كان الخديو عباس الثانى فى العاصمة النمساوية «فيينا» بفندق «إمبريال»، حين صدرت الجريدة الرسمية فى مصر والجرائد السيارة صبيحة 19 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1914، وفيها إعلان تم تعليقه أيضا على الجدران فى القاهرة والإسكندرية وجميع أنحاء القطر المصرى فى الأماكن الظاهرة للعيان، حسبما يذكر أحمد شفيق باشا رئيس ديوان الخديو، فى أول أجزاء سلسلته «حوليات مصر السياسية - التمهيد».
نص الإعلان: «يعلن ناظر الخارجية لدى حكومة ملك بريطانيا العظمى أنه بالنظر لإقدام سمو عباس حلمى باشا خديو مصر السابق على الانضمام لأعداء الملك، رأت حكومة جلالته خلعه من منصب الخديوية، وعرض هذا المنصب السامى مع لقب سلطان مصر على سمو الأمير حسين كامل باشا أكبر الأمراء الموجودين من سلالة محمد على، فقبله».
يذكر «شفيق»، أنه حينما عزم الإنجليز على مخابرة سمو الأمير حسين فى أمر توليته العرش، كان مقيما بقصر المعمورة، فاستدعى فجأة إلى القاهرة بإشارة منهم، فسافر على قطار خاص، ولما وصل حصلت المخابرة بينه وبينى وبين المستر «ملن شيتهام» القائم بأعمال الوكالة البريطانية بواسطة حسين رشدى باشا رئيس النظار.
كان قرار الخلع تاليا لإعلان الحكومة البريطانية الحماية على مصر يوم 18 ديسمبر 1914، وكان يعنى زوال سيادة الدولة العثمانية عليها.. يذكر شفيق، أن الإنجليز فكروا فى معالجة الحالة بمصر حين نشوب الحرب بينهم وبين الدولة العلية «تركيا» مع ما كانوا يعلمونه من شعور الخديو عباس نحوهم، فقرروا خلعه، ثم رأوا أنهم ملزمون بتعيين خلف له، فخطر لهم شقيقه الأمير محمد على، فلمحوا لهم بغرضهم فرأوا منه إباء، فعرضوه على الأمير حسين كامل، واستقدم الإنجليز من الهند أغاخان زعيم طائفة الإسماعيلية هناك، فوصل الإسكندرية يوم 19 ديسمبر «يوم قبول السلطان حسين تسلم عرش مصر»، فأكرمت وفادته وأوعز إلى أحمد يحيى باشا من عظماء الإسكندرية أن يجمع فى داره لفيفا من أهل العلم والوجاهة وذوى الحيثيات، وأن يدور محور ما يلقى من الخطب فى هذه الحفلة على مدح الزعيم المذكور وتبجيله وتقديسه».
يرى «شفيق» أن الذى نفهمه من مجىء «أغاخان» أنه كان ذريعة لإقناع أمراء بيت محمد على بعدم ترك العرش يفلت منهم، حيث أشيع أن قدومه الغرض منه تبوء عرش مصر إذا رفضه الأمراء، غير أن آغاخان فى مذكراته، ترجمة «سيف الدين القصير»، يذكر أنه جاء ليوضح ضرورة المحافظة على الأمن الداخلى فى مصر.. ويؤكد: «كانت مهمتى أن أوضح هذا الرأى، وهكذا سافرنا إلى القاهرة لهذا الغرض بأسرع ما استطعنا، وجرى استقبالنا هناك استقبالا كاد يكون ملوكيا».
تذكر الحكومة البريطانية أسباب خلعها لعباس الثانى فى التبليغ الذى وجهه مستر «شيتهام» إلى حسين كامل وينشر شفيق باشا نصه المهين، وفيه: «لدى حكومة جلالة ملك بريطانيا أدلة وافرة على أن سمو عباس حلمى باشا خديو مصر السابق انضم انضماما قطعيا إلى أعداء جلالته منذ أول نشوب الحرب «العالمية الأولى» مع ألمانيا، وبذلك تكون الحقوق التى كانت لسلطان تركيا وللخديو السابق على بلاد مصر سقطت عنهما وآلت إلى جلالته».
يضيف «التبليغ»: «لما سبق لحكومة جلالة الملك أنها أعلنت بلسان قائد جيوش جلالته فى مصر أنها أخذت على عاتقها وحدها مسؤولية الدفاع عن القطر المصرى فى الحرب الحاضرة، فقد أصبح من الضرورى الآن وضع شكل للحكومة التى ستحكم البلاد بعد تحريرها كما ذكر من حقوق السيادة وجميع الحقوق الأخرى التى كانت تدعيها الحكومة العثمانية، فحكومة جلالة الملك تعتبر وديعة تحت يدها لسكان القطر المصرى جميع الحقوق التى آلت إليها بالصفة المذكورة، وكذلك جميع الحقوق التى استعملتها فى البلاد مدة سنى الإصلاح الثلاثين سنة الماضية «منذ بدأ الاحتلال عام 1882»، ورأت حكومة جلالته أن أفضل وسيلة لقيام بريطانيا العظمى بالمسؤولية التى عليها نحو مصر أن تعلن الحماية البريطانية إعلانا صريحا، وتكون حكومة البلاد تحت هذه الحماية بيد أمير من أمراء العائلة الخديوية طبقا لنظام وراثى يقرر فيما بعد».
يضيف التبليغ: «بناء عليه كلفتنى حكومة جلالة الملك بأن أبلغ سموكم أنه بالنظر لسن سموكم وخبرتكم رئى فى سموكم أكثر الأمراء من سلالة محمد على أهلية لتقلد منصب الخديوية مع لقب «سلطان مصر»، وإننى مكلف بأن أؤكد لسموكم صراحة أن بريطانيا العظمى أخذت على عاتقها وحدها كل المسؤولية فى دفع أى تعد على الأراضى التى تحت حكم سموكم مهما كان مصدره، وقد فوضت لى حكومة جلالته أن أصرح بأنه بعد إعلان الحماية البريطانية يكون لجميع الرعايا المصريين أينما كانوا الحق فى أن يكونوا مشمولين بحماية جلالة الملك، وبزوال السيادة العثمانية تزول أيضا القيود التى كانت موضوعة بمقتضى الفرمانات العثمانية لعدد جيش سموكم، وللحق الذى لسموكم فى الإنعام بالرتب والنياشين».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة