بعد غيبة ثلاثة أسابيع قضاها الرئيس جمال عبدالناصر، فى مصحة العلاج فى «تسخالطوبو» بجمهورية جورجيا إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتى، عاد إلى القاهرة ووصلت طائرته إلى مطار القاهرة فى الساعة السادسة مساء 17 أغسطس 1968، حسبما تذكر «الأهرام» فى تقريرها الرئيسى بالصفحة الأولى، 18 أغسطس 1968.
قالت «الأهرام» إن مطار القاهرة امتلأ بالناس يتقدمهم أصدقاء الرئيس ومعاونوه وعدد من كبار الرسميين فى الدولة وعميد السلك الدبلوماسي، وبقى الرئيس ما يقرب من نصف ساعة يصافح مستقبليه، ويرد التحية للجماهير، ثم توجه إلى بيته، واستمع فيه لمدة نصف ساعة إلى تقرير عن الموقف العسكرى فى مواجهة العدو الإسرائيلى من الفريق أول محمد فوزى وزير الحربية.. أضافت «الأهرام»، أنه من المقرر أن يسافر الرئيس بعد ظهر «18 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1968 إلى الإسكندرية بالقطار ليقضى فترة الراحة التى قررالأطباء الروس بضرورتها بعد العلاج بالمياه الطبيعية»، وأضافت «الأهرام» أن الأطباء السوفييت ألحوا على الرئيس بقضاء فترة الراحة فى «تسخالطوبو»، لكنه أصر أن يقضيها فى مصر، ورجاه الأطباء السوفييت فى هذه الحالة أن يقضى أكثر من الأسبوع المقرر، لكى يحقق العلاج بالمياه الطبيعية كل فائدة.
ذكرت «الأهرام»، أن الأطباء الذين أشرفوا على العلاج فى «تسخالطوبو» وفى مقدمتهم الدكتور «شازوف» النائب الأول لوزير الصحة السوفيتى، والدكتور «تارييف» الذى قام بتنفيذ خطة العلاج بالمياه الطبيعية، قابلوا الرئيس قبل أن يغادر المصحة، وقضوا معه فترة من الوقت حتى جاء الوفد الرسمى الذى اصطحبه إلى المطار، وكان مكونا من رئيس هيئة رئاسة المجلس السوفييت الأعلى فى جورجيا، ورئيس الوزراء وبعض الوزراء والسكرتير الأول للحزب.
يكشف «شازوف» فى مذكراته «الصحة والسلطة» ترجمة دكتور إيمان يحيى، أسرار الساعات السابقة على مغادرة عبدالناصر للمصحة، ولقائه مع الأطباء السوفييت المعالجين له.. يؤكد أنه بعد انتهاء فترة علاجه واستعداده للعودة، وقبل سفره كانت نصائحنا له أن يلتزم بالنظام الغذائى الذى وضعناه، ويبتعد عن الإجهاد والانفعالات النفسية والتوتر، وكنا نعرف جيدا أن التحسن الذى طرأ على صحته يعود إلى نمو أوعية دموية جديدة إلى جوار الأوعية الدموية القديمة مما وفر دورة دموية طبيعية للساقين، وذلك بفضل استخدام نظم العلاج الطبيعى، ولكن قدرات الطب لم تكن فى هذا الوقت تصل إلى إيقاف تصلب الشرايين تماما، وتمنع ظهوره فى أجزاء أخرى من جسم المريض، خصوصا أن عبدالناصر كان يعانى من مرض السكر، وكنا فى ذلك الوقت على وعى بأن مرض تصلب الشرايين سيستمر ويتزايد، وكان من الصعب توقع أى من الأوعية الدموية سيصاب فى المستقبل.. ولذا كانت نصائحنا واضحة بضرورة اتباع عبدالناصر لنظام العلاج وتجنب الإجهاد والانفعالات.
يتذكر «شازوف» رد فعل عبدالناصر على ما قالوه له.. ويؤكد: «استمع عبدالناصر باهتمام لتلك النصائح»، وابتسم قائلا: «من الصعب أن تبقى رئيسا لمصر وتنفذ كل هذه النصائح».. يذكر «شازوف»: «اتفقنا مع عبدالناصر أن نزوره بعد ثلاثة أو أربعة شهور كى نجرى تقييما لنتائج علاجنا على المدى الطويل، وحالته الصحية، وتقديم نصائح جديدة لمتابعة العلاج».
يضيف «شازوف»: «اقترحنا على عبدالناصر أن يشارك طبيب سوفيتى مع الأطباء المصريين فى متابعة صحته خلال تلك الشهور الفاصلة بين عودته لبلاده ووصولنا إليها.. ورشحنا اسم الدكتور «تيولبين»، إلا أن عبدالناصر أشار إلى أنه يخشى القول أو يفهم ذلك باعتبار أنه علامة على عدم ثقته فى أطبائه المصريين.. وأضاف أنه يثق كذلك فى الأطباء المصريين مع تقديره لمعالجيه السوفييت».. يؤكد «شازوف»: «كان وداع عبدالناصر حارا، وبعد أن عاد إلى القاهرة بعث إلى بريجنيف سكرتير الحزب الشيوعى السوفيتى، رسالة شكر».
كانت السيدة تحية، زوجة الرئيس ترافقه فى هذه الرحلة العلاجية.. تذكر فى مذكراتها «ذكريات معه»: «كان الترحيب بالرئيس أثناء إقامته فى «تسخالطوبو» بالغا من الموجودين هناك، يقفون لينتظروه هناك وهو ذاهب للحمام، وهو يتمشى فى الشارع فى المساء.. كان كل ليلة بعد الساعة التاسعة مساء يجرى اتصالات بالتليفون فى القاهرة، والحديث كله شغل وتوجيهات وتعليمات، وترسل له الجرائد العربية والأجنبية ويستمع للإذاعة».. تضيف: «انتهت أيام العلاج ورجعنا للقاهرة، وقد مضت 23 يوما.. وكان الأطباء الروس قد قالوا إن نتيجة العلاج لا تظهر مباشرة، وسيستمر الألم فى الساق أكثر من شهر ثم يزول بالتدريج.. وشفى الرئيس وذهب عنه الألم الذى كان فى ساقه والحمد لله».
يذكر «شازوف»: «بعد شهور عديدة عندما زرنا القاهرة والتقينا به، كان عبدالناصر فى صحة جيدة، يمشى كثيرا ويعمل كثيرا، ويلعب التنس بينما كان مشغولا باستعادة قدرة بلاده الدفاعية، وتوطيد التعاون العربى، وعندما عدنا من القاهرة كنا راضين تماما عن وضع عبدالناصر الصحى، لكن المستقبل كان يخفى الكثير».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة