من بين الأنبياء الذين اختلف حول هويتهم كان نبى الله إدريس، فثمة تشابهات واضحة بين شخصيات تاريخية مختلفة وبين النبى إدريس، فمنهم من يرى أنه الإله المصرى القديم أوزوريس، ومنهم من يراه "أخنوخ" المذكور في التوراة، والبعض ذكره على أنه الحكيم "هرمس" وذكره البعض على أنه أحد ملوك مصر القدماء.
وإدريس نبي من أنبياء الله، وهو أول بني آدم أَعطي النبوة بعد آدم وشيث بحسب التقاليد الدينية، في التوراة هو "أخنوخ" بن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم كما في سفر التكوين، وقيل هو إدريس بن يارد بن مهلائيل وينتهي نسبه إلى شيث بن آدم واسمه عند العبرانيين (أخنوخ) وفي الترجمة العربية (أخنوخ) وهو من أجداد نوح.
أخنوخ
جاء في تواريخ كل من الطبري، ابن كثير، ابن الأثير، والمسعودي، فإن إدريس هو أخنوخ من نسل شيث بن آدم، وتسميه الصابئة "هرمس" - ويفسرها المسعودي بـ"عطارد"- وهو على حد قولهم أول من خط بالقلم وعلّم الزراعة وتخطيط المدن ولبس المخيط والسكن في البيوت، ويضيف بعضهم القول بإنه أول من ركب الخيل وجاهد في سبيل الله، ويُجمعون أنه قد حذّر قومه من مخالطة نَسل قابيل، ولكن قومه عصوه وخالطوهم.
أبو الهول
مؤخرا قال الدكتور على جمعه مفتى الديار المصرية السابق، إن أحد العلماء في كتاب له في العلم والدين تحدث عن أن وجه أبو الهول هو سيدنا إدريس، موضحاً أن الأثريين يذهبون إلى أن أبو الهول موجود قبل الأهرامات، وأن سيدنا إدريس ليس هو خوفو أو خفرع أو منقرع، وابتدعوا فيه ذلك لأن كان الفراعنة يصورون مقدساتهم في صورة طائر أو حيوان، ولكن هناك صوروه في صورة إنسان، وهو ما يتناسب مع كلمة المعلم الأول وهرمس الهرامسة وحكيم الحكماء لأن النبى الكريم علم البشرية أشياء من أجل الدخول للحضارة.
ونسب "جمعة" هوية إدريس على أنه أبو الهول إلى الشيخ محمود أبو الفيض المنوفي في كتابه "العلم والدين"، فيما يتفق مع هذا القول كتاب " تأملات بين العلم والدين والحضارة" تأليف محمد فتحى عبد العال، حيث يرى أن أبو الهول هو الأثر الخالد لإدريس عليه السلام، مشيرا إلى أن إدريس كان يخط على الرمال وعلاقة أبو الهول بالرمال وطيدة ترافقت مع التمثال عبر تاريخه بل الطريف أن النقش الوحيد على التمثال كان تتويجا لهذه العلاقة لوحة الحلم وهى لوحة تذكرية امر بوضعها الفرعون تحتمس الرابع، تكشف ذلك بعدما حلم الفرعون بانه عندما أصابه التعب لجأ إلى أبى الهول الذى كانت قد غطته رمال الصحراء، ولا يظهر منه سوى رأسه.
إدريس وأوزوريس
ويربط بعض الباحثون بين النبى إدريس وبين أوزيريس، ففى كتاب "الجبتانا" الذى وضعه المؤرخ المصرى مانيتون السمنودى ودوّن فيه قصة الخلق المصرية القديمة وأحداث أول الزمان حتى تكليف الآلهة لـ"مينا نارمر" بتوحيد مصر التى مزقتها حرب "سِت" مع "أوزوريس وحورس وإيزيس"، فنرى فيها وصفًا لأوزوريس يتشابه مع إدريس بأنه يتلقى من حين لآخر دعوة الآلهة فيصعد إلى السماء ويتعلم منها فنون البناء بالحجر والخط بالقلم والزراعة والحكمة وتخطيط المدن، وتصفه بأنه أول من جعل الجبتيين (المصريين) يسكنون البيوت بعد أن كانوا يسكنون الكهوف خوفًا من الوحوش والمسوخ، كما تنوه بأنه أول من شيّد المعابد الضخمة، واهتم بتعليم الطب، وابتكر أدوات الزراعة والرى مثل المحراث والشادوف، وازدهرت فى عهده المدن والصناعات وعرف الناس لبس الأثواب الكتانية، وكان يتلقى وحى الآلهة ويرى الرؤى فى نومه، وقد حكم مصر بالعدل حتى اغتاله سِت ثم عاد إلى الحياة ثم رفعته الإلهة إلى تاسوعها المقدس، وهو -وفقًا للعقيدة المصرية القديمة- قاضى قضاة محكمة الآخرة.
أكد الدكتور وسيم السيسى، عالم المصريات، أن أوزوريس هو من دعا للتوحيد، وأسس لقانون الأخلاق فى مصر القديمة، مضيفًا أن أوزوريس هو المذكور فى القرآن بسيدنا إدريس، جاء ذلك خلال ندوة "الهوية المصرية بين التاريخ والمعاصرة"، المقامة بمعرض الكتاب 2017.
ملك مصري قديم
وارتباط نبي الله سيدنا إدريس- عليه السلام- بمصر كبير، فقد ذكر بعض مؤرخي التاريخ الإسلامي وعلمائه أنه حكم مصر، وأن البعض ينسب إليه بناء الأهرامات، وعن ذلك يقول الإمام السيوطي في كتابه "حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة" إن نبي الله إدريس- عليه السلام- بين من دخلوا مصر من الأنبياء، ويذكر رواية عنه أن أحد الملوك قد أراده بسوء ولكن الله عصمه، ثم دفع له أبوه العلوم المتوارثة عن جده، فطاف بالبلاد وبنى عشرات المدائن في مختلف الأنحاء أصغرها "الرها"- بالأناضول حاليا- ثم عاد إلى مصر، وحكمها وزاد في مسار نهر النيل، وقاس عمقه وسرعة جريانه وكان أول من خطط المدن ووضع قواعد للزراعة وعلّم الناس الفلك والهندسة، ويربطه بالصابئة؛ فيقول إن بعضهم يدّعي أن أحد أهرامات مصر قبره والآخر قبر جده شيث بن آدم".
من بناة الأهرام
كذلك ذكر المقريزي في كتابه "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار"- المعروف باسم الخطط المقريزية - أن "إدريس ملك مصر وكان أول من بنى بها بيوتًا للعبادة، وأنه أول من علّم الناس الطب".
أدريس هو الحكيم هرمس
ذكر ياقوت الحموي في كتابه "معجم البلدان" عن اسم "بابليون"- إن إدريس كان يعيش في أرض بابل، لكنه تعرض لبعض المضايقات فدعا الله أن يرسله إلى أرض مشابهة فأرسله إلى مصر، فلما رأى النيل قال «بابليون» (ومن هنا -حسب الرواية-تحمل مصر هذا الاسم ضمن أسمائها) وهي تعني «مثل نهر بابل»، وصار ملكه بمصر.
فيما ذكر أنه "هرمس" وهي شخصية أسطورية إغريقية، وذكر أكثر المؤرخين العرب القدامى يتحدثون عن "هرمس" زاعمين أنه هو-ذاته- نبي الله "إدريس" عليه السلام ويقولون إن "هرمس" هو المذكور في التوراة باسم "أخنوخ"، أما "هرمس" فكان معبوداً "يونانياً" ضمن "آلهة الأولميب" الشهيرة، وكان ابنا لزيوس، وتقول الأسطورة اليونانية إن "هرمس" قام بسرقة خمسين من قطيع أخيه "أبوللو" في ذات اليوم الذي ولد فيه!.
فيما يرى الباحث العراقى خزعل الماحد، أن هرمس البابلي هذا عاش قبل الطوفان أو بعده بقليل وهذا يعني أنه لم يكن بابلياً بل كان سومرياً لأن جميع المصادر العربية القديمة لم تدرك أو تعرف سومر التي زالت من الوجود حوالي 2006 ق.م واندثر اسمها تماماً ولم تكشف عنه إلا الحفريات الحديثة وأصبح يطلق على كل ما هو عراقي قديم الاسم المعروف (بابل) ثم أطلق الإغريق تسمية (ما بين النهرين – ميزوبوتاميا Mesopotamia) هي تسمية متأخرة، ولذلك نرى أن هرمس الذي تشير له المصادر القديمة قبل الطوفان هو سومريّ الأصل ولا يمكن أن يكون بابلياً لأن بابل لم تكن قد وجدت قبل الطوفان وكذلك مصر كدولة وعمران وأهرامات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة