ربما تتسم قمة المناخ المنعقدة حاليا في شرم الشيخ، رغم كونها حدثا سنويا، بحالة استثنائية، لم تسبقها إليها كافة القمم السابقة، والتي اجتمعت على هدف واحد، وهو مكافحة ظاهرة التغير المناخي، بسبب ما تحمله من تداعيات خطيرة على الكوكب بأسره، قد تأكل الأخضر واليابس حالة العجز الدولي عن احتوائها في أقرب وقت ممكن، وهو ما يكمن، في جزء كبير منه، في تزامنها مع العديد من المستجدات الدولية التي يشهدها العالم، سواء فيما يتعلق بعودة الصراعات مجددا، بالإضافة إلى حالة الاستقطاب التي باتت تهيمن على المشهد العالمي، في الآونة الأخيرة، ناهيك عن ظهور أزمات طارئة، ولكنها في الوقت نفسه "طويلة المدى" نسبيا، على غرار تفشي وباء كورونا، والتي توقف العالم على إثرها لشهور، بينما كانت تأثيرات هذا التوقف ممتدة.
ولعل الحديث عن ظاهرة التغير المناخي، لا يمكن أن يكون مفيدا بعيدا عن الأزمات الأخرى التي باتت تضرب العالم، وعلى رأسها الأزمة الأوكرانية، ومن قبلها الجائحة، وما ترتب عليهما من أزمات عميقة، والمرتبطة بقطاعات حيوية، على غرار قطاعي الطاقة والغذاء، ناهيك عن أزمات اقتصادية كبيرة، ربما دفعت الكثير من الدول نحو حافة الهاوية، بسبب حالة التوقف التي سادت في حقبة الوباء، أو موجات التضخم والغلاء العاتية، التي باتت تضرب العالم بأسره، وما يسفر عنها من حالات محتملة من الفوضى وعدم الاستقرار، في ظل الارتباط الوثيق والمباشر بين طبيعة تلك الأزمات والمواطن، في مختلف الدول، سواء كانت في المعسكر المتقدم أو النامي.
يبدو أن ثمة حالة من الارتباط بين الأزمات الراهنة، تساهم بصورة كبيرة في إطالة أمدها، مما يجعل الحديث عن أزمة بعينها، دون تناول الأزمات الأخرى التي ترتبط بها، مجرد "ثرثرة"، لا طائل منها، لتتجاوز النتائج المرجوة، الديباجات الدبلوماسية، والبروتوكولية، في ظل الحاجة الملحة للوصول إلى حلول ملموسة من قبل المسؤولين الدوليين، للأوضاع الراهنة، وتداعياتها الكارثية، وهو ما يبدو على سبيل المثال في أوروبا، التي باتت تعاني من أزمة طاقة، تهدد سكان القارة العجوز بشتاء قارص البرودة، ناهيك عن أزمة غذاء، بسبب نقص السلع والغلاء، لتجد أوروبا نفسها في مواجهة أزمات غير معتادة على شعوبها، في الوقت الذى تتفاقم فيه أزمات دول العالم النامي، ويصبح العالم على قدم المساواة.
وللحقيقة فإن الأمر يبدو في حاجة إلى صيغة جديدة للتفاوض، من شأنها تحويل حالة الصراع بين دول العالم المتقدم من جانب، والنامي من جانب أخر، والتي هيمنت على كافة المناسبات المناخية السابقة، إلى صفقة، من شأنها تحقيق المصالح المشتركة، والأهم المصلحة العليا لـ"الكوكب"، عبر دعم الدول النامية، لتحقيق التنمية الاقتصادية، عبر مشروعات صديقة للبيئة في كافة المجالات، وعلى رأسها، على سبيل المثال، تلك المرتبطة بالغذاء، وبالتالي المساهمة في حل أزمة عالمية تمثل تهديدا للعالم بأسره، وكذلك التفاوض بشأن الطاقة، والتحول نحو الاعتماد على مصادرها المتجددة، وهي الأمور التي ستصب، حالة النجاح في اختراقها، في صالح القضية المناخية.
وبالتالي يصبح الوصول إلى صيغة توافقية بين دول العالم، حول المناخ، من شأنه الوصول إلى حلول في الأزمات الأخرى، عبر تحقيق "العدالة" المناخية، والتي ترتبط في جوهرها بـ"العدالة" التنموية، وهو ما يساهم بدوره في تحقيق أكبر قدر من "العدالة" الاجتماعية، تعتمد "الحياة الكريمة" لكل الفئات، في مختلف الدول، وهو ما يصل بنا في النهاية إلى الاستقرار السياسي.
في الواقع أن علاج المسألة المناخية يرتبط بالعديد من القضايا الأخرى، عبر الوصول إلى "حزمة" من الحلول العادلة، سواء فيما يتعلق بالجانب السياسي والاقتصادي والمجتمعي، بالإضافة إلى ما يمكننا تسميته بـ"الكوني"، يقوم على حماية "الكوكب" من المخاطر المحدقة به، وهو ما يساهم بصورة كبيرة في زيادة حالة الزخم في قمة المناخ في شرم الشيخ، خاصة مع تزايد الأزمات وتواترها والحاجة الملحة إلى استراتيجية ممتدة، يمكنها التعامل مع الأزمات طويلة المدى، والتي تحمل تداعيات تتجاوز الزمن والجغرافيا.
وهنا يمكننا القول بأن قمة شرم الشيخ، تتجاوز كونها متعلقة بقضية المناخ، إلى العديد من القضايا الأخرى، والتي ترتبط بحياة الشعوب، بالإضافة إلى علاقتها الوثيقة، في جزء كبير منها، بالعديد من الأزمات الأخرى، والتي تمثل تهديدا صريحا، لكافة مناحي الحياة، لتصبح الآمال معلقة بشرم الشيخ، ليس فقط من قبل المهتمين بالمناخ، وإنما من قطاع أوسع نطاقا من البشر، حول العالم، باتوا يشعرون بالمعاناة، في ظل الأزمات المتلاحقة.