إجراءات متتالية اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرا لمجابهة أزمة انتشار فيروس "كورونا"، نجح خلالها في إثارة المزيد من الجدل، في الأيام الماضية، ربما أبرزها تعليق التمويل الذى تقدمه الولايات المتحدة إلى منظمة الصحة العالمية، مرورا بقراره لتعليق الهجرة لأمريكا مؤقتا، وحتى قراره الأخير برفع القيود المفروضة على المواطنين لاحتواء تفشى الفيروس القاتل، ليكرر بذلك لعبته المفضلة في تحويل المحن إلى منح سياسية، ينتصر بها على خصومه.
فلو نظرنا إلى سنوات ترامب في البيت الأبيض، نجد أن ثمة محاولات لم يواجهها أسلافه منذ عقود، لاصطياده وإسقاطه، بدءًا من اتهامه المتكرر بالخيانة لصالح روسيا، على خلفية قضية التدخل الروسى في الانتخابات الأمريكية، بالإضافة إلى محاولات عزله من منصبه، بسبب مكالمة هاتفية مع نظيره الأوكرانى فلاديمير زيلنيسكى، وحتى أزمة كورونا، والتى تفشت في العديد من الولايات الأمريكية، لتضع سيد البيت الأبيض، في مأزق، قبل شهور من انتخابات الرئاسة المقررة في نوفمبر المقبل، في ظل مساعى الخصوم الديمقراطيين إلى استغلالها لتحقيق نقاط سياسية يمكنهم بها تقليص شعبية الرئيس المتنامية.
تجارب ترامب مع الأزمات التي لاحقته تمثل انعكاسا صريحا على قدرته على المواجهة بعيدا عن الأساليب التقليدية والمعتادة، رغم ما تحمله استراتيجيتة من مغامرة في الكثير من الأحيان، إلا أنها في الغالب ما تكون مغامرات محسوبة، تقوم في الأساس على استرضاء المواطنين، عبر إعطاء الأولوية للجوانب التي تمس حياة المواطنين مباشرة، كالبعد الاقتصادى، أو الهجرة أو غيرها من القضايا التي طالما أرقت الأمريكيين لسنوات طويلة، دون حلول جذرية.
وهنا تحول فيروس "كورونا" القاتل من أزمة قد تطيح بالإدارة الأمريكية الحالية، بسبب تفشى الفيروس، بالإضافة إلى سهام الانتقادات اللاذعة التي لاحقت سياسات البيت الأبيض في التعامل مع الأزمة، إلى فرصة، أجاد الرئيس الأمريكي استخدامها عبر العديد من السياسات متعددة الأبعاد، فقد ألقى باللوم أولا على منظمة الصحة العالمية، لتبرئة ساحته، ثم اتخذ قرارا بتعليق الهجرة، لمغازلة القطاع العريض من المواطنين الأمريكيين، تحت ذريعة "كورونا"، ثم بعد ذلك اتجه لتخفيف القيود، لإنهاء الركود الحالي، لخدمة الاقتصاد الأمريكي، وكذلك إعادة المواطنين إلى العمل، وهو الأمر الذى لاقى إشادة كبيرة من الشارع بعيدا عن الحسابات السياسية التقليدية، في الوقت الذى علق فيه الهجرة، لتقتصر الفرص المتاحة بقدر الإمكان على الأمريكيين دون غيرهم.
لم تتوقف الفرص التي قدمها "كورونا" لترامب على مجرد مغازلة الشارع الأمريكي، ولكنها امتدت إلى تعزيز تطبيق رؤيته، التي طالما أعلنها لسنوات، خاصة تلك المتعلقة بالهجرة، والتي كانت سببا في صراع طويل الأمد مع خصومه الديمقراطيين، الذين طالما تشدقوا بمبادئ حقوق الإنسان، بالإضافة إلى اتخاذ خطوات لتعديل نظام الرعاية الصحية، الذى تبناه سلفه باراك أوباما، بالإضافة إلى اتخاذ مواقف حادة تجاه منظمة دولية جديدة، وهى منظمة الصحة العالمية، في إطار رؤيته المناوئة للمنظمات الدولية بشكل عام.