توجه الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، رئيس تحرير الأهرام، للقاء خاص مع الفريق أول أحمد إسماعيل، وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة، «رقى إلى رتبة المشير فى 19 فبراير 1974» فى مركز القيادة الذى أدار منه عمليات حرب أكتوبر 1973، ثم خطر له فى نهاية اللقاء أن يسأل القائد العام: لماذا لا يكون ما دار بيننا اليوم للناس أيضا؟»، ولأن ما دار بينهما كان عن حرب أكتوبر، رد إسماعيل: «الوقت مبكر لرواية كل التفاصيل، ولمحات مما حدث تكفى الآن».
نشرت الأهرام هذه اللمحات على صفحتين ومقدمة بالصفحة الأولى فى 18 نوفمبر، مثل هذا اليوم، 1973، بعنوان «أحاديث السلاح، مقابلة مع أحمد إسماعيل»، كان الحوار ثريا وغنيا بمعلومات جديدة- وقتها- عن الحرب التى توقفت قبل هذا اللقاء بأيام، وكشف إسماعيل عن جانب من أسرارها، أبرزها أسباب عجز إسرائيل عن كشف ما يحدث استعدادا للحظة بدء القتال لتحرير الأرض.
قال «إسماعيل»: «فى كل حرب، هناك خطة العمليات وخطة الخداع، وضعنا خطة الخداع على المستوى الاستراتيجى والتعبوى، ووُضعت لها توقيتاتها وجداولها، وصلنا فى الكتمان إلى درجة أن يوم بدء العمليات لم يكن معروفا بعد تحديده مبدئيا إلا من اثنين، الرئيس وأنا، وحتى عندما بدأنا العدد التنازلى، وكان ذلك قبل شهر من بدء العملية، ظل السر محصورا طوال الشهر، وعندما بدأنا الحشد، وأنا أعرف أن العدو يستطلع كل يوم، كنت أدفع إلى الميدان بلواء مثلا، وأعود فى الليل بكتيبة لكى يشعر العدو أن القوات التى ذهبت كانت فى مهمة تدريب أدتها وعادت منها».
يضيف: «أخرت إرسال معدات العبور إلى أقصى درجة ممكنة، فقد كان مؤكدا أن خروج هذه المعدات من مخازنها كفيل بتنبيه العدو إلى نوايانا، وصنعنا لبعض هذه المعدات صناديق خاصة بما لا يشعر أحد أن اللوارى الضخمة التى تحملها لوارى مهندسين، ثم رتبنا لهذه المعدات حفرا على جانب القناة نزلت إليها فور وصولها فى الليل، كانت الخطة خلال هذا كله بالطبع قد اكتملت إلى آخر التفاصيل، بل تفاصيل التفاصيل، وكان ذلك طوال الوقت بالتنسيق مع سوريا، وقبل أيام قليلة من بدء العمليات، كانت تفاصيل الخطة تنزل من قادة الجيوش إلى قادة الفرق، ثم قادة الألوية، ثم قادة الكتائب، بعض الجنود من طلائع الهجوم عرفوا قبلها بثمانى وأربعين ساعة، وبعضهم عرفوا فى الصباح يومها، وتعمدنا تسريب أنباء تصرف الأنظار تماما عن نوايانا، أذعنا فعلا أن وزير دفاع رومانى قادم فى زيارة يوم 8 أكتوبر، وطلبنا منكم فى الأهرام مثلا نشر خبر بفتح الباب لقبول طلبات الضباط والجنود الراغبين فى أداء العمرة».
يكشف إسماعيل: «هناك مسألة أخرى لا بد أن أشير إليها وهى، أننى أحسست مع تقدم مراحل التخطيط بأنه يتحتم علينا أن نقوم بعملياتنا من قاعدة وطيدة، وأحسست أن دفاعاتنا فى القناة ينقصها التحصن الكافى، وهكذا بدأت أبنى دفاعاتنا استعدادا للهجوم، وكان علينا أن نبنى ونرفع مواقع قادرة على التحكم فى الشاطئ الغربى للقناة وفى الشرقى أيضا، كان خط بارليف أمامنا يكشف مواقفنا، ورحنا نبنى ونرفع ونكشف الضفة الشرقية، ونتحكم فيها، وكان ذلك عملا صعبا غاليا فى تكاليفه، ولكن كان ضروريا حتى أستطيع مساعدة قواتى وهى تعبر من الغرب إلى الشرق، وأستطيع حماية قواتى للحشد وإخفائها قبل التقدم لمفاجأة العبور، كان ذلك يعطينا ميزة، لو أحس العدو بنوايانا وحاول القيام بضربة إحباط أوضربة إجهاض، فيمكننا من صده وتدميره».
سأل هيكل عن كيف تم تحديد يوم بدء العمليات، أجاب إسماعيل: «كان عملا علميا على مستوى رفيع، سيدخل التاريخ العلمى للحروب كنموذج من نماذج الدقة المتناهية، كنا نريد ليلة مقمرة يتصاعد فيها القمر معنا فى الساعات الحاسمة، ليلة يكون تيار القناة فيها مناسبا للعبور من ناحية السرعة، ليلة يكون عملنا فيها بعيدا عن توقيتات العدو، ليلة لا يكون فيها العدو نفسه مستعدا للعمل».
هذه الميزات حددت لنا يوم 6 أكتوبر من قبلها بشهور، الحسابات الفلكية أعطتنا فى تلك الليلة قمرا ينمو فى أول الليل ثم يغيب فى آخره، علماؤنا فى القوات المسلحة درسوا تقارير هيئة قناة السويس لسنوات طويلة سبقت، لكى يحسبوا سرعة التيارات فى كل أيام السنة، وكان 6 أكتوبر أكثرها مناسبة، العدو لا يتوقع منا العمل فى شهر رمضان، العدو مشغول بمناسبات مختلفة بينها انتخاباته العامة».
أوحى إلينا شهر رمضان باختيار الاسم الرمزى لعملية الهجوم، كان الرئيس من وجهة نظره السياسية يسميها «عملية الشرارة»، وأما الاسم الرمزى فى كل خططنا العسكرية فكان «بدر»، وأما عن تحديد ساعة البدء، فظل إلى أيام قبل بدء القتال موضوع مناقشة بيننا وبين إخواننا فى سوريا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة