نداء هام أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال فاعليات قمة المناخ، في شرم الشيخ، لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، يعكس حالة التداخل، في الأزمات الدولية، وارتباطها ببعضها، خاصة إذا ما نظرنا إلى تداعيات كل منها، وهو ما يمثل تجسيدا للرؤية المصرية، القائمة على ضرورة التعامل مع الأزمات المتواترة، عبر حزمة من السياسات المتزامنة، في إطار استراتيجي، بحيث لا يقتصر التركيز على أزمة بعينها، في ظل حالة "اللامحدودية"، سواء الجغرافية أو الزمنية، للوضع الراهن، مما وضع كافة دول العالم في مأزق حقيقي، مازالت المنظومة الدولية عاجزة عن التعامل معه، بسبب غياب الآليات والأدوات التي من شأنها التعامل مع مثل هذه النوعية من الأزمات.
لعل نداء الرئيس السيسي حول ضرورة وقف الحرب الروسية الأوكرانية، خلال قمة للمناخ، يترجم في جوهره، تحذيرا مهما للعالم، بخطورة الصراع القائم، وتأثيراته، والتي ترتبط بصورة مباشرة مع بقضايا حيوية، وعلى رأسها أمن الطاقة والغذاء، والتي ترتبط في الوقت نفسه بظاهرة التغيرات المناخية، وهو ما يظهر بجلاء في موجات الغلاء والتضخم ونقص السلع التي ضربت أسواق العالم، من جهة، بالإضافة إلى تحول بعض الدول نحو إلى العودة إلى الفحم، خاصة في دول أوروبا الغربية، لتشغيل مصانعها، خلال المرحلة الحالية، بسبب نقص إمدادات الغاز القادمة من موسكو، على خلفية العقوبات المفروضة على الحكومة الروسية، منذ بدء العملية العسكرية في فبراير الماضي، من جهة أخرى.
الحديث عن وقف الحرب الروسية الأوكرانية، جنبا إلى جنب مع مكافحة التغير المناخي، يمثل حالة من "الجمعية" التي تتسم بها "COP 27"، في ظل خلافات عميقة، بين دول العالم المتقدم والنامي، حول العديد من القضايا، وهو الأمر الذى سعت الدولة المصرية نحو التحرك فيه، على مسارين، أولهما يعتمد على ضرورة تقديم الدعم للدول النامية، حتى تتمكن من تحقيق التنمية المرجوة، باعتبارها حق أصيل لها، بينما يقوم المسار الاخر على تقديم نفسها كنموذج يمكن الاحتذاء به في محيطها الإقليمي والجغرافي، فيما يتعلق بتحقيق التنمية المستدامة، والتي تراعي، بعيدا عن لغة الأرقام، الجانب البيئي والسياسي والاجتماعي والسياسي والتي تعود في مجملها بالنفع على الأوضاع الاقتصادية، وهو ما تترجمه المشروعات العملاقة التي تبنتها الدولة، ومبادراتها المجتمعية، بالإضافة إلى سياسة عدم الإقصاء لأي فئة، وهو ما يتجلى في العديد من الأبعاد، وأبرزها "الحوار الوطني"
النهج "الجامع" الذي تتبناه الدولة المصرية لم تقتصر على مناقشة كافة الأزمات العالمية، في إطار القضية المناخية، وإنما امتدت إلى ضرورة "تعميم" النهج التنموي، لتشمل كافة الدول، بعيدا عن سياسات "الإفقار"، التي هيمنت على العالم، خلال السنوات الأخيرة، بحيث تصبح عملية التنمية، غير قاصرة على حدود دولة معينة وإنما ممتدة لجيرانها، في إطار تكاملي
"تعميم" النهج التنموي، من وجهة النظر المصرية، يبقى السبيل الأنجع، لمحاربة خطر الفوضى، والذى صار شبحا يطارد كافة دول العالم، باختلاف تصنيفاتها وإمكاناتها، وهو ما يبدو في الاحتجاجات المتواترة في كل المناطق، بلا استثناء، بينما يحمل في طياته طبيعة فيروسية ممتدة، وهو ما تجلى بوضوح في منطقة الشرق الأوسط إبان حقبة "الربيع العربي"، والتي مازالت تعاني بعض الدول من تداعياتها حتى الآن.
الرؤية المصرية تبدو مستلهمة من السياسات التي تبنتها في الداخل، والتي اعتمدت نهجا شاملا، عبر إقامة المشروعات العملاقة، والتي امتدت إلى كافة المحافظات، بعيدا عن سياسات التهميش لانتشال البلاد من أزمتها الاقتصادية بعد سنوات من التوقف، جنبا إلى جنب مع إشراك كافة الفئات، التي عانت تهميشا بالغا لعقود طويلة من الزمن، وعلى رأسها الشباب والمرأة وصولا إلى ذوى الهمم، تزامنا مع العمل على تحقيق الأمن والاستقرار، في إطار الحرب على الارهاب، بأبعادها الأمنية والتوعوية، وهي السياسات التي حققت نجاحا كبيرا، ربما تجلى في قدرتها على الصمود أمام الأزمات المستحدثة، على غرار تفشي وباء كورونا، والتي استطاعت خلالها الدولة من تحقيق أرقام إيجابية في التنمية الاقتصادية، في الوقت الذى عجزت فيه أعتى الاقتصادات عن مواجهته.
وهنا يمكننا القول بأن قمة المناخ في شرم الشيخ، تمثل أحد أهم أوجه الانسجام التى تتسم بها الدولة المصرية، فيما يتعلق بسياساتها، سواء في الداخل أو الخارج، حيث تقدم رسالة مفادها أن التعامل مع الأزمات في إطار جمعي يبقى السبيل لتجاوزها، بعيدا عن الحديث بأزمة بعينها، في ظل الارتباط الوثيق فيما يتعلق بالتداعيات المرتبطة بها.