أسباب كثيرة تجعل اعتبار تكريم الكاتب المبدع الكبير وحيد حامد أحد أهم أحداث العام، والسنوات الأخيرة، لأن وحيد حامد علامة وفصل كبير فى تاريخ السينما المصرية. يذكرنا بجيل عظيم أخلص للفن ومهمة التنوير، ويعيد التذكير بأن أهم ما تمتلكه مصر دائما ومنذ قرون هو قوتها الثقافية والفنية والإبداعية، الغناء والأدب والمسرح والسينما والدراما التليفزيونية، أو ما يسمى «القوة الناعمة» وهو مصطلح تعرض خلال السنوات الأخيرة لبعض التسطيح، لكنه يبقى التعبير الأقوى عن قيمة الأمم والشعوب.
ومصر خلال القرن العشرين كانت تقدم رموزها من سيد درويش لبيرم التونسى والنديم ومحمد عبده وطه حسين وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وأم كلثوم والسنباطى وعبدالوهاب ونجيب الريحانى ومارى منيب وعبدالحليم والأجيال التالية من الفنانين والمثقفين.
لقد تنبأ نجيب محفوظ بعبقريته فى نهاية السبعينات أن الرواية سوف تتخذ من السينما والتليفزيون مكانا متصدرا. وهو نفسه اعترف أن السينما منحت أعماله انتشارا إضافيا، وأخرجتها إلى ملايين لم يكونوا قادرين على القراءة.
هناك جيل تسلم الراية وقدم الأدب للسينما والتليفزيون ببراعة واحترافية وإخلاص، ويأتى وحيد حامد فى صدارة الرواية السينمائية، ومثلما تقدم الرواية والقصة تاريخا اجتماعيا لمصر، فإن وحيد حامد فى السينما يقدم فصولا من التاريخ الاجتماعى والسياسى لمصر الحديثة بكل تعقيداتها ومشكلاتها، طبعا هناك كتاب ومخرجون كبار ساهموا فى هذه الصورة، لكن وحيد حامد يمكن اعتباره صاحب مشروع بصرى، ترك علامة وبصمة مع كل عمل من أعماله، حيث رفض دائما مقولة الجمهور عاوز كده، مثلما يفعل أسامة أنور عكاشة فى الدراما التليفزيونية ومعه محفوظ عبدالرحمن ومحمد جلال عبدالقوى ومحمد صفاء عامر وغيرهم.
هناك أعمال تمثل علامات فى تاريخ السينما بدون ترتيب منها البرىء، الغول الراقصة والسياسى آخر الرجال المحترمين، معالى الوزير، الإرهاب والكباب، المنسى، اللعب مع الكبار، مسجل خطر، طيور الظلام، النوم فى العسل، اضحك الصورة تطلع حلوة، سوق المتعة، كل منها رواية بصرية، بجانب مسلسل الجماعة الذى يمثل قفزة فى الدراما التاريخية، لا تكتفى بالسرد بقدر ما تقدم تأريخا اجتماعيا وسياسيا لمرحلة مهمة، تتجاوز الخطابة إلى الرصد الأدبى. وباقى أفلام وحيد حامد تحمل رسائل وترصد تاريخ المجتمع والحياة المصرية خاصة للطبقة الوسطى، تماما مثلما تنبأ العظيم نجيب محفوظ فى الرواية، حيث يمثل وحيد حامد فى السينما، وأسامة أنور عكاشة محفوظ عبدالرحمن وزملاؤهما فى الدراما التليفزيونية علامات مهمة نجحت فى تقديم الرواية بصريا فى سيناريو سينما. وهو ما يضع وحيد حامد والكتاب الكبار ضمن قوة مصر الناعمة، لأنهم قدموا الرواية بصريا، وعبروا بها فوق أسوار الأمية، ووصلوا إلى المجتمع ببراعة وقدموا ما يحتاجه الجمهور وليس ما يريده. بل وحلوا معضلة الجمع بين التشويق والرسالة والجماهيرية.
كل سيناريو من وحيد حامد «بقدر كبير جدًا من الإخلاص» به علامة تعيش فى وجدان ووعى الجمهور، وتستمر ويمكن مشاهدتها أكثر من مرة، بل وتكشف عن رسالتها مع الوقت، وهذا هو أصل الفن الإنسانى العظيم. ولهذا يعيش وحيد حامد ضمن قوة مصر الناعمة، ويذكرنا بأن مصر أمة تعيش بما تقدمه من معان وأفكار وفنون وثقافة «قوة ناعمة».