نجاحات كبيرة حققتها الدولة المصرية خلال الأيام الماضية، التي شهدت تنظيما نموذجيا لقمة المناخ، في مدينة شرم الشيخ، سواء فيما يتعلق بالجانب التنظيمي أو اللوجيستي، أو من ناحية الموضوعات التي تمت مناقشتها، والتي لم تقتصر بطبيعة الحال، على قضية التغيرات المناخية، والتي تعد الموضوع الرئيسي، حيث امتدت إلى العديد من الأزمات الأخرى، التي يعاني منها العالم، وهو ما بدا، على سبيل المثال، في النداء الذي أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسي، لوقف الحرب الدائرة في أوكرانيا، والتي تركت تداعيات كبيرة على العديد من الدول، بينما ترتبط تلك التداعيات على قضايا أخرى لها علاقة مباشرة بالقضية الرئيسية للقمة، وعلى رأسها قضايا الأمن الغذائي والطاقة، وهو ما أضفى الكثير من الزخم للحدث العالمي، ومنحه المزيد من الاستثنائية، في ظل الحاجة الملحة لاستراتيجية شاملة وممتدة يمكن من خلالها حماية السلم والأمن الدوليين من المخاطر المحدقة بهما.
ولعل النجاح الكبير الذي شهدته قمة المناخ، على أرض مصر، يمثل ثمرة مهمة، لسنوات "البناء"، التي خاضتها الدولة منذ عام 2014، والتي اتسم فيها العمل لتحقيق التنمية، بحالة من "الشمول"، سواء جغرافيا، عبر امتدادها لكافة المحافظات، ثم التحرك نحو تعميمها دوليا في المحيط الجغرافي، بالإضافة إلى اقتحامها كافة مناحي الحياة، عبر التركيز على تحسين الأوضاع الاقتصادية جنبا إلى جنب مع إحداث طفرة مجتمعية، بالتزامن مع إشراك كافة الفئات المهمشة، في العملية التنموية، بدء من الشباب والمرأة وحتى ذوي الهمم، وهو ما يعكس حالة من التكامل والانسجام بين السياسات المصرية في الداخل والخارج، مع الأهداف التي تبنتها خلال القمة التاريخية الهامة.
فلو نظرنا إلى كافة المشروعات التي أطلقتها الدولة في كافة المحافظات في السنوات الماضية، نجد أن ثمة ارتباط بين البعد الجغرافي، والذي يتجسد في حالة الامتداد نحو جميع مناطق الجمهورية، والبعد البيئي، عبر الاعتماد على مصادر طاقة "صديقة للبيئة"، وكذلك البعد المجتمعي، والمتمثل في إشراك كافة الفئات المذكورة، ناهيك عن البعد الاقتصادى الذي يبقى أولوية قصوى، على اعتبار أن تحقيق التنمية الاقتصادية هو الهدف الرئيسي وراء تلك الجهود.
وبالطبع لا يمكننا أن نتجاهل البعد الأمني، والذي يمثل حجر الأساس، ليس فقط لنجاح القمة، وإنما أيضا لاختيار مصر من البداية، وتحديدا مدينة شرم الشيخ الواقعة في قلب سيناء الحبيبة، لاستضافتها، خاصة بعد سنوات الفوضى التي شهدتها تلك المنطقة خلال ما يسمى "الربيع العربي"، وهو ما يمثل تتويجا لجهود حثيثة من الدولة وأجهزتها في مكافحة الارهاب، ليس فقط داخل حدودها، وإنما أيضا في منطقتها عبر استراتيجية اعتمدت الأدوات الأمنية والدينية والإعلامية، استلهمتها دولا أخرى، في انعكاس صريح لنجاعتها.
نجاح قمة المناخ، لا يرتبط في حقيقة الأمر بالمسألة التنظيمية أو السياسية، وإنما يمتد في جوهره إلى كونه نتاج "سلسلة من البناء"، تجسدت في بناء الوعي المجتمعي، عبر مبادرات بيئية تهدف إلى تعزيز إدراك المواطنين بالقضية، وبناء "التنمية" في إطار مستدام، عبر مشروعات عملاقة، بالإضافة إلى بناء الاستقرار، عبر مكافحة الإرهاب، وبناء الدور على المستوى الدولي، عبر العمل على تعظيم المصالح المشتركة مع كافة الدول في محيطها الاقليمي لتتوارى ورائها الخلافات، مما ساهم في تعزيز دور مصر خلال للقمة للدفاع عن حقوق الدول الإفريقية في تحقيق التنمية، ومطالبتها لمعسكر الدول المتقدمة بتقديم الدعم اللازم لهم لتحقيق هذا الهدف.
"سلسلة البناء" التي خاضتها الدولة المصرية في 8 سنوات أثمرت في الداخل، عبر تحقيق جزء كبير من أهدافها، ومواصلة العمل في ظل الظروف، التي توقف فيها العمل في أعتى الدول من حيث الإمكانيات، على غرار فترة الوباء، التي حققت فيها الدولة أرقاما تنموية إيجابية، رغم الظروف الصعبة، وعلى المستوى الدولي عبر شراكات متعددة وممتدة، في العديد من المجالات مع العديد من دول العالم، على غرار الشراكة الثلاثية مع اليونان وقبرص في مجال الغاز الطبيعي، والتي أثمرت عن "منتدى غاز شرق المتوسط"، والذى بات يضم في عضويته العديد من الدول الأخرى.
إلا أن قمة المناخ تمثل وجها جديدا، للتأثير المصري، الذي بات يتسم بحالة من العالمية "غير المحدودة"، عبر حشد زعماء العالم على أرضها، وتقديم رؤيتها للتعامل مع كافة الأزمات التي تهدد الجميع دون تفرقة، وهو ما يمثل ثمرة جديدة لجهود السنوات الماضية، سواء على مستوى الداخل، عبر تقديم نفسها كنموذج يحتذى به، أو على المستوى الدولى من خلال شراكاتها الصغيرة، ذات النطاق الواسع.
وهنا يمكننا القول بأن نجاح قمة للمناخ ثمرة، ليست الاخيرة، لنجاحات كبيرة متتالية، في تحول مصر من الاقليمية الضيقة نحو العالمية، ومنها إلى حالة من "اللامحدودية" في التأثير، وهو ما يمكن البناء عليه في المستقبل في إطار "سلسلة البناء" التي خاضتها ومازالت تواصلها.