نحتفل في تلك الأيام بعيد الأضحى المبارك، أعاده الله علينا وعليكم بالخير واليمن والبركات، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وينتهز الجميع في العادة تلك المناسبات للالتقاء بالأقارب لتواصل صلة الرحم، ومقابلة الأصدقاء، كنوع من استعادة الذكريات القديمة والحديث عن كل شيء منذ أيام الطفولة وحتى وقتنا الحالي.
وكما جاء في أجواء رواية "قشتمر" للأديب العالمي نجيب محفوظ، الحائز على جائزة نوبل في الأدب عام 1988م، فيما يتعلق بحرص مجموعة من الأصدقاء على التجمع بأحد المقاهي -والذي يحمل نفس عنوان الرواية- لتبادل الحديث عن أحداث الطفولة والمراهقة والشباب والمستقبل، وهو ما حرصنا عليه أنا وأصدقائي الذين أعرفهم منذ نعومة أظفاري، فجميعنا أبناء منطقة واحدة، فأخلاقنا وعاداتنا تتشابه، فهي ثمرة البيئة التي نشأنا فيها، ولكن بالطبع الاختلاف يأتي في وجهات النظر، وهذا لا يحدث كثيرًا، فنحن متقاربون في العمر، ننظر إلى الأمور بطريقة متقاربة، لم يحدث بيننا أي مشادات عبر سنوات عمرنا عندما كنا نتحدث عن أمر ما، وعندما يتحدث أحدنا ينصت الجميع، احترامًا للمتحدث، وهذا شيء لم نضعه بأنفسنا ولكن تربيتنا قضت باحترام الآخر والمحافظة على شعور كل منا.
فأنا وأصدقائي الخمسة الذين يشغلون مناصب مختلفة في عملهم وضعنا قانونًا خاصًّا بنا تعاهدنا للمحافظة عليه مهما كان الأمر، وهو التجمع في اليوم الثاني من كل عيد سواء "الفطر أو الأضحى"، وتلك العادة جرت منذ سنوات طويلة لدرجة أننا نسينا في أي عام بدأنا ذلك، ولم تنقطع عادتنا، رغم انشغالنا بأعمالنا وحياتنا، ولكن يعد ذلك اليوم من ثوابت حياتنا، تتجدد فيه ذكرياتنا، ونحكي عن الماضي وكيف كنا نفكر؟ وكيف أصبح حالنا اليوم بعد سنوات من الكفاح؟
ذلك اليوم يحمل العديد من المعاني السامية والتحفيز على استكمال ما نحن فيه، فيتجدد النشاط بداخلنا نتيجة ما استعرضناه عن ماضينا، وكيف أنعم الله علينا لنؤكد أن "من جد وجد"، وكيف صعدنا درجات السلم من بدايته، ومدى الصعوبات التي واجهتنا، والتي كان لا بد أن نصطدم بها حتى نتجاوز جميع الدرجات ونحقق طموحنا الذي رسمناه لأنفسنا، وكيف أنعم الله علينا بها.
فإذا كان أول أيام العيد هو عادتنا جميعًا في الجلوس ومجاورة آبائنا وأمهاتنا وأقاربنا، لنضيف شيئًا آخر في دفتر الذكريات، فإن ثاني أيام العيد مخصص لمقابلة الأصدقاء المقربين، فهي لمتنا التي نستحضر من خلالها الذكريات الجميلة فتعطينا الأمل في استمرار حياتنا، فيغلف ذلك اليوم بالحكايات أيام اللعب في الشارع ولبس العيد والأماكن وقصص الحب التي انتهت مع معظمنا بالزواج، فلا حديث يعلو في ذلك اليوم على تلك القصص الجميلة، التي يسيطر عليها روح الفكاهة والدعابة، لينتهي اليوم مع رفع أذان الفجر لليوم الثالث ليعود كل منا لممارسة حياته الطبيعية سواء في عمله أو في بيته مع الأهل والأولاد، لننتظر "اللمة الجديدة" في ثاني أيام العيد المقبل.