الخبر هو تعيين رئيس جديد لحى مصر القديمة، وهو الحى الذى أصبح يحمل إحدى علامات الاستفهام فى أحياء القاهرة، نتمنى أن يكون الرئيس الجديد للحى أفضل من سابقيه، فقد كان حى مصر القديمة من الأحياء التى تكررت فيها قضايا الرشوة، حيث ضبط رئيس حى مصر القديمة السابق، متلبسا بتلقى رشوة 400 ألف جنيه، وقبله رئيس سابق لحى مصر القديمة سقط متلبسا برشوة أكثر من مليون جنيه.
وخلال السنوات الماضية، ضُبط أكثر من رئيس حى برشوة أو فساد متكرر، فى عام 2019 سقط رؤساء أحياء: الهرم، والدقى، والتجمع الخامس، وحى المستثمرين بالرحاب، وروض الفرج، السابقين، ونائبة محافظ الإسكندرية بالسجن 12 سنة، ومحافظ المنوفية- المسجون- والذى حقق 50 مليون جنيه فى عام واحد.
وبجانب هؤلاء، هناك عشرات الفاسدين والمرتشين تم ضبطهم، وهناك طبعا أضعاف هذا الرقم نجوا من الضبط، بناء على قواعد الهروب أو اتخاذ إجراءات وطرق احترافية تجعل من الصعب مراقبتهم أو ضبطهم، وبعض هؤلاء تظهر عليهم علامات الثراء المفاجئ، والتى لا تتناسب مع دخولهم، ومع هذا يستمرون فى وظائفهم، ولا أحد يسألهم «من أين؟».
وبما أننا نتحدث عن مخالفات البناء، والمواجهة الجارية الآن ضمن مصالحات وإزالات، يتجدد الحديث عن مسؤولية الأحياء والمدن، ونعود لنؤكد أن الفساد سوف يستمر بمنهجيته الحالية، طالما بقيت قواعد السلطة فى منح ومنع التراخيص قائمة، ومع الاعتراف بمسؤولية الراشى القانونية، لكن الفساد المتجذر يجعل بعض المواطنين مضطرين للدفع من أجل الحصول على حقوقهم، بل إن الفاسدين فى الأحياء والإدارات الهندسية يفضلون المخالفين لأنهم يكونون مصدر دخل وأرباح، بينما المواطن الذى يلتزم بالقانون فهو غير مرغوب فيه، ويضع الفاسدون أمامه العراقيل حتى يندمج فى عالم الفساد، وإذا رفض فهو مغضوب عليه، وربما يجد نفسه متهما ومعطلا.
وأبرز مثال على هذا، محافظة الإسكندرية، والتى تحولت إلى محافظة المبانى المخالفة بكل الأشكال والألوان، ووراء هذا كله فساد مستمر عبر عقود، ووصل الأمر إلى أن مخالفا واحدا سدد 30 مليون جنيه للتصالح، ومثله مئات إما سددوا أو أنهم يقيمون مبانى مخالفة لا يمكن التصالح معها، وفى حى واحد، مثل عين شمس، هناك مقاول واحد بنى 30 برجا مخالفا وهرب! وهو واحد من عشرات واصلوا- طوال عقود- بناء أبراج فى حارات ضيقة، وتاجروا فيها وباعوها لمضطرين ممن يبحثون عن مسكن.
وهنا تظهر قضية أخرى، أن ارتفاع أسعار المساكن فى المدن الجديدة- خلال عقود- اضطر المواطنين من غير القادرين لأن يقبلوا شراء شقق رخيصة فى عشوائيات أو مبان مخالفة، وبالتالى فقد دفعوا ثمن فقاعة عقارية، مع التركيز على البناء الفاخر والكومباوندات، وهى ظاهرة تحاول الدولة اليوم مواجهتها من خلال توفير إسكان اجتماعى، لكنها تحتاج إلى تفكير مختلف، يستوعب الطبقات الوسطى غير القادرة على الأسعار المليونية، ويناسبهم نظام تقسيط تعاونى، حتى لا تعود ظاهرة غياب البدائل التى أنتجت العشوائيات والمخالفات.
بالعودة إلى جرائم المحليات والأحياء والمدن، هناك ضرورة لإعادة النظر فى كيفية منح تراخيص البناء، وفصلها عن جهات الإشراف والمراقبة ومتابعة التنفيذ، حتى وأن تكون الرسوم لجهة واحدة بعيدة عن بقية الأطراف، ويمكن للتكنولوجيا توفير هذا كله، حتى يمكن التخلص من سيطرة المحليات والقابلية للفساد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة