريعية الأوروبية وتجاهل الحكومات الأوروبية لها؛ إذ رفضت غالبية الدول الأوروبية الربط بين التعاون الاقتصادى وحقوق الإنسان وفق المنظور الذى يطرحه البرلمان لأنه غير واقعى من ناحية، ومن ناحية ثانية لعدم رضاء تلك الحكومات عما يقوم به ذلك المجلس ذو الصفة الاستشارية غير الملزمة، والذى يبحث عن دور فى السياسة الخارجية للاتحاد وحينما فشل قرر التحول إلى مؤسسة حقوقية مسيسة.

واحتوى القرار على عدد من المغالطات فى مخاطبة الدولة المصرية؛ فقد اعتدى على ثورة 30 يونيو بطعنه فى شرعيتها والهجوم عليها، كما اعتدى على حق مصر فى مكافحة الإرهاب وإصدار تشريعات تحاصر الكيانات الإرهابية وتجفف منابع تمويلها رغم أن مصر استرشدت بالمعايير الدولية عند وضعها لتلك القوانين التى انطلقت من مرجعية استراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب وملاحقة مموليه.

وكذلك تحاول فرض الاعتراف بحقوق المثليين رغم أنها تعلم جيدا أن مصر تحفظت على تلك الحقوق لأنها تتعارض بشكل قاطع مع الشريعة الإسلامية، كما انتهك القرار استقلال السلطة القضائية فى مطالبته للدولة المصرية بالإفراج عن عدد من المتهمين أو المحبوسين على ذمة قضايا، واعتدى على المادة 95 من الدستور المصرى التى نصت على استقلال القضاء وحصانته وحيدته لضمانة أساسية هى حماية الحقوق والحريات، والمادة 100 التى تنص على أن الاحكام التى تصدر تنفذ باسم الشعب وتكفل الدولة وسائل تنفيذها ويكون الامتناع عن تنفيذها أو تعطيلها جريمة يعاقب عليها القانون.

ووفق تلك النصوص الدستورية منع المشرع المصرى السلطة التنفيذية من التغول على السلطة التشريعية أو التلاعب فى احكام القضاء وسلطة النيابة العامة فى توجيه الاتهام وتقديم المتهمين إلى المحكمة.

وتحدث التقرير فى بند آخر عن وجود عمليات قمع للمعارضة، وهو أمر مجا ف للحقيقة والواقع؛ فالمعارضة السياسية ممثلة فى البرلمان القادم بنسبة معتبره، وهناك أحزاب وشخصيات معارضة كانت موجودة على القوائم الانتخابية الأخيرة، فضلا عن وجود شباب ينتمون إلى أحزاب المعارضة فى تنسيقية شباب الأحزاب، وهى كيان سياسى جديد جامع لكل الشباب من كافة الأطياف السياسية والاجتماعية والمستقلين للمساهمة فى تمكينهم سياسيا.

أما إذا كان البرلمان الأوروبى يقصد المنتمين لجماعة الإخوان الإرهابية ويصنفهم على أنهم معارضة، فيكون بذلك قد أوقع نفسه فى خطأ جسيم لأنه بذلك يخالف القانون المصرى الذى صنفها جماعة إرهابية، فضلا عن أنه يناقض أيضا إجراءات تتم لملاحقتهم فى عدد من الدول الأوروبية باعتبارهم جماعة فاشية متطرفة خرجت من رحمها كل التنظيمات الإرهابية، وتدعمها دول متهمة بتمويل الإرهاب.

ومن المستغرب أن يتحدث القرار عن قيود على عمل الجمعيات الأهلية متجاهلا عمل 55 ألف جمعية أهلية على الأرض فى مصر وخاضعة لأحكام قانون الجمعيات رقم 149 لسنه 2019 والذى تم تعديله بمبادرة من الرئيس عبد الفتاح السيسى بعدما اشتكى عدد من الجمعيات المصرية من القيود الموجودة فى القانون السابق خلال مشاركتها فى منتدى شباب العالم. كما أن انتقاده لاحتجاز عاملين فى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية يعد تدخلا فى قرارات قضائية كانت مبنيه بالأساس على مخالفة تلك المؤسسة لقانون الجمعيات، ثم الإفراج عنهم عقب تعهدهم بتوفيق أوضاعهم وفق القانون المصري.

وتغافل القرار عن القفزات الواسعة التى حققتها مصر فى مجال تمكين المرأة ومكافحة التحرش وتقديم الجناة للمحاكمة الجنائية وختان الإناث. وكلها تطورات لافتة تمت بمبادرات رئاسية، وهو ما يشير إلى وجود إرادة سياسية قوية لتمكين المرأة. ونفس الأمر تحقق فى ملف ترسيخ دولة المواطنة وصدور أول قانون لبناء الكنائس وتوفيق أوضاعها وتمكين المسيحيين من المناصب القيادية.

وتجاهل القرار بحديثه عن انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان الإعلان عن وضع مصر لاستراتيجية وطنية متكاملة وطويلة الأجل لحقوق الإنسان والتى تعكس وجود إرادة سياسية لإعطاء دفعة للجهود الوطنية؛ من خلال اعتماد مقاربة شاملة وجدية لتعزيز الحقوق والحريات الأساسية تتسم بوضوح الرؤية والتخطيط، وهى استراتيجية لا تبدأ من فراغ؛ لأن مصر لديها مؤسسات وطنية راسخة ودستور تقدمى وتراث قانونى فريد.

وتهدف الاستراتيجية الوطنية إلى دمج أهداف ومبادئ حقوق الإنسان فى المشروع التنموى الطموح لمصر، عبر الاستعانة بالخبرات الوطنية المرموقة، والتشاور مع ممثلى المجتمع المدنى بمفهومه الواسع.

ولقد اعتمدت اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان خطة عمل متكاملة لإعداد أول استراتيجية وطنية ل حقوق الإنسان، حيث قامت الأمانة الفنية للجنة بعمل 10 خطوات فى المرحلة التحضيرية لإعداد الاستراتيجية وهيمخاطبة كافة الوزارات والجهات المعنية لموافاتها بخططها وبرامجها المستقبلية ذات الصلة بملف حقوق الإنسان خلال 5 سنوات مقبلة. حصر كل ما يتعلق بحقوق الإنسان بوثيقة رؤية مصر 2030 وخطط العمل وتحقيق الترابط بينها وبين مسودة الاستراتيجية.حصر وتقييم شامل لاحتياجات الدولة فى مجال إعمال حقوق الإنسان.الاطلاع على التجارب الدولية المقارنة. دراسة خطط العمل والاستراتيجيات الوطنية المعتمدة بالفعل ذات الصلة بموضوعات حقوق الإنسان لتحقيق التكامل بينها وبين الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.دراسة كافة التوصيات الختامية الصادرة لمصر من مختلف الآليات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان، وكذلك توصيات المجلس القومى لحقوق الإنسان، وتصنيفها ومتابعة موقف تنفيذها.بحث سبل تعزيز تنفيذ مصر لمختلف التزاماتها الدستورية والدولية فى مجال حقوق الإنسان.إعداد مقترحات محددة بتعديلات تشريعية تهدف إلى تعزيز اتساق الإطار التشريعى مع الدستور والالتزامات الدولية لمصر بمجال حقوق الإنسان.تشكيل هيئة استشارية لإعداد الاستراتيجية تضم 25 من الخبراء المنتقين من المتخصصين فى القانون والاقتصاد والسياسات العامة لحين عرض مسودة الاستراتيجية عليهم والاستماع إلى ملاحظاتهم.

وعقد جلسات استماع مع ممثلى المجتمع المدنى لتلقى مقترحاتهم بشأن الاستراتيجية، وضمت الجلسات ممثلين من البرلمانيين والأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية، إضافة إلى جلسة استماع مع المجلس القومى لحقوق الإنسان.

وكان مجلس النواب المصرى موفقا فى رده على قرار البرلمان الأوروبى واعتباره قرار غير مقبول ولا يلائم الشراكة الاستراتيجية "المصرية-الأوروبية"، ويعبر عن أهداف مسيسة ونهج غير متوازن، وتأكيده رفض المصريين أن ينصب البرلمان الأوروبى نفسه وصيا على المصريين، ملمحا تجاه المؤسسة الاوربية إلى تسييس قضايا حقوق الإنسان لخدمة أغراض سياسية أو انتخابية، مطالبا إياهم بالنظر بموضوعية لواقع الأمور فى مصر، والابتعاد عن ازدواجية المعايير، ومعربا عن استغرابه لتجاهل نجاح مصر فى تحقيق طفرة تنموية أثناء مجابهة جائحة كورونا.

وإشارات مجلس النواب المصرى لحالة المراهقة السياسية التى يعانى منها البرلمان الأوروبى تتفق مع ما نشره موقع بوليتيكو الأمريكى فى أغسطس من العام الماضى والذى وصف أعضاء البرلمان الأوروبى بالمراهقين الذين يحاولون استعراض عضلاته دون أن يكون لديهم النضج الكافي، وأن محاولتهم تنصيب أنفسهم حراس للديمقراطية وضع أوروبا فى حالة فوضى كبيرة.

ومن المؤكد أن مصر دولة منفتحة على التعاون مع العالم، وليست منغلقة على نفسها وتتعامل فى السياسة الدولية بندية مقبولة تحفظ بها اعتزازها بمؤسساتها التشريعية والقضائية، وتسير فى مجال تحسين أوضاع حقوق الإنسان بخطى ثابته وطموحة ووفق مبادرات داخلية مصرية خالصة تتفق مع الواقع المصرى والتحديات التى تواجهها الدولة المصرية التى لا تحتاج إلى توجيهات أو إملاءات من أى دولة أو مؤسسة لتحسين أوضاع شعبها.

 









الموضوعات المتعلقة


مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة