يبدو انعقاد قمة المناخ في مدينة شرم الشيخ أحد أهم العلامات الاستثنائية، التي تتسم بها، في ظل اعتمادها العديد من المشروعات الذكية الصديقة للبيئة، والتي حولتها إلى نموذج يحتذى به، فيما يتعلق بالمنتجعات حول العالم، لتحقق استضافتها للقمة، أبعادا إضافية للزخم الذى تحظى به، وأهمها تقديم عرض عملي للوفود المشاركة، يمكن تعميمه، خاصة في الدول النامية، في إطار الإجراءات الدولية اللازمة لمكافحة ظاهرة التغيرات المناخية، والتي تمثل تهديدا صريحا للعالم بأسره، ناهيك عن تزامنها مع العديد من الأزمات المتلاحقة، على غرار تداعيات الوباء، والأزمة الأوكرانية وما ترتب عليهما من أزمات اقتصادية كبيرة، تبدو مؤثرة بشكل واضح على أوضاع الدول، باختلاف تصنيفاتها، على كل الأوضاع، سواء سياسيا أو اجتماعيا.
إلا أن انعقاد القمة في أحد الدول الإفريقية، والواقعة في إقليم الشرق الأوسط في هذا التوقيت الحساس عالميا، يمثل في جوهره، جانبا أخر لا يقل أهمية، يعكس إلى حد كبير الدور القيادي الهام الذى تلعبه مصر في مناطقها الجغرافية، باعتبارها قادرة على العمل بشكل جماعي لانتشال تلك المناطق بعيدا، نحو أفاق أرحب، ليس فقط فيما يتعلق بالقضية المناخية، والتي تمثل الموضوع الرئيسي للقمة، وإنما أيضا بالعملية التنموية، في إطار مستدام، وهو الأمر الذى يمثل انسجاما واضحا مع العديد من السياسات التي تبنتها الدولة المصرية، في السنوات الماضية، من خلال مشروعاتها العملاقة التي امتدت إلى مختلف المحافظات، وشملت كافة المواطنين، مع مراعاة الجانب البيئي، والاجتماعي، في إطار مبادرات عدة، أبرزها "حياة كريمة"، وصولا إلى البعد السياسي عبر الحوار الوطني الشامل لكل القضايا والجامع لكن أطياف المجتمع.
ولعل الحديث عن استضافة شرم الشيخ للقمة الاستثنائية، يمثل أحد أهم وجوه "دبلوماسية المنتجعات"، والتي تتبناها الدول الكبرى، على غرار "كامب ديفيد"، والتي تعد، في أغلب الأوقات، خيار الولايات المتحدة المفضل، لعقد المفاوضات الماراثونية الصعبة، وكذلك منتجع سوتشي، في روسيا، والذى بات معتمدا لعقد المؤتمرات والقمم الهامة التي تقودها موسكو.
ولكن بعيدا عن "دبلوماسية المنتجعات" والتي تناولتها في مقال سابق، أصبحت مدينة شرم الشيخ، إلى جانب كونها منتجعا سياحيا هاما، ومنصة دبلوماسية بارزة، يمكنها استضافة الأحداث العالمية، بمثابة "عاصمة" للمناخ في محيطها الجغرافي، في ظل العرض المبهر الذى تقدمه خلال القمة التي باتت الأهم دوليا، في المرحلة الراهنة، بسبب اتساع نطاقها، باعتبارها تناقش مستقبل الكوكب، ليس فقط على المستوى التنظيمي واللوجيستي، ولكن أيضا باعتبارها نموذجا "صديقا للبيئة" يمكن أن يحتذى به وبالتالي تعميمه في العديد من الدول حول العالم.
والمتابع لقضية المناخ في السنوات الماضية، يلحظ ارتباط القضية "الكونية" بالعاصمة الفرنسية باريس، في ظل نجاح القادة في التوصل إلى اتفاق تم توقيعه خلال "COP 21" في أواخر عام 2015، بينما دخل حيز النفاذ، في أبريل 2016، ليمثل جزء لا يتجزأ من نفوذ فرنسا على المستوى الدولي، وهو ما يفسر الغضب الشديد من قبل الرئيس إيمانويل ماكرون في أعقاب الانسحاب الأمريكي من الاتفاقية، في 2019، في عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، إلى الحد الذى دفعه إلى الحديث حينها عن "الموت الإكلينيكي" للناتو، والذى يعد أحد أهم علامات القيادة الأمريكية للمعسكر الغربي، وذلك قبل عودة واشنطن للاتفاق مرة أخرى مع صعود جو بايدن إلى عرش البيت الأبيض.
وبين باريس وشرم الشيخ، ربما نجد العديد من التشابهات، ربما أبرزها الدور القيادى لمصر وفرنسا في مناطقهما الجغرافية، بالإضافة إلى كونهما مدن صديقة للبيئة، مما يعزز ما يمكننا تسميته بـ"دبلوماسية الأقاليم المناخية" والتي تعتمد سياسة التحرك إقليميا لاحتواء الخطر الداهم، الذي يواجه البشرية، جراء تفاقم ظاهرة "التغير المناخي"، هو ما يعني أن شرم الشيخ باتت عاصمة إقليمية للمناخ، في ظل ما تقدمه من نموذج فريد، بالإضافة إلى الظروف الاستثنائية، على المستوى الدولي، التي عقدت خلالها القمة على أرضها.
وهنا يمكننا القول، بأن نجاح قمة شرم الشيخ، لا يعني مجرد الجوانب التنظيمية والبروتوكولية، وإظهار قدرة مصر على استضافة الأحداث العالمية أو الوصول إلى اتفاقات شكلية تحمل طابعا بروتوكوليا بعيدا عن الواقع العملي، وإنما أيضا يحمل في طياته أبعادا ترتبط بنفوذ الدولة المصرية، في حشد الدول الإفريقيه والعربية، وراء الوصول إلى الصفقة المرجوة، القائمة على ضرورة مراعاة البعد التنموى في الدول النامية، مع التزامها بالجانب البيئي، بينما تبقى مسؤولية القوى الكبرى هو تقديم الدعم لهم، في إطار استراتيجية ممتدة تعتمد التنمية الشاملة لكل دول العالم، سبيلا لحل الأزمات الدولية الراهنة، ناهيك عن وضع أسس نظام عالمي، يعتمد ما أسميته من قبل بـ"البيئوقراطية" العالمية.