نواصل قراءة سيرة السيد المسيح حسبما وردت فى التراث الإسلامي، ونطلع معًا على ما قاله "ابن كثير " فى كتابه قصص الأنبياء.
عن أبى هريرة، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "كل إنسان تلده أمه يلكزه الشيطان فى حضنيه، إلا ما كان من مريم وابنها، ألم تر إلى الصبى حين يسقط كيف يصرخ؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: ذلك حين يلكزه الشيطان بحضنيه ".
ورواه قيس عن الاعمش، عن أبى صالح، عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من
مولود إلا وقد عصره الشيطان عصرة أو عصرتين إلا عيسى بن مريم ومريم " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وإنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ".
وكذا رواه محمد بن إسحاق، عن يزيد بن عبيد الله بن قسيط، عن أبى هريرة، عن النبى صلى الله عليه وسلم.
بأصل الحديث.
وقال الامام أحمد: عن أبى هريرة، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " كل بنى آدم يطعن الشيطان فى جنبه حين يولد إلا عيسى بن مريم ذهب يطعن فطعن فى الحجاب ".
وهذا على شرط الصحيحين ولم يخرجوه من هذا الوجه.
وقوله: " فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا " ذكر كثير من المفسرين أن أمها حين وضعتها لفتها فى خروقها ثم خرجت بها إلى المسجد فسلمتها إلى العباد الذين هم مقيمون به، وكانت ابنة إمامهم وصاحب صلاتهم فتنازعوا فيها، والظاهر أنها إنما سلمتها إليهم بعد رضاعها وكفالة مثلها فى صغرها.
ثم لما دفعتها إليهم تنازعوا فى أيهم يكفلها، وكان زكريا نبيهم فى ذلك الزمان، وقد أراد أن يستبد بها دونهم من أجل زوجته أختها أو خالتها على القولين.
فشاحوه فى ذلك وطلبوا أن يقترع معهم، فساعدته المقادير فخرجت قرعته غالبة [لهم] وذلك أن الخالة بمنزلة الام.
قال الله تعالى: " وكفلها زكريا " أى بسبب غلبه لهم فى القرعة كما قال تعالى: " ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون".
قالوا: وذلك أن كلا منهم ألقى قلمه معروفا به، ثم حملوها ووضعوها فى موضع وأمروا غلاما لم يبلغ الحنث فأخرج واحدا منها وظهر قلم زكريا عليه السلام.
فطلبوا أن يقترعوا مرة ثانية وأن يكون ذلك بأن يلقوا أقلامهم فى النهر فأيهم جرى قلمه على خلاف جرية الماء فهو الغالب ففعلوا فكان قلم زكريا هو الذى جرى على خلاف جرية الماء، وسارت أقلامهم مع الماء ثم طلبوا منه أن يقترعوا ثالثة فأيهم جرى قلمه مع الماء ويكون بقية الاقلام قد انعكس سيرها صعدا، فهو الغالب ففعلوا، كان زكريا هو الغالب لهم فكفلها إذ كان أحق بها شرعا وقدرا لوجوه عديدة.