بيشوى رمزى

صندوق COP 27.. الوجه الآخر لاتفاقية باريس المناخية

الإثنين، 21 نوفمبر 2022 03:21 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يبدو أن تدشين صندوق الخسائر والأضرار، والذى يعد أحد أهم نتائج قمة المناخ التي عقدت في مدينة شرم الشيخ، أحد أهم الاختراقات التي تحققت في إطار مكافحة ظاهرة التغيرات المناخية، باعتباره انتصارا مهما لـ"معسكر" الدول النامية، خاصة وأنه يمثل اعترافا ضمنيا بأهمية، بل وأولوية، تعويض هذه الدول عن الأضرار التي لحقت بها، ليس فقط نتيجة تداعيات الظاهرة عليها كأكثر الدول المتضررة منها، ولكن أيضا بسبب سنوات التجريف، التي شهدتها لعقود طويلة من الزمن، من قبل الدول المتقدمة، بسبب استنزاف مواردها، بهدف تحقيق طفرات تنموية متتالية، بعيدا عن النظر، تداعيات مثل هذه الحالة، سواء على شعوبهم، والذين عانوا سنوات من الفقر، أو على الكوكب بأسره، وهو ما بدا في التهديد المحدق به في اللحظة الراهنة، ويكافح العالم لمجابهته.

 

والمتابع لقضية المناخ ربما يلحظ مسارين للانقسام العالمي، أولهما يتجسد في مسألة تخفيض الانبعاثات الكربونية، في ظل الرغبة العارمة لدى الدول المتقدمة في تحقيق معدلات تنمية ضخمة، وهو ما يرتبط في الأساس، بالاعتماد على مصادر الوقود الأحفورى الملوث للبيئة، وكذلك احتفاظ الدول النامية بحقها في التنمية، هو ما خلق الحديث عن مسار اخر يدور حول تعويض الدول الفقيرة، عبر تقديم الدعم لهم، في إطار سياسات الدعم التقليدية أولا، ثم تحول بعد ذلك نحو مساعدتهم لتدشين مشروعات "صديقة للبيئة"، من شأنها تحقيق التنمية المرجوة، في إطار نهج من الشراكة الدولية، مما يؤهلهم للاعتماد على أنفسهم في تحقيق طموحاتهم وطموحات شعوبهم المشروعة في "حياة كريمة".

 

ولعل اتفاق باريس، والذى وقعته الدول خلال قمة المناخ التي انعقدت في العاصمة الفرنسية عام 2015، ارتكز في جوهره على معالجة المسار الأول، والمتمثل فى قضية الانبعاثات والعمل على تخفيضها، بينما بقى المسار الاخر مجمدا، أو بالأحرى مؤجلا، حتى انطلاق قمة شرم الشيخ، ليكون تأسيس الصندوق، بمثابة خطوة كبيرة نحو احتواء الطبيعة "الثائرة"، في ظل ما يفرضه من التزام أخلاقي، مع تفاقم التداعيات المترتبة على ظاهرة التغيرات المناخية من جانب، بالإضافة إلى كونه التزاما سياسيا مهما، على الدول التي أعلنت موافقتها عليه، خلال الحدث العالمي.

 

ويحمل الحديث عن تدشين هذه الخطوة التاريخية من مدينة شرم الشيخ، في طياته العديد من الأبعاد، ربما أبرزها ارتباط الصندوق الوليد باسمها، لتصبح أحد عواصم العالم المناخية، وهو ما يعزز مكانة مصر الدولية، باعتبارها أحد أهم المدافعين عن حقوق الدول النامية، والتي تمثل، في جزء منها، محيطها الإقليمي وعمقها الاستراتيجي، بالإضافة إلى أنه بات لا يقل أهمية عما توصل إليه الموقعون في باريس، قبل 7 أعوام، على اعتبار أن تدشينه يبقى نقطة انطلاق جديدة في تاريخ القضية المناخية، وعلاجا للمسار الخلافي الثاني، بين دول العالم، المتعلق بتعويض الدول المتضررة، وهو ما لا يقل أهمية عن المسار الأول والمتعلق بالانبعاثات.

 

ويعد تدشين الصندوق، خلال قمة شرم الشيخ، جنبا إلى جنب مع إطلاق منتدى الهيدروجين الأخضر، بالشراكة بين مصر وبلجيكا، انعكاسا لحالة من الانسجام التي اتسمت بها الرؤية المصرية حول مجابهة ظاهرة التغيرات المناخية، حيث يبقى المنتدى تعزيزا لفكرة تحويل الخلافات القائمة إلى شراكة، فيما يتعلق بتعزيز استخدام المصادر النظيفة للطاقة، خاصة مع إمكانية انضمام دول أخرى من كلا المعسكرين (المتقدم والنامي)، بينما يبقى الصندوق بمثابة وسيلة لمساعدة الدول المتضررة، حتى يمكنها النهوض مجددا والانطلاق نحو التنمية، وهو ما يمثل رؤية جديدة، بعيدا عن أساليب الدعم التقليدية، القائمة على إسكات الدول الفقيرة بحفنة من النقود، دون رؤى حقيقية وفعالة لعلاج أزماتها.

 

وهنا يمكننا القول بأن قمة شرم الشيخ أصبحت الوجه الأخر لاتفاقية باريس، ولا تقل أهمية عنها، في ظل نجاحها الكبير في تحقيق التوافق الدولي حول ضرورة تقديم المساعدة الفعالة والبناءة للدول المتضررة من الظاهرة المناخية من جانب، بالإضافة إلى التغيير الكبير في تقديم مفهوم "الدعم"، والقائم على فكرة التحول نحو "الشراكة" الدولية لمجابهة الأزمات التي يمر بها العالم، بعيدا عن المفاهيم التقليدية، من جانب أخر، وهو ما يمثل أساسا مهما يمكن إرساءه، سواء فيما يتعلق بهذه القضية تحديدا خلال القمم المقبلة، وعلى رأسها القمة المقرر انعقادها في دولة الإمارات في العام المقبل، أو فيما بتعلق بأزمات دولية أخرى، بات من الصعب تحديد مدى زمني أو جغرافي لها.

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة