تكمل ثورة 30 يونيو 8 سنوات، أصعب خمس سنوات منها شهدت برنامج الإصلاح الاقتصادى، ومن يريد قراءة النتائج عليه مراجعة الأرقام، ليعرف أين كانت مصر وأين أصبحت، وإذا كانت الأرقام وحدها لا تكفى، يمكن قياس انعكاس الأرقام على حياة الناس.
قبل 2011 كانت الحكومات تتحدث عن ارتفاع نسبة النمو إلى 8 %، لم تكن تنعكس على حياة الأغلبية، حديث عن استمرار دعم الوقود والمقررات التموينية، بينما نسبة الفقر تتزايد، وتتسع العشوائيات فى أحزمة حول القاهرة والمدن، يتسع البناء العشوائى لتعويض النقص فى الإسكان، صحيا كان الفيروس الكبدى «سى» يأكل أكباد المصريين، بتقديرات بين 12-20 % من المصريين.
كان هرم المجتمع، قاعدة عريضة من الفقراء، وطبقة وسطى متفاوتة الدخل، ونسبة من الأثرياء يحصلون على الأراضى بالتخصيص، والمرافق بأسعار معدومة، وتحرم الأغلبية من السكن ومن البنية الأساسية، ومع الوقت بدأت الطرق الدائرية فى التآكل، تحيطها العشوائيات، والمرور فى القاهرة «مشلول»، مع توقعات بأن تصل السرعة بالقاهرة إلى 5 كيلومترات/ ساعة.
استمر الحديث عن الإصلاح الاقتصادى منذ الثمانينيات، وظلت هناك أزمة فى ازدواج أسعار العملة وتردى البنية الأساسية، وتكدس سكانى مقابل مدن فارغة، وبعد 25 يناير توقف الاقتصاد، وتم استهلاك الاحتياطى الأجنبى، ليصل إلى أدنى مستوياته، واتسع الفقر ووصل الاقتصاد فى عام حكم المرشد إلى أدنى مستوياته، ولم يكن الاقتصاد المتردى ولا الأزمات المتوالية فى الكهرباء والوقود والارتباك فى الملف الخارجى، واختراقات للدولة، مع خلل يهدد بانقسامات طائفية واجتماعية، بجانب سوء الخدمات فى كل اتجاه فقط، ولكن كانت محاولات السيطرة على مفاصل الدولة والحكومة عن طريق زرع قيادات موالية للمرشد والتنظيم بلا خبرة أو كفاءة.
منذ عام 2014 أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى عن برنامج إصلاح اقتصادى مؤلم، كانت المخاوف تحيط بالمجتمع، خطر إرهاب مدعوم وممول، نجح فى تدمير أنظمة وإشعال حروب أهلية، ومع هذا امتلكت الدولة شجاعة البدء فى إصلاح اقتصادى صعب، رهانا على المصريين الذين تحملوا الأمر بشجاعة، وهم يعرفون أنه ضرورى.
نظرة للوراء إلى وضع مصر الصعب قبل 5 سنوات، الدولة والشعب فى ممر ضيق محاط بالتهديد والمخاوف.. مخاوف حتى لدى أنصار الدولة و30 يونيو، ممن عبروا عن قلقهم من أن يرفض المصريون الإصلاح، هذه الآراء لا تزال محفوظة فى أرشيف السوشيال ميديا، جوجل، وفيس بوك، ويوتيوب.. ناهيك عن عشرات المنصات التى لم تتوقف عن التحريض والتخويف من انهيار اقتصادى على الأبواب، راهنوا على أن مصر حتى لو نجحت فى الإصلاح، لن تستطيع علاج آثاره الاجتماعية والاقتصادية.
فى المقابل ظل الرئيس عبدالفتاح السيسى متمسكا بالإصلاح الاقتصادى للخروج من وضع غير قابل للاستمرار، وبالرغم من تحذيرات كثيرة انطلقت من بعض الجهات فى الحكومة، أكد الرئيس أنه بعد دراسة الأمر يستعد للتضحية بشعبيته لتنفيذ جراحة للاقتصاد لا بديل عنها، وأن رهانه على الشعب.
كانت منصات الخارج تلقى بحمم من التشكيك والتخويف والأكاذيب، رهانا على فشل محقق، وتوقعات بأن يصل سعر الدولار إلى 150جنيها، وأن تعجز مصر عن إنجاز مشروعات للتنمية أو الطرق أو المدن أو الكهرباء.
مصر أصرت على السير فى الطريق الأصعب، وبدأ الرئيس السيسى مهمته بخطاب لا يقدم وعودا، لكن يبدأ حربا.. اليوم بعد خمس سنوات نرى انعكاس الإصلاح الاقتصادى على حياة الناس، صمدت الدولة أمام تداعيات فيروس كورونا، وحققت ثباتا نسبيا لأسعار السلع الأساسية، مع قدرة على تقديم برامج ومبادرات لمساندة القطاعات والفئات الأكثر تضررا، تم تخصيص 100 مليار جنيه - تعادل 2% من الناتج المحلى - لمواجهة «كورونا»، واقتصاد مصر من بين اقتصادات قليلة حققت نسبة نمو فى ظل تراجع عالمى، وتم إنجاز العاصمة الإدارية ومدن الجيل الرابع، وتم القضاء على فيروس سى، وإطلاق مبادرتى «100 مليون صحة» و«تكافل وكرامة»، والبدء فى مبادرة «حياة كريمة»، التى اعتبرتها الأمم المتحدة أفضل الممارسات الدولية، توافقا مع كل أهداف التنمية المستدامة، وتطوير شامل للريف ليكون جزءا من بنيان التنمية يضاعف الإنتاج، ويخلق فرص عمل، فى 4500 قرية يسكنها 56 % من المصريين خلال 3 سنوات يتغير الوجه والموضوع.
كل هذا بناه المصريون بشجاعتهم وصبرهم وتحملهم، ويستحقون أن يجنوا الثمار ومزيدا من المكاسب.
p